عبدالرحيم حشمت عسيري يكتب ……الفقراء أصحاب مصر الحقيقيين

المقصود بالفقراء خصوصا في مصر هم أبناء الطبقة المعدومة من العاطلين والمهمشين ، بالإضافة إلى العمال والفلاحين الذين يمثلون الطبقة الكادحة ، ثم انضم إلى قائمة الفقراء للأسف أبناء الطبقة المتوسطة من الموظفين ، والتجار ، وصغار الملاك ، وأصحاب المهن الحرة منذ انتهاء دولة الكفاية الإنتاجية ، وغياب العدالة الاجتماعية في سبعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا .. وبناء على هذا المفهوم وانطلاقا منه يمكن القول بأن الفقراء هم أصحاب مصر الحقيقيين وذلك لأنهم يمثلون الأغلبية العددية بين أبناء الشعب هذا أولا ، وثانيا : لأن الفقراء هم دافعو الضرائب .. وثالثا : لأنهم يمثلون حائط صد ضد الكوارث والمحن والمصائب .. ورابعا : لأن أبنائهم هم وقود الحرب ، وأدوات البناء .. وخامسا : وهو الأهم لأن الفقراء لم يستولوا على أملاك الدولة ، ولا يمثلون خطرا على السلطة .. وسادسا : لأن الفقراء تاريخيا هم بناة مصر ، وصناع حضارتها ، وسبب عزتها ، ومصدر قوتها .
من المعروف أن الحكومات في مختلف دول العالم شرقه وغربه تعمل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لصالح الأغلبية العددية في شعوبها .. بمعنى أنها تضع الخطط ، وترسم السياسات ، وتحشد الطاقات ، وتنفق الميزانيات بالشكل الذي يخدم بالدرجة الأولي مصالح السواد الأعظم من شعوبها ، بالتوازي مع المحافظة في ذات الوقت على حقوق المجموعات الإثنية ، وبشكل عام الأقليات بكافة أنواعها العرقية والطائفية والطبقية ما عدا مصر سواء في عهد الملكية ، أو في عصر الجمهورية .. بل أكثر من ذلك لم تعامل أية حكومة في الحقب الملكية أو الجمهورية الأغنياء والفقراء بمسطرة واحدة فيما تقدمه من خدمات ، وما تمنحه من تسهيلات .. تماما كما لا تهتم السلطات الأمنية بجرائم الأمن الجنائي قدر اهتمامها بجرائم الأمن السياسي .. كما لم تضبط أية حكومة من قبل متلبسة بوضع سياسات حقيقية لصالح الأغلبية المسحوقة من الفقراء والمعدمين اللهم باستثناء حقبة الستينات بقيادة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر .. أما حكومات عهد الملكية فكانت تعمل بطبيعة الحال لصالح مجتمع الخمسة في المائة .. هذه الطبقة المستغلة التي مصت دماء الشعب ، وطحنت عظامه ، فكونت ثروات طائلة ، وكانت سببا في حرمانه من أبسط حقوقه والتي عادت مرة أخرى للظهور كمثال حي على انتشار الفساد نتيجة لسياسة الانفتاح في حقبة السبعينات .
لكن الحق يقال أن مجتمع الخمسة في المائة تمدد ، وتوغل ، وتبجح ، وتوحش ، وازداد جشعا على جشعه ، وشراسة على شراسته .. تحت إشراف وقيادة رأس الفساد ، ورمز الأمية والأمراض ، وبطل الفقر والعشوائيات ، الذي خلعه الشعب المصري العظيم بعدما عز العيش ، وانتفت الحرية ، وانتهكت الكرامة الإنسانية ، وغابت العدالة الاجتماعية .. ثم الحق يقال أيضا أنه لولا يقظة هذا الشعب الحر الأبي ، الذي ثار في الوقت المناسب على نظام الرئيس الأسبق المعزول .. الذي لم يكمل عامه الأول في الحكم حتى قسم المصريين إلى أعداء وموالين ، وخصوم ومؤيدين ، وكفار ومؤمنين .. ليس هذا فقط بل لم يكن في حسابات ذلك النظام الظلامي المتخلف اللعين القضاء على ثالوث التخلف المهين ( الجهل ، والفقر ، والمرض ) .. حتى لا يفقد قواعده من المغيبين ، وتضعف قوته التصويتية من مخزونه الاستراتيجي من الفقراء والجهلاء والمعدمين .. ولو استمر عاما آخر في الحكم لا قدر الله لتبدل حال الفقراء من سافل إلى أسفل السافلين .
أما أغرب ما في الأمر أن يتحول قسم كبير من طبقة الخمسة في المائة من مربع النهب ، والاستحواذ ، والسلب .. الذي كانت ترتع فيه هذه الشريحة الفاسدة قبل ثورة 25 يناير الشعبية الخالدة على مدى أربعة عقود .. إلى مربع الخذلان ، والنكران ، والجحود الذي لا يخلو من الضغط ، والتهديد ، والمساومة ، والوعيد .. بعد ثورة 30 يونيو الشعبية التي صححت المسار ، ورجعت تجار الدين إلى الأوكار ، وأعادت لهذه الأمة الاعتبار .. أقول ظهر هذا الجحود والنكران بوضوح شديد في عدم تلبية هذه الفئة الخائنة لنداء الرئيس عبدالفتاح السيسي .. بالتبرع لصالح صندوق تحيا مصر لإعادة بناء الوطن في لحظة حالكة السواد في تاريخ الدولة على امتداد الزمن .
وكما رأينا جميعا كيف تخاذل الأثرياء عن الإسهام في حفر القناة .. في الوقت الذي سارع فيه الفقراء إلى تقديم مدخراتهم ممهورة بحسهم الوطني ، ومختومة بانتمائهم التاريخي ، ومغلفة بولائهم الفطري .. فساهموا بعشرات المليارات في أيام معدودات .. وما كان هذا ليحدث لولا ثقتهم في الرئيس السيسي الذي لمسوا فيه الصدق والإخلاص ، ووجدوا فيه القائد المنقذ الحكيم ، والبطل المخلص الأمين ، والزعيم الوطني القوي القادر على القضاء على الفاسدين ، والإرهابيين ، والمتاجرين بالدين .
لكن السؤال الذي يفرض نفسه ويعرف القاصي والداني إجابته ألا وهو : هل الدولة المصرية في كافة العهود وشتى العصور تعامل مواطنيها الفقراء الذين يمثلون الأغلبية الغالبة بالمفهوم السابق ذكره كما يعاملونها التزام بالتزام ، وولاء بولاء ، ومسئولية بمسئولية ، وانتماء بانتماء ؟ .. وبمعنى آخر هل كل واجب يؤديه الفقراء ، يقابله حق تقدمه الدولة ؟ .. الإجابة ببساطة شديدة بالنفي القاطع .. فالفقراء في مصر اعتادوا على القيام بما عليهم من واجبات وفي المقابل حقوقهم المكتسبة مهضومة ، ومطالبهم المشروعة مرفوضة ، ومناشداتهم المستمرة غير مسموعة ، ومعاناتهم المزمنة غير خافية على أحد ممن يملكون القرار ويمسكون بزمام السلطة ، فالفقراء يعيشون منذ عدة عقود في أوضاع اقتصادية واجتماعية وإنسانية مثيرة للشفقة ، ودافعة للغضب ، والتمرد ، والانتقام ، والثورة .
أزمة مصر الحقيقية ليست أزمة موارد ، ولا قلة ثروات ولا عقول ولا سواعد .. فمن المعروف أن مصر دولة غنية بالموارد لكنها لا تجد ضمائر حية تنميها ، و مليئة بالعقول النابغة التي لا تجد حكومة شجاعة تتبناها ، وغنية بالثروات التي لا تجد أيادي نظيفة تحميها .. الأزمة ليست إهمالا فقط ، ولا غيابا للضمير فحسب .. بل المشكلة الحقيقية في غياب الرؤية ، وانعدام الأمانة ، وخراب الذمة .. فما نشاهده ، ونقرأ عنه ، ونسمع به في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية .. من هدر ونهب وفساد ليس إلا جزءا يسيرا من خريطة وطن بأكمله ضربه الفساد ، والتردي ، ونخر الإهمال عموده الفقري ، وأوشك بنيانه التاريخي على الانهيار .. وإذا حدث ذلك لا قدر الله سيحول اللصوص أموالهم للخارج ، ويهربون بطائراتهم الخاصة إلى حيث قصورهم المنتشرة في أرقى المدن حول العالم .. ولن يشرب الحنظل ، ويكتوي بنيران هذا الوطن ، ويعيد بناءه ، ويعيش على تراب أرضه سوى أبناؤه الفقراء الذين قامت الحضارة على ظهور أجدادهم منذ آلاف السنين .

 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.