محمود سهيل يكتب ….اعلام النهضة العربية في مصر
1 ــ المقدّمة
النهضة او اليقظة العربية حالة فكرية و اجتماعية سادت مصر و سوريا خلال القرن التاسع عشر الميلادي و هي النهضة الثقافية التي بدأت في اواخر القرن التاسع عشر الميلادي و اوائل القرن العشرين في مصر و انتقلت الى لبنان و سوريا ، من المهتمين بشأن النهضة من يرى انها بدأت عام 1798 بدخول (نابليون بونابرت) الى مصر و انتهت عام 1914 بإندلاع الحرب العالمية الأولى ، تبلور مفهوم النهضة بسبب طروحات محمد علي باشا(1769 ــ 1849) التي اكّد فيها بالأعتماد على النموذج الغربي ، حركات التنوير و الأصلاح الفكري تنضوي تحت لواء النهضة العربية ، روّادها بعض رجال الدين المسلمين المتنورين و مساهمة طليعة من رجال الفكر من المسيحيين مثل ( بطرس البستاني)و (ابراهيم اليازجي) و(خليل السكاكيني) ، عواملها الداخلية هي حركات الأصلاح الأسلامي و الجمعيات و الأحزاب السياسية و سياسة التتريك امّا عواملها الخارجية فهي انفتاح العرب على الفكر الأوربي و الحملة الفرنسية على مصر و الشام و اصلاحات (محمد علي باشا) و البعثات التبشيرية ، من سماتها انتشار المدارس و الجامعات و تأسيس الصحف و المجلات ، على الصعيد الديني تزامنت معها قيام حركات اصلاحية اسلامية نادت بضرورة العودة الى القرءان و السنّة و تنقية الدين الأسلامي من الشوائب و فتح باب الجهاد ضد الأستعمار ،من نتائجها على الصعيد المادّي افتتاح مشاريع كبرى في الوطن العربي كقناة السويس و قطار الشرق السريع
2 ــ محمد علي باشا(1769 ــ 1849) نموذج لأعلام النهضة في مصر
استيقظ العرب بفعل صدمة احتلال (نابليون بونابرت) لمصر و وصول الحملة الفرنسية 1789 بسبب تسلّحه بكل الأمكانيات الفكرية و الثقافية و التقنية ، كانت تلك الصدمة هي صدمة الحداثة للعقل العربي الذي كان راكد لقرون ثمّ جاء دور ( محمد علي باشا) مؤسس مصر الحديثة و الذي حكم مصر من 1805 ـــ 1848، نهض بمصر عسكريا و تعليميا و صناعيا و زراعيا و تجاريا ، اطلق حركة التنوير برفدها بالعلوم الأوربية ، فكّر ان يقيم امبراطورية مصرية مقرّها القاهرة ذات نفوذ عسكري و علمي مستخدما الوسائط الثقافية من بعثات و ترجمة و استلاب طاقة الأزهر الأيجابية في تعضيد مشروعه ،كان له طموح نهضوي و الأحتكاك باوربا سيجعل مصر بلد متطور يسير في طريق التقدّم ، ساعد على تشكيل العقل العربي الحديث عن طريق البعثات الى اوربا مثل لحظة ( رفاعة الطهطاوي) و انبهاره بعلوم اوربا هذه اللحظة التي اعادت الوعي بالآخر و باهمية الحوار معه بعد ان غادرنا منذ ايام (ابن رشد) حينما انفتح على الفلسفة اليونانية ، اسس مدرسة ابي زعبل الطبية 1827 من قبل احد الأطباّء الفرنسيين و هو انطوان كلوت ( 1793 ــ 1868) الذي اشتهر بأسم (كلوت بك) ، كان امام البعثة التي ارسلها ( محمد علي باشا) الى فرنسا هو الشيخ حسن العطّار (1766ــ 1834) ، سقطت دولته في 18/6/1953 بإلغاء الملكية و اعلان جمهورية مصر .
3ــ الخديوي اسماعيل ( 1830 ـــ 1895)
هو الخديوي اسماعيل بن ابراهيم بن محمد علي باشا ، المؤسس الثاني لمصر الحديثة ، فترة حكمه من (1863ــ 1879) ، طوّر الملامح العمرانية و الأقتصادية و الأدارية في مصر ، تجربة التنوير الأولى تحسب له اذ كان احد مظاهرها انشاء اول مدرسة لتعليم الفتيات في مصر و هي المدرسة السنيّة التي قدّمت الأدب و اللغة و التاريخ و الأقتصاد المنزلي و فنون الأتكيت لفتياتها ، كان هواه للحضارة الأوربية ، من انجازاته اسس مجلس شورى النوّاب 1866 ، انشأ مجالس محليّة منتخبة لأدارة الدولة ، حفر قناة السويس ، انشأ قصر عابدين ، انشأ دار الأوبرا الخديوية ، استخدام البريد و البرق و السكك الحديدية ، حفر ترعة الأبراهيمية و الأسماعيلية ، انشأ دار العلوم ، انشأ دار الكتب ، ظهور صحيفة الأهرام .
4 ــ الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي (1801ــ 1873)
الشيخ (رفاعة الطهطاوي) كان امام اوّل بعثة مصرية يرسلها (محمد علي باشا) للدراسة الى باريس ، تعلّم الفرنسية ، درس الفكر الفرنسي و اطّلع على الحياة المدنية و السياسية ، عاش في باريس للفترة من 1826ـــ 1831 موفدا من قبل (محمد علي باشا) بعدها نشر كتابه ( تخليص الأبريز في تلخيص باريز) فيه مباديء و قيم التمدّن الغربي ، كان عدد الموفدين 40 شاب بقيادة الشيخ (حسن العطّار) ، (الطهطاوي ) كان رائد الحركة الفكرية في مصر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ،دعى العلماء الى تفسير الشريعة على ضوء الحاجات الحديثة و انّ عليهم ان يتعرّفوا على العالم الحديث و يدرسوا العلوم التي ولّدها العقل البشري ، اوّل من اشار الى المسرح و يرى انّه اداة لأرسال مفاهيم مفيدة و محددة للمشاهدين ، اسس مدرسة الألسن .
5 ــ السيد جمال الدين الأفغاني (1838ـــ 1897)
هو السيّد محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأفغاني الأسد آبادي ، درس العلوم الدينية و التاريخ والمنطق والفلسفة والرياضيات في كابل ، درس العلوم الحديثة على الطريقة الأوربية و تعلّم اللغة الأنكليزية في الهند 1856 ، وصل الى مصر 1871 في زمن (الخديوي اسماعيل) و كانت مدرسته بيته ، اسلوبه في التدريس مخاطبة العقل ، بثّ روح الحكمة و الفلسفة في نفوس طلّابه و توجيه اذهانهم الى الأدب و الأنشاء و الخطابة و كتابة المقالات الأدبية ، ظهرت على يديه نهضة في مصر ضد التدخل الأجنبي 1876 ، تلاميذه (محمد عبدة)و (محمود سامي البارودي) و(عبد الله النديم) و(ابراهيم المويلحي) ، نفاه (الخديوي توفيق) من مصر 1879 الى الهند بالباخرة بومباي بسبب روح الثورة و الدعوة الى الحرية و الدستور بعد ان عاش في مصر ثمان سنوات ، الزمته بريطانيا بالبقاء في حيدرآباد حتى نهاية الثورة العرابية ، بعد فشل الثورة العرابية ذهب الى باريس فأصدر جريدة العروة الوثقى 1884 و قد صدر منها 18 عدد و التي منعت في مصر لكنّها كانت تصل الى مدينة النجف الأشرف بالعراق ، قضى ثلاث سنوات في باريس بعدها اقام في ايران مع الشاه القاجاري 1889 ، لم يكن متوافق مع سياسة الأنكليز فأرسل كتاب الى احد رجال الدين الشيعة في سامراء بالعراق