هو ‘‘ دُنجوانُ السِينما المِصريّة ‘‘ و ‘‘ الجّانُ المُشّاغِب ‘‘ و ‘‘ الولدُ الشّقى ‘‘ الفنّانُ الكبير و القَدير ( رَمزى مَحمود بيومى مَسعود ) الشهير بأحمد رَمزى ذلك المُمثل جَميل الطّلة الذى عاش مُحِبّاً للفن و سَطَرَ بحُضوره و خُطُاه نُموذج الشاب المُفعّم بالحَياة و المّسْكون بالشّقاوةٍ و المُشاكسةٍ فألهَمَ كثيرين مَعانى حُب السينما و عِشق الجَسَد المّمْشوق و الحُضور الأنيق مِن خلال تّقديم أدوارٍ تمثيلية مُتجردةٍ مِن كل دُروب التّكلُف بعد أن تمّيز بأداءِ أدوار الفتى المُدلَل و المُسْتّهتِر الذى يَنجرِفُ كثيرّاً فى العديدِ من الأزماتِ بسببِ ذلك التّدلُل الزائِد و الاسْتِهتار الشديد للوقوع فى أعمالٍ إجراميّة ثم يَندم عليها فى النِهاية و لكن بعد فواتِ الآوان ! و بلا شك فقد أضفت أصوله الأسكُتلندية عليه هالة غربيّة طالما جَذَبَتْ إليه المُعْجَبات و جَعلَتْ مِنه أيقونّة للموضّة ليُقلِده مُعظم شَبابِ جيله فى عَضلاتِه المَفتولّة و مَلبَسِه الشبابى و حُضوره الطاغى و وسامَتِه المّقبولّة و خِفة ظِلِهِ المعّهودة التى ظَهَرَ بها فى العديدِ مِن الأفلام الناجِحة و البارزة التى أسْهّمَتْ فى تّشكيلِِ وجدانِ السِينما المِصريّة مُنذ مُنتصف خَمسينيات حتى أوائل سَبعينيات القرن الماضى و الحقُ يُقال أن الشَقاوة و المُغامرات كانت تّشغل مكانّاً كبيرّاً فى حياة أحمد رمزى مُنذ طُفولته حتى أنه ذَكَرَ فى أحد الحُوارات الصَحَفية أنه حاول الانتحارِ شَنقّاً و هو فى سِن العاشِرة مِن عُمرِه حين أراد أن يُقّلِدَ أفلام رُعاةِ البَقر و السّفاحين التى كانت تّستّهويه و هو صغير ما جَعلهُ يذهبُ إلى كوخ أحد رُعاة الخِراف على ضِفافِ النيل و ينتهز فُرصة عَدم وجود صاحبه و يُحاوِل تجربة شَنق نفسِه بحبلٍ مُتواجدٍ بالكوخ ! و لكنه نجا من المَوتِ باُعْجوبّة بعدما جُرِحَت رَقبتِه و سالت منها دماءً غزيرةّ .. ولد أحمد رمزى فى 23 / 3 / 1930م فى حى الجُمرك بمُحافظة الأسكندرية وسَطَ اُسرةٍ مّيسورة الحال حيثُ والده طبيب العِظام الشهير الدكتور ” محمود بيومى ” الذى خَسِرَ 250 ألف جنية عام 1938م ! بعد مُضاربته فى البورصة و أفلَسَ تماماً و توفى بعدها مِن شِدة الحُزن و لم يترك فى رصيده البنكى سوى مبلغ جُنيهان فقط !! أما والدته فكانت إسكتلندية و تُدعى ” هيلين مكاى ” و التى كان لها الفَضل فى نَشأة و رعايّة نَجلها و الحاقه بمَدرسة الأورمان ثم كُلية فيكتوريا و بعدها التّحقَ بكُلية الطِب ليُصبِحَ مثل والده و أخيه الأكبر و لكنه رَسَبَ ثلاث سَنواتٍ مُتتاليّة ! فانتقل إلى كُلية التِجارة حيثُ أكمل دِراسته بها إلى ان تخرّج منها و حصُل على درجة البكالوريوس بعد جُهدٍ جهيد ! و يُعد دخول أحمد رمزى مَجال التمثيل فى السينما من القِصص الغريبة التى لا تخلوا من