ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتب عن : ذكرى رحيل محمود شكوكو

يوافق اليوم الذكرى السنوية الـ 34 لرحيل ” شارلى شابلن العرب ” المنولوجست الكبير و المُمثل المُتميز ” محمود ابراهيم إسماعيل موسى ” الشهير بمحمود شكوكو و هو الفنان الذى لم يكُن يُمثل الفن له سوى جُزءٍ صغيرٍ جداً من قصة كبيرة لرجلٍ عاش أكثر من حياة و قدم ما هو أكثر من الفن على مدار رحلته التى امتزجت فيها العبقرية بالموهبة مع جدعنة شباب حى الدرب الأحمر و خفة ظل أولاد البلد لتخرج فى النهاية حدوتة مصرية تحمل اسم محمود شكوكو ابن حارتة الشعبية التى كان بطلها « لبلب » و التى تُعد الإمتداد الطبيعى لكل من « على الزيبق و سيف بن ذى يزن » القابع فى المُخيلة الشعبية للمصريين و الحقُ يُقال أن للفن أعمدة لا يُمكن أن يستمر بنيانه دونها فتأتى وجوه و ترحل وجوه أخرى و لكن تظل هذه الأعمدة مشدودة و صامدة تحمى وجوده و استمراره و كان الفنان محمود شكوكو واحداً من هذه الأعمدة لأنه يُعد حالة استثنائية و طفرة من الصعب أن تتكرر بمرور السنين بعد أن جاء كهبة من النسيم على حجرة مغلقة النوافذ منذ زمن و كسر القيود و لم يسقط فى الوعظ و الإرشاد كما سقط الكثيرون و لم يبال كثيراً بالنقد الإجتماعى و أراد الفكاهة من أجل الفكاهة وحدها و عرِف كيف يجعل مونولوجه يتطور سريعًا إلى ارتجالِ منوعِ جذاب يختلط فيه نظم الشعر بالتنكيت بالقفشات بالرقص البلدى و لم يرتبط بطبقة مُعينة كما فعل غيره بل قدم فنه للجميع و أضحك الشعب كله فكان المُهرج المُرتدى لجلباب و طاقية و بيده عصا و صاحب الدم الخفيف و الأراجوز و رائد فن المونولوج و مُبتكر مسرح العرائس إنه الرائع الذى خلّد اسمه فى ذاكرة التاريخ بحروف من مرح بعد أن بدأ حياته نجّاراً ثُم مُطرباً و أخيراً أشهر مونولوجست فى مصر و الوطن العربى .. ولد شكوكو فى 1 / 5 / 1912م فى حى الجمالية بمُحافظة القاهرة و قد بدأت حالة شكوكو الفريدة من نوعها بدءاً من لحظة ولادته و قرار تسميته حيث سُمى باسم محمود شكوكو ” المُركب ” بعدما أصر جده الذى كان مُغرماً بتربية الديوك الرومى حيث كانت مشهورة بإطلاق صوت ( ش ش كو كو ) فأصر على أن يسميه شوكوكو لكن والده أراد أن يسميه محمود و استقرا فى النهاية لأن يكون اسمه مركباً بـ ” محمود شكوكو ” و قد نال فى طفولته و صباه الكثير من الضرب من والده لأنه كان يعمل طول اليوم فى ورشة النجارة التى ورثها والده عن أبيه و فى الليل يُغنى فى الأفراح و الملاهى و كان فى المرحلة الأولى يُقلد الفنانين و يغنى لهم أيضاً و خاصة موسيقار الأجيال ” محمد عبد الوهاب ” و ملك الغناء الشعبى ” محمد عبد المطلب ” و لكنه عندما لم يجد إستجابة من الجمهور أدرك شكوكو بفطرته أنه لم يُخلق ليكون مُطرباً ! و لو إتجه الى فن المُنولوج سيكون ذلك أفضل له كثيراً حيث بدأت شهرته و شعبيته تزداد يوماً بعد يوم بعد أن اقتحم مجال التمثيل و المنولوج و اشتهر بالجلباب البلدى و الطاقية الطويلة التى يضعها على رأسه و هو يغنى و يُمثل و من شدة إعجاب أحد النحاتين به صنع له تمثالاً من طين الصلصال و عرضه للبيع و من هنا إنتشرت تماثيل شكوكو ( عروسة شكوكو ) و ظهر أكثر من صانع لها فى جميع مُحافظات مصر  و لإحتياج قوات المُناضلين ضد الإحتلال الإنجليزى فى الحرب العالميه الثانيه فكانوا يزايدون على من يمنحهم زجاجات فارغه حتى يتمكنون من ملأها بالغازات السامه و قذفها على العدو فكان الباعه ينادون ” شكوكو بقزازه ” اى من يمنح البائع زجاجه فارغه ياتى له بتمثال ! و قد إنتشرت تماثيل شكوكو لدرجة أن صُناع الحلوى أصبحوا يصنعون عروسة المولد و الحصان و الفارس كلها من الحلوى بدلا من الجبس لتباع فى الموالد و الأعياد و قد التقى شكوكو فى هذه الفترة ببربرى مصر الأول الفنان ” على الكسار ” الذى أعجب به و إختاره ليقدم المُنولوجات بين فصول المسرحية و عندما لاحظ الكسار تفاعل الجُمهور معه و إعجابهم به رفع أجره و من خلال