رؤى ومقالات

صورة المراهق في الثقافة العربية

أميرة المضحي-كاتبه من السعوديه

مهمش ذلك الإنسان العربي الضائع بين طفولته واكتمال الأنوثة أو الرجولة، إنها مرحلة البحث عن الذات والهوية بين عالمين متغيرين ولكل منهما متطلباته وتطلعاته. إنها المراهقة، مرحلة التناقضات والجنون والطاقات الهائلة والتمرد. إنها السنوات الفاصلة في حياة الإنسان، فخلالها تثور هرموناته وأفكاره وأحلامه وأماله ومخاوفه وأحاسيسه، فيضيع بين مرحلتي الطفولة والرشد. الطفل المراهق شديد الحساسية تجاه كل ما يحيط به، وكل ما يقال له وما يشاهده في التلفزيون أو السينما، أو ما يقرأه في الكتب. كل كلمة قد تُحدث في نفسه انفعالات غير متوقعة،ولهذا يشتكي من عدم فهم الآخرين له ولأفكاره، ولهذا يحاول لفت الأنظار إليه ولوجوده في هذا العالم، ويبحث عن نماذج حياتية للاقتداء بها خارج إطار عائلته، بين الفنانين ولاعبي كرة القدم أو المنشدين الدينيين في سنوات ما يعرف بالصحوة.

ولأن الفنون انعكاس للمجتمعات، فالطفل المراهق شبه غائب عنها، رغم أن حضوره قد يكون عاصفٌ أو مثير للجدل. هو غير معترف به كفرد يعيش مرحلة انتقالية. في الفن السابع أستحضر بعض العلامات الفارقة والتي أعطت فيها البطولة بالمعنى السينمائي العربي لمراهقين، كفيلم المخرج الراحل يوسف شاهين (عودة الابن الضال)، والذي حمل شاهين أبطاله الصغار آمال وهزائم ذلك الجيل، وحديثاً فيلم المخرجة إيناس الدغيدي (مذكرات مراهقة)، والتي انحازت فيه للمراهقين وأحلامهم وتطلعاتهم برغم كل ما أثير عن الفيلم ورسائله.

أما في الأدب فالغياب أكبر، فالقارئ من هذه الفئة العمرية غير مُلتفت إليه رغم أنه أصبح رقما صعباً في عالم الكتب، يساهم في جعل كتابه المفضل من ضمن الكتب الأكثر مبيعاً بغض النظر عن مستواه، ويجعل من كاتبه نجماً يتهافت عليه ويصطف في طوابير في معارض الكتب طمعاً في الحصول على توقيعه أو صورة سيلفي معه، وإن كان ما نشره هذا الكاتب غارق في الركاكة والسطحية، حتى أصبح هذا المنظر اللافت والمثير معتاداً في حفلات توقيع الكتب مما يثير غيرة الكتاب الآخرين، ربما.

وإذا اعتبرنا بأن كل الكتب موجهة إلى الكبار في الأصل، نجد اهتماما جيداً بالطفل وأدبه، فلقد خصصت المكتبة العربية كتباً ودراسات وجوائز وبرامج تلفزيونية ومسرحية للأطفال واهتمت بهم وإن كان بعض ما يقدم يفتقدللأسس التربوية والعلمية والنفسية.أما أدب المراهقين فهو قيد التأسيس، ففي الآونة الأخيرة صدرت عدد من الروايات المخصصة للفتيان واستحدثت الجوائز العربية فروعا لها أيضاً في محاولة للالتفات لهذه المرحلة العمرية الفائقة الأهمية، وربما لحث المؤلفين والروائيين في الكتابة إليهم، فصدرت رواية (رحلة الفتى النجدي) للروائي يوسف المحيميد، ورواية (الذئبة أم كاسب) للروائية لينا هويان الحسن، ورواية (الفتى الذي أبصر لون الهواء) للشاعر عبده وازن.

إن غياب أدب المراهقين المكتوب بأسس تتناسب مستوى أدراكهم وذكائهم ورغباتهم والذي يلبي حاجاتهم المعرفية يجعلهم فريسة الكتب التافهة التي قد يجدون فيها شيئاً مما يبحثون عنه، ككتب الجنس الرخيص، والقصص الخليعة، وكتب الحكي التي يجيد مؤلفوها الظهور على منصات التواصل الاجتماعي ويخاطبون المراهقين بلغة ساذجة أو ركيكة، في مهمة واضحة لتهميش الأدب الجيد وإبراز الأدب السطحي،عبر نجومية بعض الكتاب، وكأن السطحية أو الركاكة من متطلبات العصر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى