حمدي عبد العزيز يكتب ……إبن إياس ليس مؤرخاً فحسب

وإنما هو عبقرية في السرد الذي ينقل وقائع الحياة على الورق دونما أن ينتقص شيئاً من روحها أو يخل بنبضات عروق هذه الوقائع محافظاً على طزاجتها … ليتلاشي الفارق مابين سخونة الأحداث لحظة الحدوث ومابين لحظة قراءتها رغم مرور أزمنة تقدر آلاف العقود ومئات السنين على تسجيل الوقائع

قرأت ( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) في أوائل التسعينيات بناء على نصيحة من الشاعر العظيم عبد الرحمن الأبنودي عندما دعاني للحضور إلى منزله في المهندسين في أحد أيام الجمع

طبعاً لم أكن أمتلك القدرة على إمتلاك هذا العمل الضخم فبحثت عنه إلى أن وجدته لدى إحدى مكتبات المدارس الثانوية بواسطة صديقي المرحوم حسن علبه فأعارني مجلدات إبن إياس بالترتيب

تفرغت تماماً لقراءة هذا العمل العبقري لشهور لم أقرأ فيها ورقة خارجه
كنت أقرأ بطريقة تلخيص بعض الوقائع والمقتطفات على أوراق خاصة بي إلى أن تكون لدى دوسيهاً ضخماً كملخص لكتاب (بدائع الزهور في وقائع الدهور)
وهو يغطي مساحة تاريخية من تاريخ مصر تحت حكم الخلافة الإسلامية منذ دخول عمرو بن العاص إلى مصر حتى مقدم الإحتلال التركي العثماني للمحروسة وهو مسجل على طريقة اليوميات

وهو إلى حد نسبي قد أختلف عن ذلك التأريخ الذي كان يدون فقط تاريخ الحكام وإن لم يبتعد كثيراً إلا أنه كان يلم بمناحي الحياة الشعبية وطرق حياة البشر في تلك العصور وكثير من الحوادث التي كانت تتحدث عن الناس في العموم الشعبي التحتي في المجتمع
وهذا سبب من أسباب التفرد التاريخي لهذا العمل الضخم

كم من الفظائع والأهوال وصنوف الافقار والإستبداد التي مرت على مصر
وكم من الفرص الضائعة التي كانت فيها فقرات من تاريخ مصر ( وخاصة في العصر المملوكي) حدثت فيها تراكمات كانت تكفي لإدخال مصر في زمرة القوى العظمى الآن
وضاعت هذه الفرص بفعل الإستبداد الشديد الذي يصل إلى درجة ( ممارسة الشذوذ السلطوي)

فترة شهدت أيضاً غرز بذرة التخلف والتشوه ونشوء ظاهرة الإستبداد الشرقي كظاهرة تحدث عنها كارل ماركس فيما بعد وتناولتها مدارس ماركسية عديدة

ماعلينا
حاولت في الفترة الأخيرة جاهداً أن أقرأ ما كتبته من ملخصات في أوائل تسعينيات القرن الماضي لذلك العمل البديع لكنني وجدت أنني اقرأ عبارات بلا روح وأن التلخيص لم يعيدني إلى الإحساس بجسامة هذا العمل وروعته

كلما حاولت أن أعيد القراءة كلما فشلت ولم يبق لي سوى أمل العثور – يوماً ما – على هذا العمل وأن أنجح في توفير وقت لقراءته بالكامل
ليس كعمل تاريخي
وإنما أيضاً كعمل أدبي رفيع يجسد روح مصر وشعبها في فترات تاريخية عانت مصر فيها ماعانت وضاع منها ماضاع من فرص التقدم والرخاء والحداثة
لكنها ظلت الوطن الذي قدر لنا أن نعيشه وندافع عن قضاياه ونعشقه دونما وقوف على ماهية ذلك العشق ودوافعه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.