بروفايل

أشرف الريس يكتب عن: ذكرى رحيل المُخرج مُصطفى العقاد

يوافق اليوم الذكرى السنوية الـ 13 لرحيل المُخرج العالمى و المُنتج و المُمثل السينمائى العملاق السورى المولد و الأمريكى الجنسية ” مُصطفى بكرى العقاد ” الشهير بمُصطفى العقاد و هو المُخرج الرائع الذى امتلك رؤية تختلف عن غيره من المُخرجين العالميين حيث اتبع أسلوباً مُستحدثاً فى الإخراج تمثل فى وقوفه دائماً ضد المنطق المُسيطر على أحداث العمل الفنى من ظلم و تسلُط القوة ! فكان يجعله دائماً ماينتصر فى النهاية بغض النظر كونه على حقٍ أم على باطل لتعكس أفلامه العكس تماماً من انتصارٍ دائماً للحق على الباطل فى كافة مشاهد العمل و ليست فى النهاية فقط كما جرى العُرف عليه حتى لو كان الباطل فى عُنفوان قوته و الحق فى ذروة ضعفه ! .. ولد العقاد فى 1 / 7 / 1930م فى مدينة حلب السورية وسط أسرة فقيرة و تلقى فيها تعليمه الإبتدائى و الثانوى و فيها بدأ عشقه للسينما بداية من مُنتصف أربعينيات القرن الماضى حيث كان الفتى الصغير يتردد على صالة سينما ” أوبرا ” فى مدينة حلب و قد سحره عالم الصور المُتحركة و تمكن منه حُب السينما لدرجة أنه لم يعُد يفكر بأي مُستقبل أو حلم آخر سواها و حينما بلغ عُمره الثامنة عشر قرر أن يُحقق حلمه فغادر سوريا عام 1954م ليقطع ألاف الأميال كى يصل إلى كاليفورنيا فى رحلة غيرت مجرى حياته بالكامل و كان والده قد اشترط عليه أن يتحمل ثمن تذكرة الطائرة و كافة مصاريف السفر لكنه تراجع فى لحظة الوداع و فاض حنانه أمام الفُراق الوشيك فقرر أن يتحمل كُل المصاريف .. بعد وصلول العقاد إلى أميركا عام 1953م درس الإخراج فى جامعة UCLA بولاية كاليفورنيا و تخرج فيها عام 1958م ليبدأ مرحلة المُعاناة فى سوق العمل حيث رفضت سبعة استوديوهات و جميع محطات التليفزيون و وكالات الإعلان توظيفه لأنه عربى مُسلم ! مما اضطره أن يعمل كمُراسل صحفى لمجلة ” الدنيا الدمشقية ” الأسبوعية و كان فى كل تغطياته الصحفية مُعتزاً جداً بعروبته و تراثه و لكنه لم ييأس مُطلقاً عن تحقيق حلمُه ففى عام 1962م استطاع أن يقتحم أبواب هوليود بعد جُهد جهيد و يعمل مُخرجاً و مُنتجاً و مُمثلاً أيضاً و وصل إلى العالمية عام 1976م عندما اخرج فيلم ” الرسالة ” كأول فيلم عربى عالمى عن رسالة الإسلام الذى صَدَرَ بنسختيه العربية و الإنجليزية و فى عام 1981م قام بإخراج فيلم ” أسد الصحراء عمر المُختار” باللغة الانجليزية الذى تناول فيه بطولة الشعب الليبى ضد الإحتلال الإيطالى بقيادة المُجاهد الليبى العظيم عُمر المختار الذى لعب دوره المُمثل العالمى ” انتونى كوين ” و قد أضحى العقاد بعد ذلك بداية من عام 1978م و حتى عام 2002م هو المُنتج المُنفذ العالمى الوحيد الذى شارك فى جميع سلسلة أفلام ” هالوين “و يُحسب له فهمه للعقل الأمريكى حق الفهم بعد أن استطاع خلال سنواته الـ 23 التى قضاها فى الولايات المُتحدة من فك شفرة هذا المُجتمع المُعقد و بذلك أحسن مُخاطبته عبر الإعلام الذى كان دائم التركيز عليه فقد رآه السلاح الذى يجب أن يخوض به معركته الحضارية مع الغرب و على الرغم وجود عدداً من المُخرجين العرب في هوليوود فإن اسم العقاد لمع دون غيره عربياً و غربياً و السر فى هذا العقل المُبدع يعود إلى مُحافظته على تُراثه و قوميته و دينه و هذا ما منحهُ عُمقاً خاصاً عن غيره