رؤى ومقالات

حاتم خضر يكتب …..متى ستنتهي أزمة القمح؟

أنه لمن العبث أن ترى هذا المشهد المزرى في مصر، الدولة التي تستهلك حوالي 15 مليون طن من القمح سنويا، وتنتج حوالي نصف ما تستهلك حسب التقديرات الرسمية تضع العراقيل أمام الفلاحين عند توريد المحصول الأمر الذي يؤدي إلي فقدان جزء منه، ويزيد الأعباء على هذه الفئة.

بعد ستة أشهر من التعب والمعاناة والشقاء والحرمان والتجول في الغيطان أثناء برد الشتاء القارص وحرارة الصيف الملهبة، حصد الفلاحون محصول القمح وانشرحت صدورهم لأنهم سيجنون ثمار تعبهم خلال أيام، ويستطيعون أن يلبوا مطالب أبنائهم وأسرهم، لكن فرحتهم لم تكتمل ولم تدم طويلا، بل انقلبت إلي حزن بالغ لانهم فشلوا في توريد المحصول بعدما وضعت الحكومة بعض العراقيل منها الحصول على حيازة زراعية كي تتم عملية التوريد.

نسبة كبيرة جدا من الفلاحيين لا تمتلك حيازة زراعية لأنهم لا يمتلكون الأرض وأن بعضهم اعتاد على توريد المحصول للتجار ربما بسعر أقل عن الحكومة تجنبا للروتين الحكومي الذي يبعث على الإحباط، ولعدم وجود حيازة رفضت الجمعيات الزراعية والشون استلام المحصول، وحتى التجار استغلوا هذه الأزمة واشتروا من الفلاحين الأردب بـ 360 جنيها بدلا من 420 ولم يدفعوا لهم الثمن في الحال.

إي عبث، وأي فشل وأي خلل في مؤسسات الدولة هذا! أين جاهزية الدولة في استقبال هذا المحصول الهام؟ هل استلمت الدولة الكمية التي تحتاجها لهذا العام ولذا أغلقت كل الصوامع والشون؟

لماذا لم تستعد بالشكل الجيد لهذا المحصول؟ ثم ما ذنب الفلاحين في هذا الأمر؟ 

ما ذنب الفلاحين الذين يصطفون أمام الشون والجمعيات الزراعية عطشى وجوعى وتحت حرارة الشمس، ويجلس المسؤول المبجل في مكتبه يستمتع بالهواء البارد المنعش المنبعث من جهاز التكيف، ولا يعبأ أو يشعر بهذه المعاناة؟

لم يعد الفلاحون، الذين تعبت قلوبهم وبُحت أصواتهم وأنهكت قواتهم، قادرون على تحمل ارتفاع تكاليف الميكنة الزراعية والسولار والأسمدة والتقاوي والأيدي العاملة، وتكاليف المعيشة وفواتير الكهرباء والماء… وغيرها.

الفلاحون في معاناة مستمرة لأن منتجاتهم لا تلقى تشجيعا ودعما من الدولة، القمح يعاني من مشكلة في التوريد، وباعوا الأرز بسعر بخس والأن قفز سعره مثل الدولار وتخطى ثمانية جنيهات للكيلو، وعائد محصول قصب السكر وبنجر السكر لا يساوي تعبه ومشقته، وهناك مشكلة مياه طاحنة تعصف بالمحاصيل وخصوصا في فصل الصيف، بالإضافة إلي مشكلات كثيرة أخرى.  

ستدفع سياسات الدولة الفاشلة الفلاح إلي عدم التوسع في زراعة المحاصيل التي تسبب له مشكلات تتعلق بالتوريد، وربما ستدفعه إلي أن يتجه إلي زراعة البرسيم بكثافة وتربية الماشية حتى يستطيع أن يعيش في ظل هذا الغلاء الفاحش التي يأكل الأخضر واليابس.

في كثير من الدول التي تسعي إلي تحقيق تنمية، تبدأ أولا الاهتمام بالقطاع الزراعي خصوصا في دولة مثل مصر التي يبلغ تعداد سكانها 90 مليون، فبدلا من استيراد القمح بالعملة الصعبة التي أصبحت غير متاحة الآن في السوق، فإنه من الأهمية القصوى تشجيع منتجات الفلاح ومحاولة إزالة كل العقبات أمامه حتى تسطيع الدولة تقليل الاعتماد على القمح المستورد وتصل إلي درجة الاكتفاء الذاتي في عدد من المنتجات.

كيف تقول الدولة إنها تسعى إلي استصلاح مليون ونصف فدان وهى لا تبذل جهودا كي تستلم المحصول الجاهز؟

يسروا على هذه الطبقة أمورهم، ارفعوا الظلم عنهم حتى لا تصيبكم دعواتهم…

لا تتركوا الأمر يتفاقم أكثر من ذلك، فهناك غضب جامح لدى الفلاحين وهم الآن يكظمون غيظهم بقدر المستطاع، لكن إذا انفجر هذا الغيظ وهذا الغضب، فلا تلومون إلا أنفسكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى