ثقافة وفنون

من قصة “التلة الحرام” للأديب / سعيد عثمان

” بالرغم من احتراف أبنوب التجارة إلا أنه كان لديه حقل صغير لا يتعدى القراريط هو فى الأصل ملك للست تيريز زوجته .. لم يهمله يوما أو يفكر فى بيعه مهما زادت قيمة العروض .. به شجيرات ليمون وبرتقال وشجرة مانجو كبيرة .. ومنحل صغير يكفى عسله بيته طوال العام وما زاد فهدية لقس الكنيسة والجار وبيع ما يزيد للغريب .. ذات نهار تأخر فيه إلى وقت عصر .. فجأة لفت انتباهه أنه بالرغم من أنه سمع منذ قليل صوت الآذان يصل خافتا كالعادة من مساجد القرية البعيدة .. إلا أن أحدا لم يرفع الآذان فى الزاوية القريبة المقابلة لحقلة من الجهة القبلية .. نظر يمينا ويسارا وانتظر قليلا يراقب الطريق .. ثم توجه إليها فلم يجد سوى صبيا صغيرا وحيدا لا يدري ماذا عليه أن يفعل وما من مؤذن وقد تأخر وقت الآذان .. خلع أبنوب طاقيته الصوفية وحكَّ جلد رأسه بأطراف أظافره كعادته حين يحيره أمر ما .. من جديد نظر يمنه ويسره ثم نادى على الصبى الصغير وطلب منه أن يحضر إناء الماء ويتبعه ..
على حرف المسقاة الصغيرة شمّر أكمامه ورفع طرف جلبابه إلى أعلى ركبتيه ثم جلس على حجر كبير .. أمر الصبى فبدأ يغرف الماء من المسقاة بالإناء ويصُبُّ فى كفىّ الرجل .. غسَل عم أبنوب اليدين عدة مرات .. ثم توقف فجأة يفكر ماذا بعدُ من ترتيب .. ثم نظر إلى الغلام وسأل ..
– ما اسمك يا ولد ؟ ..
– وضَّاح ..
– هل توضأت للصلاة يا وضاح ؟
– أتوضأ عندما يؤذن المؤذن للصلاة يا عم أبنوب ..
– بل تتوضأ الحين يا وضاح .. ناولنى الإناء ..
مد أبنوب يده وأخذ إناء الماء وبدأ يصب للصبى الصغير وهو يراقب أفعاله ويحفظ ترتيب وضوئه بتركيز .. حتى إذا ما انتهى الصبى أعطاه الإناء وقلده .. بكم جلبابه مسح وجهه ثم اتجه إلى المصطبة العالية المعدة للآذان وبدأ يؤذن بصوت جميل كما قلبه النقى مثلما سمعه آلاف المرات .. ثم رسم الصليب على صدره وانصرف ..
بعد دقائق قليلة بدأ الناس المعتادين على الصلاة فى تلك الزاوية عقب سماع الآذان يفدون فرادا إلى المصلى الصغير .. بعد الصلاة والسنة والتسبيح سألوا الصبى عمن يكون صاحب الصوت الجميل الذى أذن للصلاة .. ببراءة أشار الصبى إلى الحقل القريب وقال ..
– إنه العم أبنوب ..
ضرب المصلون كفا بكف وكلهم دهشة من أمر هذا الرجل ..
من يومها عُرف الرجل فى القرية بالشيخ أبنوب .. ”
…………………………………………….
طى المجموعة القصصية ” أرانب وذئاب”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى