أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى ميلاد عمار الشريعى

هو ” أستاذُ التّحليلِ الموسيقى ” و ” الغواصُ فى بحرِ النغم ” الفنان الكبير و القدير ( عمار على محمد إبراهيم على الشريعى ) الشهير بعمار الشريعى ذلك الموسيقار المُبدِع الذى يُعد أحد أعمِدة الموسيقى فى مِصر و الذى رغم فُقدانِه لبَصره مُنذ ولادته إلا أنه استطاع أن يُحطِمَ كافَة العَقباتِ فى حَياته ليترُك خلفه مِشوار فنى طويل تجاوز الـ 230 عملاً موسيقيّاً جميعها أعمالاً مُتميزة ما أن نَستمِع إلى عملٍ واحدٍ من أعمالِه حتى نَهيمَ عِشقّاً بروعة إبداعاتِه التى كان أبرزها ” رأفت الهجان ” و التى تحوَّلت إلى نغمةٍ أساسية و ماركة مُسجلة فى كِل الأعمال المُتناولة للجاسوسية بسببِ تميُزها و جَمعها بين الحَماسِ و الشَغَفِ و حُبِ الوطن تلك الرائعة التى لم ينجح أى عَمِلٍ فنى يتناول الجاسوسية فى مُضاهاتها أو التفوّق عليها حتى كِتابة هذه السُطور و سيتذكر تاريخ الموسيقى العربية الشريعى دومّاً بأنه كان مِن ضِمنِ أعلامها و رموزها الذين أثروا الحياة الموسيقية على مَدارِ ثلاثَة عُقودٍ كاملة بالعديد من الدُرر الباقية فى وجدان الجُمهور على مرّ الأجيال لنجاحة فى خلق حالة من التواصل الروحى معهُم بعد أن لمس بأنامِله أوتار قلوبهم .. ولد الشريعى فى 16 / 4 / 1948م فى مدينة سمالوط إحدى مَراكز مُحافظة المنيا بصَعيدِ مِصر لعائِلة تُعتبر مِن أصولِ عائلة هواره بالصَعيد و حَفِظَ 5 أجزاء مِن القُرآن فى طُفولته و كان شَغوفّاً بسماعِ الموسيقى ما جَعَلَ والده يَشترى له بيانو للعَزفِ عليه و لكن مواهب عَمار لم تُقتصر على الموسيقى فحسب بل إنه كان أيضّاً سَباحّاً مُحترفاً و حَصُلَ على رابعِ بُطولة الجُمهورية و هو دون الثالثة عَشر مِن عُمره و خِلال فَترة دِراسته الثانوية ترَّأس فريق الموسيقى المَّدرسية بعد أن تلَّقى عُلوم الموسيقى الشَّرقية على يد مَجموعةٍ مِن الأساتذةٍ الكِبار بمَّدرستِه الثانوية فى إطارِ بِرنامج مُكثف أعَّدته وزارة التَّربية و التعليم خِصيصاً للطلبة المَّكفوفين الراغبين فى دراسةِ الموسيقى و خلالِ فترة دراسته و بمَّجهودٍ ذاتى أتقن العَزف على آلة ” البيانو ” و ” الأكورديون ” و ” العَّود ” ثم أخيرّاً ” الأورج ” .. التَّحَقَ الشريعى بعد حُصولِه على الشَهادة الثانوية بمعهِد الموسيقى العَربية و خِلال فترة دراستة تَعَرَفَ على الموسيقار ” كمال الطويل ” و تَعَرَفَ أيضاً على الموسيقار بليغ حَمدى و اللذان تنبئا له بمُستقبلٍ مُشرق و عَقَبِ تخرُجِه مِن المَّعهد مُباشرةً بدأ حياته العَملية عام 1970م كعازفِِ لآلة الأكورديون فى عَددٍ مِن الفِرقِ الموسيقية التى كانت مُنتشرةٌ فى مِصر آنذاك ثم تحول إلى الأورج و أخيراً للعود بعدما بزَغَ نَجمُه فيه كأحد أبرع عازفى جيله و اُعتبر نُموذجّاً جديدّاً فى تَّحدى الإعاقة نظراً لصُعوبة و تعقيد هذه الآلة و اعتِمادها بدرجة كبيرة على الإبِصار أثناء التَّعلُم و بعد ذلك اتجه الشريعى إلى التَّلحين و التأليف الموسيقى حيث كانت أول ألحانِه ” امسكوا الخَشب ” للفنانة مها صَبرى عام 1975م و زادت ألحانِه عن 150 لحَناً لمُعظم مُطربى و مُطربات مِصر و العالم العَربى و التى تجاوز مُجملها من أعماله السينمائية حوالى 50 فيلماً و أعمالِه التليفزيونية حوالى 150 مُسَّلسَلاً و ما يزيد على 20 عَملاً إذاعيّاً و عَشر مَّسرحياتٍ غنائية استعراضية و قد قام كذلك بتلحين الحَفلِ الموسيقى الضَخمِ الذى أقامَتُه سَّلطنة عُمان عام 1993م بمُناسّبة عيدها الوّطنى و كذلك عيدها الوطنى عام 2010م و كان قد سَبَقه فى تلحينِ أعياد عُمان الوَطنية العَديد مِن عَمالِقة الطرَبَ العربى أمثال الموسيقار ” مُحمد عبد الوهاب ” كما قَدَّمَ بنفسِه عَدداً مِن البرامج الشَهيرة أبرزها البرنامج الإذاعى الذى استَمَر عِدة سنوات ” غواص فى بحر النغم ” كما تم تعينه أستاذّاً غيرِ متفرغٍ بأكاديمية الفُنون المِصرية فى عام 1995 م .. تمَّيز الشريعى بوضعِ الموسيقى التَّصويرية للعَديدِ مِن الأفلام و المُسَّلسَلات التليفزيونية و الإذاعية و المَّسرحيات و التى نال مُعظمِها شُهرة ذائِعة و حَصُل العَديد منها على جوائز على الصَعيدين العَربى و العالمى كان أبرزها ” جائزة مهرجان فالنسيا بأسبانيا عام 1968م عن موسيقى فيلم البريئ ” و ” جائزة مَهرجان فيفيه بسويسرا عام 1989م ” و ” وسام التكريم مِن الطبَقة الأولى مِن السُلطانِ قابوس عام 1992م ” و ” جائزة الحِصان الذهبى لأحسن مُلحن فى الشَّرق الأوسط لـ 17 عام مُتوالية ” و ” جائزة الدولة للتفوق فى الفنون عام 2005م ” .. شارك الشريعى بموسيقاه فى أعمالٍ عديدة فى السينما كان أبرزها ” حكاية شاب عُمره ألف عام ” و ” كتيبة الإعدام ” و ” حليم ” و ” المُرشد ” و ” يوم الكرامة ” و ” ديل السَمكة ” و ” حارة برجوان ” و ” زمن الجدعان ” و ” الشيطانة التى أحبتنى ” و ” أحلام هند و كاميليا ” و ” قِسمة و نَصيب ” و ” ليلة القبض على بكيزة ” و ” زغلول ” و ” كُل هذا الحُب ” و ” المُتَّمرِدة ” و ” أبناء و قتلة ” أما أشهر أعمالِه الدرامية على سبيل المِثال أيضاً فكانت ” بيت الباشا ” و ” حارة العوانس ” و ” ريا و سكينة ” و ” أبو ضحكة جنان ” و ” محمود المِصرى ” و ” البرارى و الحامول ” و ” رجلُ الأقدار ” و ” بنت مِن شُبرا ” و ” قاسم آمين ” و ” شقة الحُرية ” و ” الجانب الآخر من الشاطئ ” و ” زمن عِماد الدين ” و أم كلثوم ” و ” الدنيا لعبة ” و ” حَديث الصباح و المَساء ” و ” هارون الرشيد ” و ” زيزينيا ” و ” المِصراوية ” و ” العندليب حِكاية شعب ” أما أعماله المَّسرحية فكانت ” رابعة العَدوية ” و ” الواد سيد الشغال ” و ” علشان خاطِر عيونك ” و ” إنها حَقاً عائلة مُحترمة ” و ” الحُب فى التَّخشيبة ” و ” تِصبح على خير ياحبة عينى ” و ” لولى ” و ” يمامة بيضا ” .. فى عام 1980م كون الشِريعى فرقة الأصدِقاء و التى كانت تضُم ‘‘ منى عبد الغنى ‘‘ و ‘‘ حنان ‘‘ و ‘‘ علاء عبد الخالق ‘‘ و قد حاول من خلالها مَزْجْ الأصالة بالمُعاصرة و خلق غناءٍ جماعى حيث يتَّصدى لمَشاكِل المُجتَّمع فى تِلك الفَترة كما اهتم اهتِماماً كبيراً بأغانى الأطفال فقام بعملِ أغانى احتفالاتِ عيد الطُفولة لمُدة 12 عاماً مُتتالية و شارك فى هذه الأعمال مَجموعة مِن كِبار المُمَّثلين و المُطربين مثل عبد المِنعم مدبولى و نيللى و صَفاء أبو السُعود و لِبلبة و عَفاف راضى كما أولى اهتماماً كبيراً لاكتشافِ و رِعاية المَواهب الجَديدة مِثل ‘‘ هُدى عَمار ‘‘ و ‘‘ حَسن فؤاد ‘‘ و ‘‘ ريهام عَبد الحَكيم ‘‘ و ‘‘ مى فاروق ‘‘ و ‘‘ أجفان الأمير ‘‘ و ‘‘ آمال ماهر ‘‘ و حديثاً ‘‘ أحمد و على الحجار ‘‘ و ‘‘ سماح سيد الملاح ‘‘ كما تم تكليف الشريعى مُنذ عام 1991م و حتى عام 2003م بوضع الموسيقى و الألحان