هو ‘‘ شاعِرٌ الشَّعب ‘‘ و ‘‘ أميرُ الزَجَل ‘‘ و ‘‘ شاعِرٌ الغلابة ‘‘ و ‘‘ شاعِرٌ المنفى ‘‘ و ‘‘ الْغَوَّاصُ فى بَحْرِ الزَّجَل ‘‘ ( مَحْمود مُحَمَّد مُصْطَفَى بيرم الحَريرى ) الشَّهِير ببيرم التونسى ذلك المُبدع الَّذِى يُعد واحِدّاً مِن أَشْهَرِ شُعَراء العامِّيَّة الْمِصْرِيَّة و الْعَربِيَّةِ عَلَى السَّواءِ و صاحِب النَّقْد اللاذع و الْأُسْلوب السّاخِر و أَكْثَرَ مَنْ صَوّرِ مَشاكِلَ النَّاسِ و الْفُقَراء التونسى الْأَصْل و السَكندرى الْمِيلَاد و الْمِصْرِىّ الْهَوى و الْهوِيَّة و الروح و السَّجِيَّة و الحقُ يُقال أَن تاريخنا الأدبى المُعاصِر لَمْ يَعْرِفْ شاعرّاً نُفى خارِج مِصْرَ قَبْلَ أَحْمَد شوقى حِينَ قَضَى نَفْيُه إلَى الْأَنْدَلُسِ فأَطْلَق هُناك سينيته الْمَشْهُورَة الَّتِى قالَ فِيها ( اخْتِلَاف النَّهارِ و اللَّيْل يَنْسَى ,, أَذْكَراَ لِى الصِبا و أَيَّام أَنْسَى وطنى لَو شُغِلتُ بالخُلد عَنْه ,, نازعتنى إلَيْه فى الْخُلْد نَفْسِى ) و لَمْ يَعْرِفْ التَّارِيخ بَعْد شوقى شاعرّاً دَفَعَ ثَمَنَ شَعْرِه الحُر نفيّاً و تّشريدّاً سِوَى أَمِير الشَّعْر الشَّعْبِىّ مَحْمود بيرم التونسى و ذلك حِينَ كَتَبَ يُصّوِر حَنينه إلَى مِصْرَ و هو يمْشَى عَلَى نَهْرٍ السِّين فى فَرَنْسا فيقول ( عَلَى السِّينِ يا مصْر مشيْت إيَّاك يسلينى ,, و لَا نَهْر الرُّون و السين يلهينى ,, غير مَيتّك يا نيل ما راح تروينى ) و نَحْنُ فى ذِكْرَى رحيل بيرم نَسْأَل سؤالاً ماذَا تَبْقىّ لِلتَّارِيخ مِن بيرم التونسى ؟ و نُجيب بِأَن التّارِيخ يُسجل لَهُ أَنَّهُ ثالِثُ شاعِرٌ تُطارده السُلطات بِسَبَبِ شِعْرِهِ بَعْدَ ‘‘ عَبْدِ اللَّهِ النديم ‘‘ فى عَهْد ( الخديوى إِسْماعِيل ) و كذلك ثانى شاعِرٌ يُنفى بِسَبََبِ شِعْرِهِ بَعْدَ ‘‘ أحمد شوقى ‘‘ و يَبْقَى أيضّاً مِن بيرم أنَّهُ بَدأَ بمُهاجمة السُلطّة و الْملكِيَّة فى عَهْد الْمَلِك فُؤادٌ حينما هجاه بقصيدة (و لما عِدِمنا بمصر المُلوك ,, جابوك الانجليز يا فؤاد قَعّدوك ,, تمثِل على العَرش دور المُلوك و فين يِلقوا مُجرم نَظيرك و دون ,, و خلوك تخالِط بنات البلاد ,, على شرط تِقطَع رِقاب العِباد ,, و تنسى زمان وقفتك يا فؤاد ,, على البَنك تِشحت شوية زتون ) و ذلك علاوة على فضحِهِ فيما يخُص علاقته بزوجته نازلى قبل زواجه منها رسميّاّ حيث قال ( و الوزة من قبل الفرح مدبوحة ) !.. فقرر فؤاد إبعاده من مصر فذهب إلى تونس و منها إلى فرنسا و غاب عن البلد عشرين عامّاً و يُذكر أن توسّط له لدى المَلِك فؤاد أكثر من شخصية للعفو عنه ليعود لكن فؤاد رفض و قال عنه ” أنه نهش عَرضَهُ ” وَ سَيَبْقَى أيضّاً مِن بيرم أَنَّهُ شَرَعَ قَلَمَهُ فى مُهاجمة الامْتِيازات الْأَجْنَبِيَّة و ظُلم الْفَلَاح و الْعامِل و الأرزُقية و تَخلُف الْمَرْأَةِ و الصِناعَة و التَّعْلِيم فى بِلاَدِهِ فاستّحق أن يُلقّبَ بِشاعِر الغلابة بعدما تَرْجَمَ فى شِعْرِه مُعاناة و أحاسيس العُمال كُلّ فى حِرْفَتِه إضافة لمُهاجَمَتِه مُمالأة بَعْضِ الْمَشايِخِ للاحتِلال وصل للهُجوم عَلَى مُفتى الدِّيار المِصرية الشَّيْخ ” مُحَمَّد بَخِيت ” بِأَكْثَرَ مِنْ زَجلٍ يُذْكَرُ مِنْها ” أَوَّل ما نبدى الْقَوْل نِصَلِّى عَلَى النَّبِىِّ ,, نَبِى عربى عربى ,, يلْعَن بَخِيت و كلامُه المَهرى ,, بنِفاقه للُسلطّان جوز الهانم نازلى ” و يَبْقَى مِنْهُ كذلك أَنَّهُ نَبَّهَ مُبكرّاً إلَى تَلاعُب الْيَهود و الْأَجانِب فى البورصة لما كانَ يُؤَدَّى إِلَى خَرابِ بُيوت الْفَلَّاحِين و عمَّارَ بُيوتِ الْيَهود و المُستّغِلين و يَبْقَى مِنْ بيرم أَنَّهُ كانَ مِنْ روّاد التَّأْلِيف للمسرح الغنائى فى العشرينات بالعديد مِن المسرحيات مِثْل ” الباروكة ” و فى الأربعينيات قَدّم “شهرزاد ” و ” يَوْم القـيامة ” و ” عَزِيزَةٌ و يونُس ” و كَتَب حِوار لِقِصَّة مَحْمود تَيْمور وتلك القِصَّة البَدوية التى كَتَبَها بِطَرِيقِه سَلَسِه و بَسِيطِه و سَيَبْقَى لَه أخيرّاً أَنَّهُ اهْتَدَى فى أَواخِر حَياتِه عَنْ طَرِيقِ التَّصَوُّفِ فَحَجّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرامِ ليعود تائبّاً عابدّاً مُتهّجدّاً فيُترجِم هَذِهِ الأحاسيس فى قصِيدَة ( الْقَلْب يَعْشَق كُلِّ جَمِيلٍ ) الَّتِى غنتها كَوْكَب الشَّرْق السَّيِّدَة أُمِّ كُلْثومٍ .. ولدَ بيرم التونسى فى 23 / 3 / 1893م و ذلك حَسب ما وَردَ فى بيانات جوازِ سَفَرِهِ ( و فى مَصادرٍ أخرى 4 / 3 / 1893م حَسب ما هو مُدّونٌ فى بياناتِ بِطاقَتِه الشّخصيّة ) و كاتِب السُطور لا يَعنيه اليوم الصَحيح لتاريخ الميلاد بقدرِ ما يَعنيه إلقاء الضوء على حَياة هذا الشاعِر الوَطنى العَظيم المولود وسط عائلة ذات أصولٍ تونسية كانَتْ تَعِيشُ فى مَدِينَة الْإِسْكَنْدَرِيَّة بحى الأنفوشى بِالسّيّالَة و الْتّحَق بكُتّاب الشَّيْخ ” جادَ اللَّهُ ” ثُمَّ كرِهَ الدِّراسَة فِيهِ لِما عاناه مِن قَسْوَة الشيخ فأَرْسَلَه والِدِه إلَى الْمَعْهَد الدينى ليموت الوالد و بيرم فى الرَّابِعَةِ عَشْرَةَ مِنْ عُمره فَانْقَطَعَ عَنْ الْمَعْهَد و ارْتَدَّ إلَى دُكَّان أَبِيهِ لَكِنَّهُ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ التِّجارَةِ صِفْرَ الْيَدَيْنِ و فى وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنْ بِدايةِ شَبابَة رَبَط الْفَنّ بَيْنَه و بَيْن سَيِّد دَرْوِيش ليُعّمِقَ مِن صَداقَتهِما فيجمعهُما فى السهرات الفَنِّيَّة الَّتِى كانَتْ تَشَهُّدِها مَدِينَة الْأسْكَنْدَرِيَّة فى ذلِكَ الْوَقْتِ ما جعلهُما يتعاونا فى عِدَّة أغان للزجال ‘‘ محمد تَوْفِيق ‘‘ الذى تأَثَّر بيرم بِه شَدِيد التَّأَثُّر فَكانَ هَذا بِمَثابَة بِدايَة لِسَرَيان رَوْحٌ النَّقْد اللاذع فى دَمِه حيثُ أسلوب مُحَمَّد تَوْفِيقٌ المُتّسِم بِقِمَّة السُخريّة ثُم يتّعَمق بيرم فى طَرِيقِ الْأَدَب و الْفَنّ بِواسِطَة أُسْتاذ تركى اسْمه ” مُحَمَّدٍ طاهِر ” بعدما رأى الأخير فى بيرم مَيْلُه لِلشَّعْر فأَهْداه كتابّاً فى فَنّ العُروض و هو الْكِتابِ الذى مثّل نُقْطَة تَحّولٍ فأصْلُه فى حَياتِه حَيْث بَعْدَما انْتَهَى مِنْهُ حاوَل فى كِتابَةِ بَعْضِ الأزجال و الأشعار و هو الأمر الذى استفاد منه كثيرّاً فيما بعد خاصة بَعْد مُروره بفترة مِن التَعاسة المُبكرة فلَمْ يَجِدْ سوى الشَّعْرِ و الزَّجل إلَّا مَخرجّاً مِن تلك التَعاسّة .. يُذكر أن اُشْتُهِر بيرم فى مُعظم إشْعارِه بمُحاربة الْفَساد و بَدأَت خُطُوَاته لهَذَا الْأَمْرِ بِقَصِيدَة ” الْمَجْلِس البلدى ” الَّتِى داوم على ترديدَها أهالى الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَلَا يوجَدُ مِنْ لَمْ يَتَكلَّمْ عَنْها أَوْ يَحْفَظُها و كيف لا و قد جَعَل بِها بيرم الْمَجْلِس ” مسَخَّرَة ” عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ و ذلِكَ بَعْدَما تَفاجأ ذاتَ يَوْمٍ بِالْمَجْلِس البلدى فى الْأسْكَنْدَرِيَّة يَحْجِز عَلَى بَيْته الْجَدِيد و يُطالبه بِمَبْلَغ كَبِير كعوائد عَن سَنَوات لَا يَعْلَم عَنْها شيئّاً ! فقَرَّرَ أَنَّ يَرْفَعَ رايَةً الْعِصْيان ضِدّ الْمَجْلِس البلدى و نُشِرّت الْقَصِيدَة كَامِلَة بِجَرِيدَة « الأهالى » فى صَّفْحتها الأُولى و كانَتْ أَوّلَ قَصِيدَة تُنشر لبيرم و يُذكر أن طُبع مِنْ هذا الْعَدَدِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ نُسْخَة و كانَت النُسْخَة تُبَاع بِخَمْسَة مليمات و أَحْدَث نَشْرِها دويّاً هائلاً إضافة لطَلب موظفو الْمَجْلِس البلدى تَرْجَمَتَها إلَى اللُّغاتِ الأجْنَبِيَّةَ ليَستطيعوا فَهْمِها لأنهُم كانوا جميعّاً مِنْ الْأَجانِبِ لَكِن سُرعانَ ما أَدْرَكَ بيرم بَعْد فَتْرَة أَنَّ الشِعْرَ وسِيلَةٌ مَحْدودَةٌ الِانْتِشار بَيْن شعب 95 % مِنْهُ لَا يَقْرأونَ ! ما جَعَلَهُ يتجِه ألى الزَّجَل ليُقرِبَ أَفْكَارِه إلَى أَذْهانِ الغالبيةِ العُظمى مِنْ الْمِصْرِيِّينَ حيثُ أزجاله المَلِيئَة بالدُعابة و النَّقْد الصَّرِيح الَّذِى يَسْتَهْدِف الْعِلَاج السَّرِيع لعُيوب المُجتمع بعدما كانَ يَعْتَمِدُ فى لقطاته الزَجلية عَلَى السَّرْدِ القصصى و لَمْ يَكْتَفِ بيرم بِهَذِهِ الْقَصِيدَةِ ( المجلس البلدى ) لِيُجابه الجِباية و الْفَساد و الْبَطْش بَل زاد عليها بنَشرِ قَصِيدَة ” البامية الملوكى و الْقَرْع السلطانى ” الَّتِى تَسَبَّبّت فى غَضَب الْمَلِك فُؤاد عَلَيْهِ و إِبْعَادِهِ عَنِ مِصْرِ بنَفْيِه إلَى ” تُونس ” بتوصية مِنْ زَوْجٍ الأَمِيرَة فَوْقِيَّة ابْنِة ” الْمَلِك فُؤَادٌ ” و ذلك بعدما هاجمه فى مَقال تَحْتَ عِنْوانٍ ” لَعْنَة اللَّهِ عَلَى المُحافِظ ” حَيْثُ كانَ آنذاك مُحافظّاً للقاهرة و ما أنْ وَصَلَ لتونس حَتَّى بَدأَت مُعاناته بِسَبَب تَضْيِيق الخِناقِ عَلَيْهِ بحجة كونه مُشاغب و مُثِير للمتاعب حَتَّى رَحَلَ إلَى بارِيس لِيَبْدأ مَرْحَلَة جَدِيدَةٍ مِنَ المُعاناة التى لم يطِقها بيرم و لم يطِق أيضّاً هذا الْحِصار النَفسى و الفِكرى ليعود إلَى مِصْرَ مُتّخفيّاً فيبدأ يَكْتُبُ مِنْ جَدِيدٍ الأزجال السِّياسِيَّة بِشَرْطِ أَلَّا يَضَع اسْمَهُ عَلَيْها و يُذكر أن أزجال بيرم لم تتّسِم بِالنَّقْد للحُكم فحسب بَل تخطت ذلِكَ بمراحِل بسبب تُعَقُد الْأَحْوال السياسِيَّة و تّشابُكها و اِنْشِغال الْقَصْر بالصِراعات مَع المُعارضة ما أدى لاطْمِئْنان بيرم و إِلَى تَمادِيه فى كِتابِه أزجاله الَّتِى تُترجم إحْساسِه بِالضَّيْق و الثَّوْرَة ليُقبض عَلَيْه لِلْمَرَّة الثَّانِية و يتمّ تّرحيله إلَى بارِيس و يُذكر أن بَعْدَ قضائه تِسْعٍ سَنَواتٍ منفيّاً فى فَرَنْسا لَمْ يَنْقَطِعْ فِيها بيرم مُطلقّاً برغم الْأَلَم النفسى و الجَسدى الَّذِى عاناه عَنْ تأْلِيفِ أَبْدع الأزجال الَّتِى كَان يُرْسِلُها إلَى الصُحف و ناشِرِي الْكُتُب بِصِفَة مُستمرة و لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ مُواصَلَة الْكِتَابَة سِوَى خُروج الصُحف الْفِرِنْسِيَّة ذاتَ يَوْمٍ و بِها إنْذار يُطالَب الْأَجانِب بالاستِعداد لمُغادرة الْبِلَاد وَ الْعَوْدَةِ إلَى أَوْطانِهِم فورّاً ما جَعَلَهُ يُزجِل ” الْأَوَّلَة مِصْر قالوا تونسى و نفونى و التانية تونس فيها الْأَهْل جَحدونى و التالتة بارِيس و فِيها الْكُل نَكرونى ” و يُذكر أيضّاً أن هَربَ إلى مِصر أَثْناء ترحيله لِبَلَد إفريقى و هُنا طَلَبَ الْعَفْوَ عَنْهُ و قوبِل طَلَبَهُ بالإيجاب لأن ” محَمَّد مَحْمود ” رَئِيسِ الوُزَراءِ و ” مَحْمود فهمى النقراشى ” وَزِير الدَّاخِلِيَّة و ” أَحْمَد حَسانَيْن ” الْأَمِين الْأَوَّل فى الْقَصْر كانوا مِنْ أَشَدِّ المُعجبين ببيرم ! لَيَعْمَل بَعْدَ عَودَتِه كاتبّاً فى جَرِيدَة إخْبار الْيَوْم و بَعْدَها فى جَرِيدَة المصرى .. جديرٌ بالذِكر أن اشْتَرَك بيرم فى ثَوْرَة 1919م و فى ثَوْرَة 1952م حَيْثُ كانَ جالسّاً عَلَى أَحَدِ المقاهى حين سَمِع فى الرَّادْيُو إعْلَان الْجَيْش قيام الثَّوْرَة فَنهض لَيَقُول للمُستمعين زجلًا عَلَى نَفْسِ وَزْن بَحْرٌ الزَّجَل الَّذِى شَتَم بِهِ المَلِك فُؤَاد حيثُ بدأ هَذا الزَّجَل بِنَفْس مَطْلَع الزَّجَل الْقَدِيم ” الْعِيد دَه أَوَّل عِيد عَلَيْهِ الْقِيمَةُ .. مافيهشى تّشْرِيفَة و لَا تّعْظِيمِه .. صابحين و أَعْراضَنا سَلِيمَة و الْقَيْد مُحطّم و الْأَسِير مُتّحرر .. مَرْمّر زمانى يازمانى مَرْمّر ” و ذلك علاوة على ارتباطِ بيرم بِوِجدان النَّاس و أَذْهانِهِم بِسَبَبِ تِلْكَ الأزجال و الأغانى الوَطَنِيَّة الَّتِى تَغَنَّى بِها الشِّعْبَ و مازال و سَيَظل يَتَغَنَّى بِها وَ مِنْها أُغْنِيَّة ” يا جَمال يا مِثال الوَطَنِيَّة ” و ” بِالسَّلَام إِحَنا بادينا ” و يُذكر أخيرّاً أن مَنَحَه الرَّئِيس “جمال عَبْد الناصر” جائِزَةٌ الدَّولَة التَّقْدِيرِيَّة عَن جُهوده فى الْأَدَب و الْفَنّ عَام 1960م و حَصَلَ عَلَى الْجِنْسِيَّة الْمِصْرِيَّة فى عام 1954م و كانَتْ آخِرَ أُغْنِيَّةٍ تَغَنَّت بِها أَمْ كُلْثُومٍ لَه رائعته « هُوَّة صَحِيحٌ الْهَوَى غَلَّاب » و هى الَّتِى أَذاعَت خَبَر وَفاتُهُ عَلَى الْهَواءِ مُباشرة فى 5 / 1 / 1961م بَعْد صِراع طَوِيل و مَرِير مَع مَرَض الرّبْو اللَّعِين الَّذِى أَصابَه إبان فَتْرَة منفاه فى فَرَنْسا بَعْدَ أَنْ عَاشَ 68 عامّاً و هو بالتأكيد رحيلاً جسديّاً فَقَطْ لَكِنَّه سَيَبْقَى روحّاً و كفاحّاً و أعمالاً خالِدَة بَعْدَ أَنْ ظِلّ أميرّاً للزجل بِلَا مُنازع حَتَّى آخَر لَحْظَة فى حَياتِه و مِنْ حَمَلَهِ الأقْلاَمِ الغاضِبة الجَرِيئة و أَصْحاب الْكلِمَات الْحُرَّة المُضيئة .. قالَ عَنْهُ أَميرُ الشُّعَراءِ أَحْمَد شوقى ” أخْشَى عَلَى الفُصحى مِن بيرم ” و كانَ يَقْصِدُ أنَّ جَمال شِعْرِه بالعامية سيَصرِفُ النَّاسُ يومّاً ما عَنْ الفُصحى .. رحم اللَّه بيرم التونسى و تَجاوَزَ عَنْ سَيِّئاتِهِ و أَسْكَنَه فَسيحَ جَنَّاتِهِ .