إن الإسلام قد أتى بمبدأ لم يسبق إليه، ولعله إلى الآن لم يلحق به، وهو ما يتعلق بالمرأة، لأن المرأة فى الإسلام نالت حقوقا لم تنلها فى الشرائع السابقة على الإسلام، خصوصا الشرائع غير الدينية، وما نالته من هذه الحقوق لم تصل المرأة الأوربية إلى الكثير منها حتى الآن.
ونلخص ذلك فيما يلى:
(أ) كانت المرأة هملا فى بيت الزوجية، ولم تكن لها أية شخصية قبل الزواج، فكان أبوها أو وليها لا إرادة لها بجوار إرادته، وإذا تزوجت انتقلت السلطة المطلقة مـن الولى إلى الزوج، فجاء الإسلام وجعل لها من الحقوق مثل ما عليها من واجبات، وكانت قبلا عليها واجبات وليس لها حقوق، كما كان الأمر بالنسبة للرقيق عند الرومان والفرس، فجاء القرآن وقرر تلك القضية العادلة التى تربط بين الحق والواجب بربـاط وثيق، لأنه يتفق مع البديهة العقلية فقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة: 228).
(ب) ولم تكن المرأة ذات ولاية على نفسها ما دامت لم تتزوج، فإذا تزوجت كانت الولاية عليها لزوجها، ولم تكن لها شخصية منفردة عن شخصية زوجها، فجاء الإسلام وقرر أن للمرأة ولاية على نفسها، وإذا كان للولى شأن فى زواجها فليس له أن يجبرها، وإنما الأمر إليها أولا وبالذات، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها)، وصلته بها صلة أدبية لصيانتها ومنعها من السقوط، ومعاونتها فى اختيار الزوج، وإن اختارت الكفء ولم يرض هو لا يلتفت لاعتراضه ويزوجها القاضى، وبعد الزواج ليس للزوج ولاية عليها إلا بمقدار ما يتضمنه عقد المرأة من حقوق بين الزوجين.
(جـ) والمرأة إذا كانت بالغة عاقلة رشيدة لها الولاية الكاملة على مالها من غير تدخل من قبل أبيها أو غيره من قرابتها، وإذا تزوجت كانت ذمتهـا المالية منفصلة عن ذمة زوجها، فلها أموالها وله أمواله، كل يدبر ماله من غير تدخل من الآخر، لها أن تتبرع من مالها بما تشاء كما يتبرع الرجل، وما يكون من قيود للرجال فى تصرفاتها تكون لها أيضا فى تصرفاتهم هذه القيود، وفى الجملة المرأة والرجل على سواء بالنسبة لإدارة كل واحد منهما ماله، ولا يكون للزوج أية قدرة على التصرف فى مال زوجته إلا بتوكيل حر يكون لها الاختيار الكامل والرضا التام فيه، ويكون مبناه الثقة بلا ريب، وإن أساء الإدارة كان لها عزله فى أى وقت تريد، وعقد الزواج فى الشريعة الإسلامية لا يقتضى ولاية مالية، ولا شركة فى المال، ولا وكالة إجبارية.
والإسلام شرع للمرأة الوصية والإرث كالرجال، وزادهن ما فرض لهن على الرجال من مهر الزوجية والنفقة على المرأة وأولادها وإن كانت غنية، وأعطاها حق البيع والشراء والإجارة والهبة والصدقة وغير ذلك، ويتبع ذلك حقوق الدفاع عن مالها كالدفاع عن نفسها بالتقاضى وغيره من الأعمال المشروعة.. وازن بين هذا وبين القوانين الأوربية فيمـا يتعلق بالزواج والتى ذكرناها فيما سبق!!
(د) والمرأة كانت فى نظر النظم القديمة كالشيطان، ينظر إليها على أنها شئ مقيت، حتى إنه ورد فى بعض عبارات التوراة المحرفة تلك الكلمة (المرأة أمَّـرُ من الموت). فلما جاء الإسلام أكرمها وبالغ فى إكرامها بمقدار مبالغة العرب والرومان والفرس والهندوس فى مقتها، كانت المتزوجة تورث من ابن زوجها، له هو أن يتزوجها أو يزوجها من غيره إن شاء، فلما جاء الإسلام منع ذلك منعا باتا، وسماه المسلمون تبعا للقرآن نكاح المقت، فقد قال تعالى: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) (النساء:22). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) (النساء:19).
والإسلام اعتبر المرأة الصالحة كنزا من كنوز الدنيا هو السعادة كلها، فقـد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا إن خير ما يكنز المرء المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرته، وإن غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته). كان يوصى صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء دائما، ويعتبر من أعظم الفضائل الإنسانية معاملة الرجل لامرأته معاملة حسنة ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى).
ولنترك الكلمة لكاتب أوربى هو (جوستاف لوبون)، فهو يقول: (تعامل المرأة المسلمة باحترام عظيم)، وينقل فى ذلك عن (مسيو دى أمسيس) الذى لم يكن مناصرا لمبادئ الإسلام فى أقواله: (إن المرأة فى الشرق تعامل بنبل وكرم على العموم، فلا أحد يستطيع أن يرفع يده عليها فى الطريق، ولا يجرؤ جندى أن يسئ إلى أشد نساء الشعب بذاءة لسان حتى فى أثناء الشغب، وفى الشرق يشمل البعل زوجته بعين رعايته، وفى الشرق بلغ الاهتمام بالأم درجة العبادة، وفى الشرق لا تجد رجلا يقدم على الاستفادة من كسب زوجته، والزوج هو الذى يدفع المهر، وإذا طلقت الزوجة فى الشرق أو هجرت أعطاها الرجل نفقة لتعيش عن سعة، وإن حمل الزوج بعد الفراق على القيام بهذا الإنفاق يمنعه من إساءة معاملتها حذر مطالبته بالفراق).[حضارة العرب لجوستاف لوبون- ترجمة الأستاذ عادل زعيتر ].
وما نقلنا هذا الكلام لنتخذ منه حجة، لأن الحقائق الإسلامية براهين قوتها مستمدة من ذاتها لا من أمر خارج عنها، ولكننا نقدمها للنسائيين والمسترجلات الذى يتبعون كُتَّاب الغرب، ويقلدونهم، لأنهم لا يعتمدون على المنطق المجرد، ولكن يعتمدون على التقليد فقط، فأتينا بشهادة من يتبعونهم، ولو كان الاتباع عن غير بينة .
ولعل أبلغ كلام سيق فى تقدير المرأة فى الإسلام، ما روى منسوبـا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الجنة تحت أقدام الأمهات)، وقد استرعت هذه الكلمة الكتاب المنصفين من الغرب فعلقوا على معناها تعليقا يدل على تمجيدها.
(هـ) أما عن إنصاف المرأة فى الإسلام فى قضايا: الميراث، والطلاق، والخلع،وقوامة الرجال، وتعدد الزوجات،وعمل المرأة وغيرها، فقد تحدثنا عنها باستفاضة كاملة فى الصفحات السابقة، فليرجع إليها من شاء.
إنصاف الإسلام للمرأة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأينا فيما سبق أن المرأة كانت تشترى وتباع، كالبهيمة والمتاع، وكانت تكره على الزواج وعلى البغاء، وكانت تورث ولا ترث، وكانت تُملك ولا تَملك، وقد اختلف الرجال فى بعض البلاد فى كونها إنسانا ذا نفس وروح خالـدة كالرجل أم لا؟ وفى كونها تلقن الدين وتصح منها العبادة أم لا؟ وفى كونها تدخل الجنة أو الملكوت فى الآخرة أم لا؟ فقرر أحد المجامع فى رومية أنها حيوان نجس لا روح لها ولا خلود، ولكن يجب عليها العبادة والخدمة، وأن يكمم فمها كالبعير والكلب العقور لمنعها من الضحك ومن الكلام لأنها أحبولة الشيطان، وكانت أعظم الشرائع تبيح للوالد بيع ابنته، وكان بعض العرب يرون أن للأب الحق فى وأد ابنته، وكان منهم من يرى أنه لا قصاص على الرجل فيقتل المرأة ولا دية.
وكان أهم إنصاف للمرأة منحها إياه الشعب الفرنسى فى أوروبا بعد ميلاد نبى الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وقبل بعثته، أن قرروا بعد خلاف وجدال أن المرأة إنسان إلا إنها خلقت لخدمة الرجل.
فلما جاء الإسلام دعا الناس كافة إلى عبادة الله وحده، وإلى إصلاح أنفسهم التى أفسدتها التقاليد الدينية، والعصبيات القومية والوطنية، وكان للنساء فقط حظ كبير من هذا الإصلاح لم يسبق الإسلام به، ولم يبلغ شأوه تشريع..
وها نحن نبين مكانة المرأة فى الإسلام لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:
1) المرأة إنسان هى شقيقة الرجل:
أكد القرآن الكريم على أن النساء والرجال من جنس واحد، لا قوام للإنسانية إلا بهما ومن ذلك قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) (النساء:1). (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل:72). وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إنما النساء شقائق الرجال) (رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذى). فالمرأة فى هذا الحديث شقيقة الرجل وأخته وليست خادمة وليست أمة وليست رقيقة. وإذا كانت هناك بعض الآثار الإسلامية التى تشير إلى تشبيه المرأة بأنها أسيرة أو أنها كالعانية عند الرجل، فإنما يراد بهذا الأسلوب ترقيق ما قد يعرض للرجل من غلظة فى معاملة المرأة، كما نحرض الابن الذى تعود خشونة الحياة ألا يكون خشنا فى معاملته لأخته فى البيت، فالأم تقـول لابنها أو الأب يقول لابنه: كن لطيفا مع أختك ولاحظ أنها بنت، ولا يريـد بذلك أن يحتقرها وإنما يريد أن يرقق قلب أخيها عليها.
2) إيمان النساء كالرجال:
أثبت الله تعالى أن إيمان النساء كالرجال، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) (الممتحنة: 10).
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) (الأحزاب: 58). (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج:10).
ومن المجمع عليـه المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن على النساء ما على الرجال من أركان الإسلام، فالعقيدة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، جميعها موجهة إلى المرأة، كما هى موجهة إلى الرجل.
والعبادات كتبت عليهما معا، فعليها الصيام، وعليها الزكاة، وعليها الصلاة، وعليها الحج، مثل ما على الرجل. إلا أن الإسلام قد راعى جانب المرأة فى بعض فروع العبادات بسبب تكوينها الطبيعى، كما هو الشأن فى الحيض والنفـاس، فلها أحكام مخففة، ورفعت عنها بعض العبادات فى أثناء ذلك لطبيعتها الخاصة.
3) جزاء المؤمنات فى الآخرة كالمؤمنين:
بين القرآن الكريم أن جزاء المؤمنات كالمؤمنين فى الآخرة، منها قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)(النساء:124).
وقوله تعالى فى أولى الألباب الذين يذكرون الله كثيرا ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ويدعونه: فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (آل عمران:195)، وفيها وعدهم جميعا بإدخالهم الجنة وحسن الثواب.
وقد يلاحظ بعض المتتبعين لدقائق التعبير وأسرار البيان العربى أنه تعالى قال هنا: (بعضكم من بعض) ولم يقل: “بعضكم من بعضكن” أو “بعضكن من بعضكم”، بل قال (بعضكم من بعض) للإشعار بأن البعضين المكون منهما هذه الإنسانية قد تمازحا وتداخلا، فكأنهما قد صارا حتى من ناحية العبادة شيئا واحدا أو روحا واحدة.
فإذا انتقلنا إلى سورة الأحزاب نجد أن هناك آية تضم عشرة أوصاف مشتركة بين الرجال والنساء، وهى قوله تعالى: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)(الأحزاب:35).
نجد أن هذه الآية قد أشركت المرأة مع الرجل فى جميع ما ذكرته من الصفات، مما يدل على أن الإسلام ينظر إلى المرأة علـى أنها كائن له كرامته وله مجالات المشاركة والمساواة الطبيعية التى لا تتعدى على قوامة الرجل للأسرة، ولا على استحقاق الرجل الإشراف على المرأة،ولا على وجوب طاعة المرأة للرجل.. إلى آخر ما هناك من تبعات لا تستقـيم الحياة ولا تستقر الأسرة والبيت بدونها.
4) مشاركة النساء للرجال فى الشعائر الدينية والأعمال الاجتماعية والسياسية:
النساء يشاركن الرجال فى العبادات الاجتماعية كصلاة الجماعة والجمعة والعيدين فتشرع لهن، ولكن لا تجب عليهم تخفيفا عليهن، وصح أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أذن للحيض منهن بحضور اجتماع العيد فى المصلى دون صلاته.
وقد شرع لهن من الأمور الاجتماعية والسياسية ما هو أكثر من ذلك، قال تعالى:(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكـاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة:71). فأثبت الله للمؤمنات الولاية المطلقة، فيدخل فيها ولاية الأخوة والمودة والتعاون المالى والاجتماعى، وولاية النصرة الحربية والسياسية مع المؤمنين، إلا أن الشريعة أسقطت عن النساء وجوب القتال بالفعل، فكان نساء النـبى وأصحابه يخرجن فى الغزوات مع الرجال يسقين الماء، ويجهزن الطعام، ويضمدن الجراح،ويحرضن على القتال.
5) أمان المرأة للحربيين:
ومن حقوق المرأة السياسية فى الإسلام إنها إذا أجارت أو أمنت أحدا من الأعداء المحاربين نفذ ذلك، فقد قالت أم هانئ للنبى صلى الله عليه وآله وسلم- وهى بنت عمه أبى طالب- يوم فتح مكة: (إننى أجرت رجلين من أحمـائى). فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لقد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) وهذا حديث متفق عليه.
وفى حديث حسن عند الترمذى قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن المرأة لتأخذ للقوم) يعنى تجير على المسلمين.
6 ) أمر المرأة بالمعروف ونهيها عن المنكر:
وما فـى الآية السابقة من فرض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على النساء كالرجال يدخل فيه ما كان بالقول وما كان بالكتابة، ويدخل فيه الانتقاد على الحكام من الخلفاء والملوك والأمراء فمن دونهم، وكان النساء يعلمن هذا ويعملن به.
رأى أميـر المؤمنين عمر بن الخطاب تغالى الناس فى مهور النساء حين اتسعت دنياهم فى عصره، فخاف عاقبة ذلك، -وهو ما يشـكو منه الناس منذ عصور- فنهى الناس أن يزيدوا فيها على أربعمائـة درهم، فاعترضت له امرأة من قريش فقالت: أما سمعت ما أنزل الله إذ يقول: (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) (النساء:20). فقال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر. وفى رواية أنه قال: امرأة أصابت وأخطأ عمر. وصعد المنبر وأعلن رجوعه عن قوله.
7) مبايعة النبى صلى الله عليه وآله وسلم للنساء كالرجال:
خصت بيعة النساء بذكر نصها فى سورة الممتحنة وهى قوله تعالى: (يا أيها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن واستغفر لهن إن الله غفور رحيم) (الممتحنة:12). نزلت يوم فتح مكة، وبايع النبى صلى الله عليه وآله وسلم بها النساء على الصفا بعد ما فـرغ من بيعة الرجال على الإسلام والجهاد.
المرأة والانتخاب :
وعلى هذا فيجوز للمرأة أن تـدلى بصوتها فى الانتخابات، ولكن أرى أنه لا يجوز لها أن تخوض الانتخابات للوصول إلى قاعة البرلمان،لأن ذلك يؤدى إلى الافتتان بها، حيث تزاحم فى الانتخابات والجلسات واللجان والحفلات، والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب والدفع، وما إلى ذلك مما هو أكبر إثما وأعظـم خطرا، وإن ذلك لا يرضاه أحد ولا يقره الإسلام، بل ولا الأكثرية الساحقة من النساء، اللهم إلا من يدفعه تملق المرأة أو الخوف من غضبتها إلى مخالفة الضمير والدين ومجاراة الأهواء، ولا حسبان لهؤلاء فى ميزان الحق.
لأن الإسلام أحاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة، وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، وباعد بينها وبين مظان الريب وبواعث الافتتان، فحرم على الرجل الأجنبى الخلوة بها والنظرة العارمة إليها، وحرم عليها أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها، وأن تخالط الرجال فى مجامعهم، وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم، وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين، وأعفاها فى الحج من التجرد للإحرام، ومنعها من الآذان العام وإمامة الرجال للصلاة، والإمامة العامة للمسلمين، أو ولاية القضاء بين الناس، وأثَّم من يوليها، ومنعها من ولاية الحروب وقيادة الجيوش،ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق مع حرمة أنوثتها، كل ذلك لخيرها وصونها وسد ذرائع الفتنة عنها والافتتان بها، حذرا من أن يحيق بالمجتمع ما يفضى إلى انحلاله وانهيار بنائه.
8) حقوق النساء فى التعليم والتأديب:
بين الله تعالى فى مواضع من كتابه أنه أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فى الأميين ليخرجهم من الأمية، فيتلو عليهم آيات الله ويعلمهـم الكتاب والحكمة ويزكيهم، ومدح العلم فى آيات كثيرة، ومدحه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فى مواضع لا محل لسرد شئ منها هنا، وقد فسر بعضهم الكتاب فى هذه الآيات بصناعة الكتابة لأنه فى الأصل مصدر كتب، ثم أطلق على المكتوب.
وكان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يحث أصحابه على تعلم الكتابة، وقد أمر الله بها فى آية الدَّين (البقرة: 282). وقد ثبت من عدة طرق أن الشفاء بنت عبد الله المهاجرة القرشية العدوية علمت أم المؤمنين السيدة حفصة بن عمر الكتابة.
وقد اشتركت النساء مع الرجال فى اقتباس العلم بهداية الإسلام، فكان منهن راويات الأحاديث النبوية والآثار، يرويه عنهن الرجال، والأديبات والشاعرات والمصنفات فى العلوم والفنون المختلفة، وكانوا يعلمون جواريهم كما يعلمون بناتهم.
وقد بلغ من عناية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بتعليم النساء وتربيتهن أن ذكر فيمن يؤتيهم الله أجرهم مرتين يوم القيامة قوله: (أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن أدبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران).
فقرن صلى الله عليه وآله وسلم ثواب التعليم والتأديب بثواب العتق الذى كان يرغب فيه كثيرا، فوق ما شرعه الله تعالى فيه من أسباب تحريره وعتقه، والحديث متفق عليه.
يقول الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم:[ فالرجل والمرأة سـواء فى العلم والعمل، والسعى وراء الخيرات، فما أوجب على الرجل عملا من الأعمال، ولا طالبه بواجب من الواجبات، إلا وكانت زوجته شريكة له فى هذا الحكم، وتزيد عليه أن لها علوما أخرى يجب أن تتلقاها فى المدرسة المنزلية لم يطالب بها الرجل، كعلم تدبير المنزل، وحسن تربية الأبناء، وكمال الحياء والغيرة على الشرف، وعلم قانون الصحة، وخواص الأشياء التى تستعمل فى المنزل مما يلزم المأكل والمشرب، ومعرفة التأثيرات الجوية ومضار الأوساخ، لتنتفع بتلك العلوم عندما تكون كملك عظيم، لرعية سميعة مطيعـة، ولو جهلت شيئا من ذلك لأفسدت المملكة، وبفساد تلك المملكة الصغيرة (الأسرة)، يسرى الفساد إلى المملكة الكبيرة (الأمة).
فالمرأة مطالبة بما طولب به الرجل وأكثر، وإن ما طولب به الرجل فى جانب ما وجب على المرأة شئ قليل، فإن الرجل مهما كان فاسدا مفسدا خارج البيت، فإنه يجد من يرده ويقهره على ترك الفساد، ولكن المرأة فى بيتها ليس معها من يردها، فإنها تكون بين أبناء صغار يعتقدون نـزاهتها وكمالاتها، أو خدما يطيعونها طاعة عمياء، فإن أهمل الوالدان والأمـة فى تربية البنات، حتى صارت البنت أما، فكأنهم سعوا فى هدم مجد الأمة دينا ودنيا]. (الإسلام نسب، ص115، 116).
9) مهر الزواج:
إن مما امتازت به الشريعة الإسلامية فى تكريم النساء على جميع الشرائع والنظم التى يجرى عليها البشر فى الزواج، أنها فرضت على الرجل أن يدفع لمن يقترن بها مهرا مقدما على البناء بها، من حيث تفرض الشعوب غير المسلمة على المرأة أن تدفع هى المهر للرجل- ولكنهم يسمونه باسم آخر- فترى البنت العذراء مضطرة إلى الكد والكدح لأجل أن تجمع مالا تقدمه لمن يقترن بها، إذا لم يكن لها ولى من والد أو غيره يبذل لها هذا المال، وكثيرا ما تركبن أخشن المراكب، وتتعرضن للعنت والتفريط فى العرض والشرف، فى سبيل تحصيل هذا المال.
وشريعة اليهودية تفرض للمرأة مهرا لكنها لا تملكه بالفعل إلا إذا مات زوجها أو طلقها، لأنه ليس لها أن تتصرف بمالها وهى متزوجة.
ففرض الله فى الإسلام المهر على الرجل للمرأة حتما وحرم عليه أن يأكل شيئا منه بعد الزواج بدون رضاها وطيب نفسها فقال: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) (النساء:4). والنحلة فى اللغة العربية العطاء الذى لا يقابله عوض، فقول الفقهاء: إن المهر فى معنى ثمن الاستمتاع مخالف للغة، لأن الصلة بين الزوجين أعلا وأشرف من الصلة بين الرجل وفرسه أو جاريته، ولذلك قـال: (نحلة)، فالذى ينبغى أن يلاحظ أن هذا العطاء آية من آيات المحبة وصلة القربى وتوثيق عرى المودة والرحمة، وأنه واجب حتم لا تخيير فيه، كما يتخير المشترى والمستـأجر، وترى عرف الناس جاريا على عدم الاكتفاء بهذا العطاء بل يشفعه بالهدايا والتحف.
10) الزواج وحقوق النساء فيه:
كان عند العرب فى الجاهلية أنواع من الزواج الفاسد الذى كان عند كثير من الشعوب، ولا يزال بعضه إلى اليوم فى البلاد التى تغلب عليها الهمجية:
– فمنها: اشتراك الرهط من الرجـال- دون العشرة- فى الدخول على امرأة واحدة، وإعطاؤها الحق فى الولد أن تلحقه بمن شاءت منهم.
-ومنها: نكاح الاستبضاع وهى أن يأذن الرجل لزوجه أن تمكن من نفسها رجلا معينا من الرؤساء والكبراء الممتازين بالشجاعة أو الكرم ليكون لها منه ولد مثله .
– ومنها: السفاح بالبغاء العلنى، وكان عند العرب خاصا بالإماء دون الحرائر.
– ومنها: اتخاذ الأخدان، أى: الصواحب العشيقات، وكان عرب الجاهلية يستترون به ويعدون ما ظهر منه لؤما وخسة، وهذان النوعان الأخيران عامان شائعان فى أوروبا وأمريكا جهرا، وقد سرى منهم إلى بعض بلاد الشرق التى غلب نفوذهم عليها أو على حكامها.
– ومنها: نكاح المتعة وهو المؤقت ، وقد شاع فى الغرب أخيرا ويسمونه نكاح التجربة.
– ومنها: نكاح البدل والمبادلة وهو أن ينزل رجلان كل منهما عن امرأته للآخر.
– ومنها: نكاح الشغار، وهو أن يزوج كل من الرجلين الآخر ابنته أو أخته أو غيرهن ممن تحت ولايتهما بدون صداق.. والنوعان الأخيران مبنيان على قاعدة حسبان المرأة ملكا للرجل يتصرف فيها كما يتصرف فى بهائمه وأمواله.
** هذا عن الزواج قبل الإسلام وبعده عند أصحـاب الشرائع الأخرى.. أما عن الزواج فى الإسلام وحقوق الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على زوجها فنقول:
الزواج فى الإسلام
ــــــــــــــــــــــــ
شرع الله الزواج فى الإسلام لغايات نبيلة ولأهداف سامية منها:
الحفاظ على النسب بين الناس، والحفاظ على النسل الإنسانى، ولترشيد وإشباع الغرائز والميول الشرعية، وأمان للمجتمعات من الضياع السلوكى، والانحلال الخلقى، وتنمية روح المحبة وغرس أصول الألفة، وتزكية العواطف الأبوية النبيلة وسعادة الأمومة ورعاية الأولاد.
ولذا جعله الله تعالى سنة الأنبياء والمرسلين، فقال تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) (الرعد: 38).
وجعله مبعث وحدة البشرية والمساواة فى الإنسانية، ونمو أصولها وانسجام فروعها، فقال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (النساء:1).
وهو أيضا عنوان تمدن وتحضر، وأساس كل تعاون وتقدم، على عكس العلاقات غير المشروعة فإنها عنوان تخلف ورجعية، وبدائية وهمجية، وجاهلية جهلاء.
والزواج فى الإسلام قائم على أساس متين من التراضى أو الإيجاب والقبول المقترن بالشهود، وفى ظل من رقابة الشرع وإقراره، فليس كل تراض معتبر شرعا، وإنما التراضى القائم على نظام معين هو المقبول الذى يقره الشرع، ولا قيمة لتراض مخالف نظام الشرع فى كل العقود.
لذا ارتضى الشرع نظاما معينا ووحيدا للزواج، وهدم كل ما عداه، وألغى وأبطل كل ما سواه من الأنواع التى بيناها سابقا.