الطَرافَةِ بعدما كان مُنذ نُعومَة أظافره يحلَم بسِحر السينما خاصّةً عندما وصل إلى مرحلة الشباب و شَعَرَ بأن ذاته جَديرة بهذا الشرف خاصة بعد علاقة الصَداقة التى كانت تّربُطَهُ بالفنان ” عُمر الشريف ” الذى كان يَهوى السينما هو الآخر فكانت من العَوامِل التى رسّخت الفِكرة فى ذهنه بعد أن تّعدّدت اللقاءات بينه و بين عُمر و شخص آخر فى جُروبى ” وسط البلد ” و فى أحد هذه اللقاءات التقى هذا الثُلاثى بالمُخرج يوسف شاهين و ظل رمزى يحلم بفكرة السينما و تّوقع أن يَسنِد له شاهين دوراً و لكنه فوجئ فى أحد الأيام بصاحِبه عُمر الشريف يُخبره أن ” شاهين قد إختاره هو ! ليكون بطل فيلمه الجديد ” صراع فى الوادى ” و كان ذلك عام 1954م و صُدِمَ رمزى لكنه لم يَحزن لأن الدور ذهب لصديقه و ظل الحُلم يُراودُه حتى عندما أسْنَدَ شاهين البُطولة الثانية فى ذات العام لـعُمر الشريف فى فيلم شيطان الصَحراء ذهب معهم رمزى و عَمِلَ كواحداً من عُمال التصوير كى يكون قريباً من صديقه الصَدوق و أيضاً مِن مَعشوقتِهِ السينما و ذات ليلة عندما كان جالساً فى صالة البلياردو كعادته لَمَحَهُ المُخرج ” حلمى حليم ” و لاحظ سُلوكه و تَعبيرات وجهِه فَعَرَضَ عليه العمل معه فى السينما و سُعِدَ رمزى كثيرّاً بذلك فكانت أول بُطولة له فى فيلم ” أيامنا الحلوة ” فى عام 1955م و الطريف أن البُطولة كانت مَع صَديقه عُمر الشريف و الوجه الجديد وقتذ ” عَبد الحليم حافظ ” لينطلق رمزى بعدها مُحلِقّاً العَنانِ فى سماء الفن ليُشارك بِعدة أعمالِ كان أبرزها ” أيام و ليالى ” و ” صِراع فى الميناء ” و ” القلب له أحكام ” و ” النّضارة السودة ” و ” نِمر التلامذة ” و ” عائلة زيزى ” و ” هى و الرجال ” و ” بنت الحتة ” و ” صُبيان و بنات ” و ” مُذكرات تلميذة ” و ” الشقيقان ” و ” خُدنى معاك ” و ” آخر شقاوة ” و ” ابن حميدو ” و ظّلَ رمزى على هذا المِنوال حتى مُنتصف عِقد السبعينيات مِن القرن الماضى حيثُ قرَرَ الاعتزال بعدما شَعَرَ أن الأوان لم يعُد له تزامُنّاً مع بُروز العديد مِن نُجوم الشباب مِثل ” نور الشريف ” و ” محمود ياسين ” و ” مَحمود عبد العزيز ” فآثر الابتِعاد لكى تظلُ صورتَه جَميلة فى عُيون جُمهوره الذى اعتاد عليه بصورة مُعينة و لكن هذا الاعتزال لم يستمر سوى لعِدة سنوات أعقبها عودته مرة أخرى للتمثيل بعد أن نجحت فاتن حمامة فى إقناعِه مِن خلال سُباعية ” حكاية وراء كل باب ” من إخراج المُخرج سعيد مَرزوق و بعدها كان قرار رمزى بالغياب مّرة أخرى ! عَقِبَ انشغالِه فى مُشروعٍ تُجارى ضَخم اعتمد فيه على بِناء السُفن و بيعها و هو المَشروع الذى إستَمر يعمل فيه طيلة عقد الثمانينيات حتى بداية عقد التِسعينيات إلى أن اندّلعت حَرب الخليج الثانية و تأثّرت تجارتِه إلى الحد الذى بات فيه مَديونّاً للبُنوكِ بمبالغٍ ضخْمة تم بمُقتضاها الحَجز على كُل مُمتلكاته ! و هو ماترَكَ الأثر السيئ فى نَفسِه حتى مُنتّصف عقد التِسعينيات و الذى قرر رمزى فيه العودة إلى عالَم التّمثيل مّرة أخرى من خلال عِدة اعمال بدأها بفيلم ” قِط الصَحراء ” مع يوسف منصور و نيللى و فيلم ” الوردة الحَمراء ” مع يُسرا و مُسلسل ” وجه القمر ” مع فاتن حمامة و يُذكر أنه عندما ظهر فى فيلم الوردة الحَمراء عام 2001م كان هو الشاب الشقى رغم زَحفِ تجاعيد السنين على مَلامِحِه و الصّلع على شَعرِه ! فكما ظَهر فى فيلم أيامنا الحلوة ظَهر فى الوردة الحمراء فاتحاً قميصه مُستّعْرِضاً قوامه ! و هو مانال عليه نقداً لاذعاً من مُعظم النُقاد الفنين لدرجة أن أحدهم نعته بـ ” العَجوز المُراهق ” و نَعته آخر بـ ” الدنجوان المُتصابى ” ! و هو ماجَعَلَ رمزى يبتعد بَعدها عن الأضواء تمامّاً و يَعتزِلَ الفن دونَ رجعّة بعد أن نَعَتَ ناقديه بالجّليَطةٍ و قِلَةِ الذوق ! .. جديرٌ بالذِكر أن سيدة الشاشة العَرَبية ‘‘ فاتن حمامة ‘‘ تُعد من أكثَرَ الفنانات التى عَمِل مَعها أحمد رمزى و قد ترّددت بعض الشائِعات عَن حُب رمزى لفاتن ! فكانت سببّاً فى ابتعاده عن صَديقه عُمر الشريف و عند سؤال “رمزى ” فى لقاءٍ مُتّلفَزْ رفض التّعليق على ذلك و اكتفى بالقول أنها ” أفضل فنانة و إنسانة عَرِفها طوال حياته ” و حتى أنه عند طلاقها من عُمر الشريف غضب “رمزى ” من صديق عُمره بشدة و ظلا لا يتحدثان لسنوات ! و قد ذكر الناقد الفنى عبد الله أحمد عبد الله ( ميكى ماوس ) فى إحدى حلقاتِه عن النُجوم أن المُخرج يوسُف شاهين هو مَن تسبّبَ ذات مرة فى نُشوب خلافٍ حاد بين رمزى و الشريف تسبّبَ فى قطيعة بينهما دامت لأكثر من 7 سنوات ! و ذلك حين طلب شاهين مِن أحد مُساعديه بأن يُحدِث خلافّاً بين الثُنائى كى يستطيع تصوير مَشهد الخناقة فى فيلم ” صِراع فى الميناء ” بمصداقية ! و أن يكون حقيقيّاً و يُصدقه المُشاهدون !! فذهب مُساعده ” الغبى ” إلى عُمر الشريف و لم يجد أى سيناريو لنُشوبِ هذا الخلاف سِوى أن يُخبره بأن رمزى يُداوم على مُغُازلة فاتن فى الخَفاء ! و كان الشريف شديد الغيرة على زوجته فتوجه ناحية رمزى و ضربَه و وقتها أعطى يوسف شاهين الإشارة بتشغيلِ الكاميرا و كان مَشهد الضرب حقيقيّاً و كان رمزى يصرخ ” إنت بتضرب بجد يا عُمر ” ؟! و عَقِبَ انتهاء المّشهد أخذ الشريف فاتن و تركا موقع التصوير و لم يعرف رمزى سبب ما حَدَث و فوجئ بقرار الشريف بعدها ألا يُشاركه فى أى فيلم يتواجد به ! إلى أن تم الصُلح بينهما فى عيد ميلاد ( مُنى ) نجلِة الفنان ” صلاح ذو الفقار ” بعد أن اعترف شاهين بتدبير هذا الأمر ! و لم يُنقذه وقتذ من فَتْكْ الشريف به سوى رمزى ! حيثُ قال له ( خلاص يا عُمر مافيش داعى للتجاوز أكتر من كده مع شاهين و الحَمدُ لله إنه إعترف بمَكيدة المُساعِد بتاعة عشان يبرأنى من التُهمة الخَسيسة دى قُدامك و لو انى زعلان مِنك لإنك صدّقت إن صديق عُمرك مُمكن يتجرأ و يخونك مع مراتك ! ) و انفجر الشريف من البُكاء و ارتمى فى حُضن رمزى و قال له ” سامحنى و لو إنى مش مُمكن حاسامح نفسى طول عُمرى إنى ظنيت فيك السوء يارمزى ” ثُم قرر الصديقان ألا يتعاملا مع شاهين مّرة أخرى و ظلا على هذا المِنوال حتى وفاتهما ! .. يُذكر أن تزوج رمزى ثلاثة مرات فقط فى حياته كانت الأولى عام 1956م من السّيدة ” عطية الله الدرمللى ” و كانت من عائلة أرستقراطيّة و انفصلا بسبب الغيرة الشديدة منها تجاهه بعد أن أنجَبت له إبنته ” باكينام ” أما الثانية فكانت من الفنانة نَجوى فؤاد و إستمرت 17 يومّاً فقط ! و انفصلا بسبب إختلاف الطِباع ! حيث إعتقدت نجوى أنها تَزوجّت رمزى المُمَثِل الطائش المُستّهتِر و فوجئت بأنه على النَقيض تمامّاً بعد أن ظهرت جديته و صرامته و شرقيته و خاصة الأخيرة التى أبت أن تظل مُرتبطة براقصة ! فحدث الانفصال بعد أن رَفَضَتْ نجوى اعتزال الرقص أما المُحامية اليونانية السيدة ” نيكولا ” فكانت زيجته الثالثة و الأخيرة و كان تعارُفه عليها من خلال والدها الذى كان يعمل مُحاميّاً فأحبها كثيرّاً و بعدما تزوج منها بفترة وجد أنه قد إختار الزوجة الصَحيحة فقرر الإنجاب منها فأنجبت له إبنته ” نائلة ” ثم إبنه ” نواف ” المُعاق ذهنيّاً و المُقيم بلندن و الذى توفى مؤخرّاً و يُذكر كذلك أن رمزى قد تسّبَبَ فى طلاق الإعلاميّة ” ليلى رُستم ” من زوجها عام 1965م بعدما انتقدته فى لقاءٍ تليفزيونى بسبب ارتدائه خرزة زرقاء ما دفع رمزى للرد عليها قائلاً ” المَدام خايفة عليا ” لترُد ليلى “ياختى عليه ” و هو ما أدى لطلاقها بعدما اتهمها زوجها بمُغازلة الدنجوان و وضعه فى موقفٍ مُحرج أمام الناس ! .. يُذكر أخيرّاً أن بعد اعلان رمزى اعتزاله الفن أكثر من مّرة و تراجُعه أكثر من مّرة أيضّاً اتجه فى نهاية الأمر للعَمَلِ بالتِجارة حيث استقر بالساحل الشمالى و تَرَكَ وصيته بانه عندما يتوفى يُدفن به و بعد مُشوارٍ و مَسيرة حافِلة بالعّطاء تخللتها فترة انعزال طويلة توفى رمزى عن عُمرٍ يُناهز الـ 82 عاماً على إثر جّلطة دِماغية شديدة الحِدة فور سُقوطِه نتيجة إختِلالِ توازنه فى حمامِ منزله بالساحل الشمالى أثناء تَوّجُهه للوضوء لصلاة العصر فى يوم الجُمعة 28 سِبتمبر من عام 2012م و شُيعّت جَنازة الولد الشقى بشكلٍ بسيطٍ فى أحد مَساجد الساحل الشمالى و دُفنَ هُناك بشكلٍ فى غاية البّساطة و الهُدوء بناءً على وصيته ليُسْدَل السِتار عن فنانٍ جَميل أثرى الفن المِصرى و العَربى بأعمالٍ رائعةٍ خالدةٍ إلى يوم يُبعثون .. رَحِمَ اللهُ الولد الشَقى و تجاوز عن سَيئاتِهِ و أسكّنَهُ فَسيح جَناتِهِ .