لإحتفاليات أكتوبر التى تُقيمها القُواتِ المُسَّلحة المِصرية بالتَعاون مَع وزارة الإعلام و قد تناولت أعمالِه العَديد مِن الرسائل العِلمية لدَرجتى الماجستير و الدُكتوراه فى المَعاهِد و الكًليات الموسيقية بلغت 7 رسائل ماجستير و 3 رسائل دكتوراه مِن مِصر فى كُلية التَّربية الموسيقية جامعة حُلوان و كلية التربية النَّوعية جامعة القاهرة و مَّعهد الموسيقى العَّربية بأكاديمية الفُنون و رسالة دكتوراه من جامِعة السوربون بفرنسا .. مِن ضِمن مواقف الشريعى التى لاتُنسى حين غادر حفلاً كانت تُحييه الفنانة اللبنانية نانسى عَجرم لرفضِه أن تغنى لأم كلثوم ! و لكنه نَدَمَ على هذا التَّصرُف بعدها بعامين بعد أن استمَعَ لها و هى تُغنى فى إحدى الحَفلات و اُعجب كثيراً بخامَة صَوتِها و أصبحا أصدقاءً مقرّبين بل و تعاونا فنياً فى أغنية قدّمتها فى مَهرجان القاهرة الدولى للأغنية فى عام 2007م و مِن المواقف الأخرى للشريعى أنه عند ظُهور المُطرب نادر أبو الليف للمَّرة الأولى فى 2010م بألبوم ” كينج كونج ” نال انتِقادات شَديدة مِن جانب الشريعى ثم فجأة يتضح للأخير أن صوت أبو الليف يشبه صوت المُطرب اللبنانى جُورج وسوف و أكد فيما بعد أنه كان قاسيّاً فى نقده على أبو الليف و أعلن عن تعاونَه مَعه فى تِتر مُسَّلسَل ” بيت الباشا ” من بُطولة صلاح السعدنى و لكنه مَشروع لم ير النور بسببِ رحيل عَمار قبل أن يُكمِل ألحانه كما وَصَفَ فى حواره لبرنامج ” مِع نِضال الأحمدية ” و المُذاعِ على قناة ” القاهرة و الناس ” محمد حماقى و تامر حُسنى بأنهما مُغنيان لا مُطربان لأن الطَرَبَ له شُروطٌ لا يملكانها بحسب رأيه و الذى لم يتراجع عنه حتى وفاته .. يُذكر أن الشريعى كان عاشقّاً للنادى الأهلى حتى النُخاع لدرجة أنه فى أحد الأيام كان يُلحِن أحد ألحانِه و تَصادَفَ هَزيمة النادى الأهلى فى مُباراة فاصلة على بُطولة الدورى العام أمام النادى الإسماعيلى فَتَرك العود و دخل غُرفته و ظل مُتأثراً بتِلك الهَزيمة و بضياع البُطولة و لم يُكمِل اللحن إلا فى مَساء اليوم بعد التالى ! عَقِبَ توسلاتٍ عَديدةٍ مٍن صَديقة الشاعر الغنائى الأهلاوى أيضّاً ‘‘ محمد حمزة ‘‘ .. ظل الشريعى يُمَتِعنا بمؤلفاته الموسيقية الجميلة حتى بدأ المَرَضَ يَّزحفُ إلى قلبه فقبع الموسيقار الكفيف طيلة الأشهر الأخيرة فى مُستشفى بالقاهرة للعِلاج مِن مُشكلاتٍ فى القلبِ و الرِئة و أجْرى جِراحة ” قَسطرة ” فى القلبِ و جِراحة اُخرى لإزالة الماء مِن على الرِئة و فى فَجر يوم الجُمعة 7 / 12 / 2012م اُصيب الشريعى بأزمة قلبية نَتيجة الإرهاق و كانت بِرفقته زوجته الإعلامية ” ميرفت القفاص ” و ولده الوحيد ” مُراد ” و تم الإعلان فى الظهيرة عن وفاته داخل إحدى مُستشفيات القاهرة عن عُمرٍ ناهز على الـ 64 عاماً جراء أزمة صِحية لازمته خلال العام الأخير كله ليَرحَلَ جسدّاً فقط و يظل روحّاً و فنّاً و إصرارّاً و ليفقد الفن المِصرى و العربى موسيقارّاً رائعّاً مُبدِعّاً مِن الصعبِ أن يجود الزَمانِ به .. رحِمَ الله عمار الشريعى و تجاوز عن سيئاته و أسكنه فسيح جناتِه .

شاهد أيضاً

صدور ألبوم فني خاص بذوي الهمم وأطفال التوحد للمنشد ياسين صحراوي.

بلخيري محمد الناصر بمناسبة اليوم العالمي للتوحد, صدر للمنشد الجزائري ياسين صحراوي, ابن ولاية المدية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: