و احب الانارة ايضا
في درب لا يوحي بشيء
و لا يطل على شيء …
هكذا بدات قصيدتي هذه الليلة و كان الرصيف ياخذ مني بعض الحضور و عمود الكهرباء الذي يراقبني من فوق يحدثني بضوء هزيل يشبه رغبتي في المشي بالظلام…انظر حولي و اقول :
تنام النوافذ كما الامكنة المقفرة و لا احد يعيب عليها ذلك … انه موت النهار و الدرب في حداد والأحياء المجاورة تبالغ في الاسى و تترك النحيب لكلاب ضالة تنبح كالذئاب و قطط جائعة تموء… يرد الصدى :
الا انا …
و القصيدة لا نحب العزاء، نرسم الحداد كحاشية اغضبت الامير فعوقبت بالظلام …
كحاشية حين تعثرت بالحياة خلف الأسوار، أعلنت في سرها العصيان …
كنت الراقدة في ارتجافة الروح و تلك الحروف الغامضة نلف الحداد في البياض لكي لا يكترث بالفجر …
اي فجر ؟؟؟ تتساءل القصيدة و هي تنظر لعمود الكهرباء الذي يتواطأ مع الغربة في المسافة بين النوافذ هناك عاليا و الرصيف …
انا من يقول :
ارفع صوتي قليلا لاكسر حدة البرد… و السكون
لأرى الرصيف مطمئنا و انا فوقه أداعب قشوره
و استريح …
انا من أنطقت الرصيف هذا الليل
حين سمعت شكواه قشرة قشرة
يحمل اوزارنا جميعا الى هناك
حيث الريح يقسم نوايانا بلا اجل
انا من قلت للرصيف افتح صدرك لي
و لقصيدة لن تنصفك و الدهر أبدا …
و انا ايضا كاليتيم الذي لم تنصفه عيون الارامل
حين فكرت ان اغسل الرصيف بدموعي …سبقني المطر !
لم يسعفني الصدى و انا احكي عن دموعي و المطر …بثر سطرين من قصيدتي و نصف البياض ليرمي المطر بالحجر و يدمي الهامش و خاتمتي…
قال الصدى عن المطر وقت البكاء :
و كان كظلم الارض للحالمين برداء الحضور …
الم تتعبك الشهادة بعد ايتها الارض ؟
أكان لابد من ارواحنا في كاسك
ليتبرعم في خصرك السلام ؟
كضحايا مجاعة نسرف في التحديق
لنرى الهواء جبنا بالخبز
و لا تصح رؤيانا …
نموت ببطئ سافل امام ساعة رملية
فمن يقلبها مرة اخرى
لنبدأ من جديد ؟
حاولت ان أكتم الصدى بين دفتي كتاب و ان ارفع القصيدة الى اعلى قليلا ليطمئن الرصيف اكثر و لاقترب ان حالفني الخط الى نور عمود الكهرباء الذي يحتضر …و أظنني نجحت في ذلك هذه الليلة بامتياز .
كنت سعيدة باجتياز الظلام على هذا النحو … لكن في كل سعادة مفترضة يطل عليك سؤال تتجاهله في اغلب الاحوال ان كنت شاعرا يرتجل الحياة فوق البياض : كيف ترتب انفاسك بانتظام ليبدو كل هذا الشتات مولودا مباركا بعد مخاض عسير في قصيدة واحدة ؟
انظر الى اوراقي و أنفاسي المبعثرة و الرصيف و السماء و الارض و النوافذ المغلقة و ما حولي من صراخ و سكون في ان واحد و اقول للظلام الذي نفذ صبره و بدا يتخلى ببطء شديد عن سطوته لخيوط الفجر :
ها انا اعزيك في حدادك الذي لا يدوم و ان كنا نلتف بالخيال لنعصر وجودا اقل وطأة من الخوف او اقل وطأة من حقيقة صور الحياة خلف زجاج المحلات وقت النهار فاني اخبرك فلا تحزن ان بعض الحداد يكون بالأبيض ايضا …