حيث عبرت أعماله بالرغم من قلتها عن الإسلام و الحضارة الإسلامية و كفاحها من أجل البقاء أمام الهجمة الإستعمارية الشرسة و عبر مشواره السينمائى الطويل و الحق يُقال أن العقاد قد حرص على أن تكون له رؤيه سينمائية مُختلفة عن غيره لأنه لم يكُن ينظر للسينما من الناحية الجمالية فحسب بل كان لها مفهوماً ثورياً طليعياً بأبعادٍ و دلالاتٍ كبيرة و يعد فيلم ” عُمر المُختار” نموذجاً رائعاً لهذا البُعد و انطلاقاً من هذا المفهوم الخاص و المُتميز و الواعى فكان مُبصراً للواقع العربى قارئاً له و تبنى القيام بما يُساعد على النهوض به مُتكبداً الكثير من الصِعاب و قد ظل العقاد مُنتظراً لسنوات طويلة كى يقوم بإنتاج عمل سينمائى مُماثل لفيلمى ” الرسالة ” و ” عُمر المُختار ” و كان “صلاح الدين الأيوبى هو العمل الذي اختاره و نذر نفسه فى سبيل إعداده و رحل مُحتفظاً بسيناريو و رؤية إخراجية له دون أن يرى النور لعدم توافر الدعم المطلوب ! بعد أن رفضت كافة دول الخليج مُجتمعه و رفض القذافى حاكم ليبيا أيضاً أن يمولوا هذا الفيلم ! كما كان العقاد يطمح أيضاً فى أن ينتج فيلماً عن ” صبيحة الأندلسية ” و هى المرأة التى حكمت الأندلس و فيلما آخر يروى قصة ملك من ملوك إنجلترا كان قد أرسل فى عام 1213م وفداً إلى الخليفة فى الأندلس يطلب منه أن تكون إنجلترا تحت حماية الخليفة المُسلم .. كان العقاد يحمل رؤية مُستقبلية أوسع من فكرة إنتاج عمل أو مجموعة أعمال فمن ضمن أحلامه كان تشييد مدينة سينمائية أو مُجمع سينمائى للإنتاج بمُستوى عالى للإنتاج العالمى بروح عربية إسلامية بمُستويات الرسالة التى تحملها أمته و كان تصورِه عن هذه المدينة أنها مدينة لا تبنى بل استوديوهاتٍ قابلة للتنقُل لأنه كان عازماً على نقل التجربة الأمريكية فى هذا المجال و لكن و للأسف الشديد تبخرت تلك الأحلام و ذهبت أدراج الرياح فى 11 نوفمبر من عام 2005م حيثُ قتل العقاد و ابنته ” ريم ” فى تفجير إرهابى وقع فى فندق ” جراند حياة ” و ذلك بعد أن أصيب إصابة خطيرة فى بادئ التفجير بينما توفيت ابنته فى الحال و تداولت وسائل الإعلام الأزمة القلبية التى تعرض لها بعد اكتشافه مقتل ابنته على بعد أمتار منه و كيف نقل إلى المُسشفى ليُصارع الموت ليومين مُتتالين إلى أن رحل عن عُمرٍ ناهز الـ 75 عاماً لتفقد السينما العربية و العالمية مُخرجاً عظيماً من النادر أن يجود الزمان بمثله .. كان العقاد قد تزوج مرتين الأولى من الأمريكية ” باتريسيا ” التى أنجبت له ابنته ” ريم ” ثُم تزوج بعد ذلك من السيدة ” سُهى العشى ” التى أنجبت له نجليه ” طارق ” و ” مالك ” و الأخير يُعد من أشهر المُنتجين الشباب فى السينما الأمريكية و على الرغم من ذلك لم يجد غضاضة فى تدعيم الفنانة المصرية ” يُسرا ” و التمثيل معها فى كليب ( 3 دقات ) التى تحمست له كثيراً بتجسيده لشخصية حبيبها لتقارُب السن بينهما و ذلك علاوة على وسامته و جاذبيته التى جعلت يُسرا ترشحه لهذا الكليب و ربما يتجه مالك للتمثيل بشكل أوسع لنراه مُمثلاً فى أحد الأفلام المصرية فى القريب العاجل حتى يظل دائماً يُذكرنا بوالده العملاق و بأعماله الخالدة و التى ستظل محفورة فى أذهان الجمهور أبد الدهر و حتى يوم يُبعثون .. رحم الله مُصطفى العقاد و تجاوز عن سيئاته و أسكنه فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى