…حرّكت الرّماد في الكانون بعود القصب فشممت رائحة الشّاي الذي طبخته جدتي منذ ثلاثين سنة وظهرت لي حبات المستورة التي كساها اللون الأسود فمن زمان كانت تشويها لنا على الجمرات…وفي ركن تراءت لي سدّة العولة التي تحمل “اكياسا والغراير والنوافيل” المخصّصة لتخبئة القمح والشّعير والكسكسي والمحص وقد اكل منها الفأر نصيبا وتحت السّدة يترائى الغربال يحوي بقايا تبن وقد اصبح لونه باهتا فهناك كانت الدّجاجة تحضن بيضها وبين الاشياء العتيقة وجدت “الخرج” فادخلت يدي بين طياته ابحث عن حلوى” الرحي ” او حفنة تمر حلو فلم أجد غير خيوط من العنكبوت …تجوّلت بعينيّ مليّا في سقف الغرفة وجلت بين “الرشق” لعلّني اجد رسما او رشما فحال دون ذلك الغبار الذي تكاثف عليها وبصمات الزمن التي هرّأتها…اوصدت الباب القصير الذي بدت عليه الشّقوق ودخلت غرفة النّوم وفي قلبي آلام وذكريات وآهات…هاهي سبحتا جدي وجدتي تتدليان في مسمار مدقوق في الجدار وفي الشّباك الصّغير مكحلة جدّتي ومشطها وحبات خرز لقرطها الذّهبي الكبير…نظرت الى المرآة المضببة بالغبار فبدى وجهي شاحبا تمتصّه الذّكريات ويغتاله الشّوق والحنين ومن المرآة نفسها وفي اتّجاه معاكس بانت جدتي ترقد على حشيّتها الصّوفية التي سمّرتها منذ سنوات ترتدي “ملحفتها برق الليل” وتلعب بضفيرتها وتشاور الي بيدها كي اتّجه نحوها ودون تفكير وبكلّ شجاعة ارتميت في حضنها…وبدون مقدمات قالت : ماذا فعل بك الزّمن ؟
قلت عضني ونهشني وجرحني
اخبريني عن زوجك !
ألبسني تيجانا من الذهب ورشني بأنواع من العطورات الزكية وغذاني بلحم الظان وسفرني الى أماكن خيالية وأكرمني واحترمني وأحبني…ولكنه رحل عني وسافر الى أصقاع بعيدة وفيها ضاع جواز سفره وتحطمت طائرته في ضباب مخيف…
وبناتك !
أخذن قوّتي وصحّتي وهاهن يسبحن في البحر الذي سبحت فيه…
وابنك ، أسعدني وشرفتي صغيرا وزينني بباقات الزهور وهو شابا
والمحيطين بك…
فيهم من اتعبني وارّقني وارهقني وفيهم من آنسني وأسعدني…
كان الحوار جميلا وشيّقا وانا اروي الى جدتي كل المحطّات السّعيدة والاليمة التي مررت بها وكلّ مايجول بخاطري وما ينغص حياتي…نمت نوما هادئا تداعبني نسمات الحنان وتدغدغني ذكريات الماضي…
بقلم سامية نصراوي
