د.مجدي الداغر يكتب ……الأقباط في مصر الفاطمية .

قامت الدولة الفاطمية بخلافة شيعية فى مصر تناوئ الخلافة السنية فى بغداد، وكانت بداية الفاطميين أكثر تسامحاً مع الأقباط واليهود فى مصر، خصوصاً الخليفة “المعز لدين الله” وابنه الخليفة “العزيز بالله” ، إلا أن الخليفة الحاكم ابن الخليفة “العزيز بالله” كان عنيفاً مع كل المصريين بما فيهم الأقباط بسبب قراراته المتشددة ، وأمر “الحاكم بأمر الله الفاطمي” باعتقال البطريرك “زخريس” لمدة ثلاثة شهور، وعزم على طرد الأقباط من مصر.

وتُشير الوقائع التاريخية إلى أن “العزيز بالله” كان متزوجاً من امرأة كاثوليكية وأنجب منها (ست الحسن)، وهذا ما دفعه إلى أن يعطف كثيراً على الأقباط ، ويساوى بينهم وبين جميع الرعايا، كما اهتم بترميم وبناء الكنائس، بينما كان عصر”الحاكم بأمر الله” من أشد العصور الإسلامية عنفاً ضد الأقباط، حيث كان التضييق عليهم فى أعمالهم وإلزامهم بزى خاص ومنع الاحتفال بالأعياد الدينية وأغلق العديد من الكنائس التى تخص طوائفهم .

وفى فترة ولاية “الحاكم بأمر الله” ظهر رجل يدعى “دراز” واعتنق دينًا جديدًا وهو المعروف بمذهب الدروز، فارتاح الحاكم لهذه الديانة الجديدة ، حتى أن دراز كان يصعد كل صباح إلى جبل المقطم منفردًا ، ويزعم أنه ينادي ربه كما كان يفعل “موسى عليه السلام” ، وثار الناس علي أفكار دراز وقصدوا قتله فهرب وتخفى في قصر الحاكم الذى أنكر أمره خوفًا من بطش الرعية وبعث إليه مالاً وفيراً وقال له: اخرج إلى الشام وانشر الدعوة في الجبال هناك فإن أهلها سريعو الانقياد، فخرج إلى الشام ونزل بوادي “تيم الله بن ثعلبة” غربي دمشق من أعمال بانياس ، وأباح لهم شرب الخمر وإباحة دماء كل من يخالفون هذه العقيدة الجديدة التى أصبحت من المذاهب الأصيلة فى لبنان منذ العهد الفاطمى وحتى اليوم .

أما في عهد “العزيز بالله” فقد اعتنق أكثر من أربعين ألف قبطي الإسلام هرباً من الاضطهاد الذى تعرض له الأقباط آنذاك ، لكنه عاد وتسامح معهم في أواخر أيامه ، وسمح بفتح الكنائس من جديد بأمر من أمه التى كانت قبطية ، وكانت تتمتع بنفوذ قوى في شئون الدولة ، حتى صار “عيسى بن نسطورس” رئيسًا للوزراء فترة ولاية “العزيز بالله” !
كما تقلد الكثير من الأقباط الوظائف العليا في دواوين الحكومة لاسيما المتعلقة بالأعمال الحسابية وامتازوا بوضع قواعد حسابية دقيقة كانوا أجدر من غيرهم ، كما كان الصياغ والنجارون وأعمال الحياكة والبناءون والحدادون والمهندسون والنقاشون غالبيتهم من الأقباط .

وفى عهد الخليفة “الحاكم بأمر الله” انتقل الاضطهاد من القاهرة إلى الأقاليم ، حيث كتب الحاكم بأمر الله إلى ولاته بتمكين المسلمين من هدم الكنائس والأديرة ، وطبقاً لإحصاء “المقريزى” عام (405 هـ) فقد بلغت ثلاثين ألف منشأة دينية تم هدمها بين بيعة لليهود ودير وكنيسة للأقباط فى مصر، ونهب كل مقتنياتها وأوقافها، ثم اشتدت الحالة العصبية بالخليفة “الحاكم بأمر الله” ، فأصدر قراراً بنفى الأقباط من مصر إلى بلاد الروم ومعهم اليهود، فتجمع أعيانهم حول قصر الخليفة يبكون ، وظلوا معتصمين أمام قصر الحاكم لثلاثة أيام كاملة حتى تراجع عن قرار النفي مقابل الولاء والطاعة لقراراته ونظام حكمه.

 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.