وبعد أن أنهى خطابه أمام مجلس الأمن ضد الوطن بكل وقاحة وعري أخلاقي ، وبكل مايحمله من كراهية وشذوذ عقائدي . أختنقت القاعة بالتصفيق والمباركة وكأنهم يهنئون سقوطه في مستنقع الخيانة .وقد كان جميع القتلة الذين شاركو في قتل الوطن من ضمن الحاضرين . وهز له السغير الأسرائيلي رأسه بالرضا ،وأعطاه ظرفا يحوي على موافقة دولة أوربية على لجوئه ،مكأفاة على خيانته . رائحة الخوف تنبعث منه ،وحوبة الشهداء تطارده . لم يستطع النوم في تلك الليلة الطويلة جداً. وكان كل شيء هناك في الوطن يحزم حقائب السفر لمغادرة ذاكرته . وفي صباح اليوم التالي وكان وجهه قد غمره الحزن والسواد ،سافر بأول طائرة مغادرة إلى وطنه الجديد ، وكان يدور في خلده المريض بأن عشرات الصحفيين والصف الأول من أعضاء البرلمان سيكونون في أنتظاره ، ولكن لم يكن هناك سواه . وأخبره شرطي بأن الدولة أستاجرت له غرفة طاعنة بالقدم على أطراف المدينة الشتوية ، وبأنه يجب أن يتواجد الساعة الخامسة صباحاً من كل يوم لكي يأخذ مكانه في طابور الخبز والأعانة . عند تلك اللحظة أستيقظت مدن أوجاعه من رقادها ،وأدرك ماهية فعلته . وحاول الأتصال بالوطن مرات عدة ولكن بدون جدوى ، ووصلته رسالة نصية مضمونها .. (مبارك عليك وطنك الجديد) . وعاش ذلك الصحفي طوال حياته يقايض كريات دمه وركون ذاته مقابل الطعام والمسكن .وكانت الأزقة تبتلع خطواته وروحه التي يصفعها الشوق الى الوطن ،ويطعنها تأنيب الضمير . وبعد عشرين عام وكان المرض قد تمكن منه حد الأستيلاء . مات في غرفته المنبوذة خارج المدينة ، وأقامة له الدولة جنازة مزرية لم يحضرها سوى الحانوتي وموظف درجة عاشرة من السجل المدني ،لكي يستلم معطفه وحذائه ،فهناك صحفي جديد وافق على بيع وطنه .
كثيرون أؤلئك الذين يعتلون المنابر للتشهير باللأجئين ،ولأعطاء النزعة العنصرية في بعض الدول الشرعية الأخلاقية (على مبدأ أهل مكة أدرى بشعابها) , وتعهدهم بالكتابة عن أي شيء الا عن ألام أبناء الوطن … كاالكاتب العربي الذي أيد وزيرة الهجرة في أحدى الدول الأوربية (…..) في مسألة دورات للثقافة الجنسية والحياتية للوافدين الجدد .. أملاً بأنه بأن يرتفع رصيده لدى الدولة ، ولكي يتخمون جيبوبه بالنقود التي ينزف دم أطفال الوطن .
سيدي الذي باع ضميره عند أول مفترق طرق، طمعاً بالحياة الرغيدة في المنفى . ماذا ستقول غداً لله وللوطن عندما تسأل لماذا؟؟؟