فرقة على الكسار تعرف شكوكو على عددٍ كبيرٍ من المؤلفين و المُلحنين و إبتسم له الحظ كثيراً عندما فتحت له الاذاعة المصرية أبوابها بفضل كروان الاذاعة ” محمد فتحى ” و لحُسن حظ شكوكو أن الاذاعة كانت ستنقل حفلاً على الهواء من نادى الزمالك بمُناسبة عيد شم النسيم فاختاره الاذاعى محمد فتحى ليشارك فى الحفل لتسمعه الجماهير فى مصر من خلال الراديو و يسمعه الموجودون داخل حديقة النادى فتمنع شكوكو فى بادئ الأمر نظراً لميوله الأهلاويه الشديدة ثم وافق بعد أن أقنعه محمد فتحى بضرورة فصل الميول الرياضى عن العمل العام و ” أكل العيش ” ! و قد كانت المُشكلة الكُبرى التى تؤرق شكوكو هى عدم دخوله المدرسة مُنذ الصِغر و بالتالى جهله للقراءة و الكتابة و لكن هذا الفنان و الإنسان الذى يمثل نموذجا للإصرار والعزيمة فى طريقه نحو المجد قد أبى أن يظل أمياً فقرر أن يعلّم نفسه بنفسه فكان يشترى المجلات ثم يُحضر شخصاً يقرأها له و يحاول أن يحفظ شكل الكلمات حتى تعلم و أصبح يجيد القراءة و الكتابة ثُم أسس فرقة استعراضية تتكون منه و تحية كاريوكا و سعاد محمد و عبد العزيز محمود و نجحت الفرقة فى استقطاب الجماهير إلى مسرح الأزبكية الذى شهد الكثير من عروضهم ثُم بعد ذلك التصق إسم شكوكو بشخصية الأراجوز التى أكسبته شُهرة واسعة كما يُحسب له أنه أحيا فن الأراجوز الذى كان قد إندثر و كان يُقدمه و هو مُرتدياً الطاقية و الجلابية بعد أن استغل مهارته فى عالم النجارة فقام بتصنيع العرائس الخشبية و كانت بداية لتقديم عدد من مسرحيات العرائس عام 1960 منها « السندباد البلدى » و « الكونت دي مونت شكوكو » كما انطلق قطار فنه و ابداعه ليقتحم مجال المُنولوج حتى أطلق عليه البعض « شارلى شابلن العرب » بعد أن قدم العديد من المُنولوجات الناجحة و الهادفة التى كان أشهرها ” جرحونى و قفلوا الأجزخانات ” و ” إدينى بقرش لب ” و ” فرافيرو حبيبى جى ” كما شارك فى العديد من الأفلام مثل ” يحيا الفن ” و ” حُب و جنون ” و ” اللعب بالنار ” و ” البوستجى ” و ” عنبر ” و ” المرأة الشيطان ” و ” أخلاق للبيع ” و ” أنا بنت ناس ” و ” الصبر جميل ” و ” الدنيا حلوة ” و ” شباك حبيبى ” و الأسطى حسن و ” حُبٌ فى الظلام ” و ” شمشون و لبلب ” و ” إبن الحارة ” و ” أميرة حُبى أنا ” و كان آخر أفلامه عام 1976م بعنوان ” شلة الأنس ” و قد كرّمه الرئيس الراحل أنور السادات فى عيد العلم و الفن لتاريخه الحافل فى جميع ألوان الفنون و ذهب شكوكو إلى الحفل مُرتدياً الجلباب البلدى .. تزوج شكوكو 4 مرات و أنجب من الأولى نجله ” حمادة ” ثم عاش قصة حُب عنيفة و تزوج للمرة الثانية بعد أن انفصل عن زوجته الأولى لكن بعد الزواج أُصيبت الزوجة بمرض خطير و عالجها بمصر و خارجها إلا أن المرض كان مُستعصياً و قبل وفاتها أوصته بأن لا يتزوج مرة أخرى بعدها و بالفعل كان شديد الوفاء لها إلا أن أفرادا من عائلته و عائلتها أقنعوه بأن يتزوج من شقيقتها و هو ما فعله و كان نادماً لعدم وفائه بوعده  و بعد أن انفصلا عاد و تزوج للمرة الرابعة من زوجته الرابعة و أنجب منها ” سلطان ” و ” مُنيرة ” .. قبل وفاة شكوكو بثلاثة أشهر تم نقله الى مُستشفى المقاولون العرب بعد أن اشتد المرض عليه و ظل بها فى الغرفة رقم 602 فقد خلالها ما تبقى له مما امتلكه بعد أن ترك عمله لفترة علاوة على ما أنفقه على علاج زوجته الثانية فلم يتبقى له سوى القليل الذى تم صرفه أيضاً على علاجه هو بعد أن اشتد المرض عليه و استكمل علاجه على نفقة الدولة و بالرغم من ذلك كان يتصل بالصُحف و يُناشد أصدقائه الفنانين و جُمهوره العريض كى يقوموا بزيارته فى المُستشفى ليخففوا عنه آلامه و بالفعل توافد عليه المئات حتى رحل عن عالمنا فى 21 / 2 / 1985م عن عُمرٍ يُناهز على الـ 73 عاماً بعد أن أثرى حياتنا الفنية بفنه الخالد إلى يوم يُبعثون .. رحم الله محمود شكوكو و تجاوز عن سيئاته و أسكنه فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى