ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتب عن: ذكرى ميلاد هانى الرومانى

يوافق اليوم الذكرى السنوية الـ 80 لميلاد ” جوهرة الفن السورى ” المُمثل و المُخرج العملاق هانى الرومانى و الذى يُعد من الرعيل الأول الذى عمل مع التليفزيون و السينما فى سوريا و بما لايدعو مجالاً للشك أن هُناك ثمة وجوه و أحداث و أسماء لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة مُطلقاً و خاصة لكُل مُهتم و مُتابع جيد لتاريخ الفن السورى و كان على رأس هؤلاء الفنان العملاق هانى الرومانى الذى قدم للفن العربى و السورى العديد من الأعمال الدرامية الناجحة سواء فى المسرح أو التليفزيون أو السينما و على الصعيدين التمثيلى و الإخراجى معاً و هو يُعد أيقونة فنية شديدة التميز نظراً لإتقانه كافة الأدوار التى أسندت له بامتيازٍ و اقتدارٍ مُنقطع النظير علاوة أنه لم يكُن له خلافاً فنياً مع زميل أو زميلة له طيلة مُشواره الفنى بأكمله و لم يتعرض لأى انتقادات على المُستوى الشخصى مثل الكثيرين من فنانى جيله و هو ما يكمُن فى نظرته إلى نفسه طوال الوقت بطريقة بها ثقة بالنفس و شموخ ممزوج بدرجة عالية من الشفافية و الصراحة و الوضوح فكان الرومانى فناناً كاملاً فى بهائه و مُتوجاً بتاج ثقيل تُرصِّعُه آلافُ اللآلئ و فى قلبِ كلِّ لؤلؤة مشهدٌ و فكرةٌ و بيتُ شعرٍ و قلبُ شاعرٍ و روحُ أديبٍ و ليالٍ طوالٌ من السَّهر و السفر و القراءة و التدريب الصوتى و الحركى و الروحى حتى وصل على عربة ملكية تجرُّها خيولٌ عربيةٌ قُدَّت من ماء الشِّعر و الملاحم و الأساطير فتعلّقتِ الأبصارُ بعينيه اللتين تحملان إرثًا هائلاً من فرائد رفيع الآداب العالمية الصعبة التى لا يقوى على مُطارحتها إلا ذوو البأس و ذوو الموهبة من الحقيقيين الذين لا تُدثِّرُهم قشورُ الزَّيف و غُلالاتُ الادّعاء و الحق يُقال أن كثيراً من الفنانين كان لهم العديد من الأسرار التى لا يعرفها الجُمهور و كثيراً منهُم كانت حياتهُ مليئة بتفاصيل مُثيرة كالموت فى الحوادث أو عدم استطاعتهم الإنفاق على أنفسهم بسبب عدم الادخار طوال سنوات عملهم فى الوسط الفنى و كثيراً منهم أيضاً فقد فلذة الكبد مما أثر بالسوء على حالته النفسية و من هؤلاء الفنانين كان هانى الرومانى الذى اشتهر بتقديم العديد من الأدوار المُتميزة خلال مسيرته الفنية المُضيئة .. ولد الرومانى فى 27 / 8 / 1939م بالعاصمة السورية دمشق من أسرة ميسورة الحال فكان والده تاجراً و سياسياً فى عهدى الإنتداب و الإستقلال و أيضاً عضواً فى الكُتلة الوطنية السوية أما والدتة فكانت سيدة مُثقفة من عائلة لبنانية شهيرة و كانت تحرص على تعليم أولادها اللُغات الأجنبية و لهذا يعتقد الكثيرون بأن الرومانى قد تخرّج من قسم اللغة الإنجليزية فى حين أنه فقط كان مُتقناً للغة مُنذ نعومة آظافره إلى أن إلتحق بكُلية الطب و ظل بها حتى السنة الثالثة ثُم تركها ثُم إلتحق بكُلية الآداب قسم لُغة إنجليزية ! لتبدأ معها إنطلاقته الفنية على خشبة المسرح الجامعى و تتفجر معها أيضاً قُدراته و طاقاته الكبيرة فى التمثيل و الذى بدأ الرومانى رحلته معه مع بدايات تأسيس التليفزيون السورى و إشتهر عندما كانت الشاشة لا تزال بالأبيض و الأسود و التى تزامن إقبال المسرحيون الشباب على الشاشة الصغيرة فتم تكوين فرقة تليفزيونية لهذا الغرض أطلق عليها فرقة ” الفنون الدرامية ” و لأن الرومانى كان يمتلك رؤيا مُستقبلية فاستهواه التليفزيون و هو لا يزال حديث العهد عند المُشاهدين فأصبح فى عِدادِ العاملين فيه ابتداءاً من عام 1963م و شارك فى عدد كبيرٍ من الأعمال الدرامية ثم اتجه بعد ذلك  إلى الإخراج التليفزيونى و كان أول عمل له عام 1966م بعنوان ” فجر الإستقلال ” و العنوان ينبئ عن مضمونه ثُم عاد مرة أخرى للتليفزيون بعد أن لقيت اللعبة التليفزيونية هوى كبيرٍ فى نفسه فعمل مُخرجاً و مُمثلاً و حقق أعمالاً شهيرة سجلت حروفها بسطورٍ بارزة فى تاريخ الفنى السورى و ظل الرومانى وفياً للتليفزيون حتى نهاية مسيرته الفنية و الحياتية فكانت له محطة أخرى فى مسيرته على الشاشة الصغيره مع المُسلسل الشهير ” أسعد الوراق ” الذى عُرض فى عام 1975م والمأخوذ عن رواية لصدقى إسماعيل بعنوان ” الله والفقر ” وقد شاء القدر أن يختتم الرومانى حياتة بأداء دور هامشى إعتبر نوعاً من التكريم له فى نسخة حديثة من الجزء الثانى من مُسلسل ” أسعد الوراق ” من إخراج ” رشا شربتجى ” علاوة على أعماله التليفزيونية الأخرى مثل ” العبابيد بدور ” و ” هجرة القلوب إلى القلوب ” و ” حمام القيشانى ” و ” القصاص ” و ” الهشيم ” و ” تل اللوز ” و ” الخوالى ” و ” عائلة ست نجوم ” و ” نهاية رجل شُجاع ” و ” أولاد القيمرية ” و ” بيت جدى ” و كذلك العديد من المُسلسلات الدينية و التاريخية كان أشهرها دوره فى مُسلسل ” موسى بن نُصير ” و هو مسلسل تاريخى إسلامى يتطرق لحياة موسى بن نصير و الذى قام فيه الرومانى بشخصية والد ” لُزريق ” الأعمى بطولة الفنان العملاق ” عبد الله غيث ” و ” سعد أردش ” و ” مُحيى إسماعيل ” و ” ليلى حمادة ” و نُخبة كبيرة من النجوم كما أراد الرومانى ألا يبخل بفنه الرائع على الشاشة الكبيرة فقدم رصيداً لابأس به من الأفلام السينمائية كان أبرزها ” المُغامرة ” و ” وجه آخر للحُب ” و ” اللص الظريف ” و ” حُب و كاراتيه ” و ” المطلوب رجلٌ واحد ” و ” إمبراطورية غوار ” و ” عُشاق ” و ” الحُدود ” مع الفنان الكبير دُريد لحام و هو الفيلم الذى عرفه به الجُمهور المصرى أما كمخرج تلفزيونى فكان عمل الرومانى الأبرز مُسلسل  ” حمام القيشانى ” بأجزائه الخمسة و الذى أنتجه التليفزيون السورى و الذى يروى تاريخ سورية السياسى منذ الإستقلال .. كان الرومانى فناناً ودوداً و معطاءاً بمعنى و حق الكلمة بشهادة جميع زُملائه فى الوسط الفنى فكان لا يترُك زميلاً مريضاً إلا و يعوده عدة مراتٍ حتى يتعافى من مرضة حق التعافى و كذلك يُجامل فى المُناسبات السعيدة بأكملها و لا يُفرق فيها بين فنانٍ كبير أو ناشئ ! كما يفعل بعض الفنانين كما كانت لديه قدرة عجيبة على حفظ السيناريو بمُجرد تصفح الورق و كان يحفظ حواره و حوار الفنان الذى يُقابله فى المشهد أيضاً ! و يُصحح للآخرين أخطاؤهم اللغوية بقدر الإمكان و يُذكر ذات مرة أن جمعته الفنانة العملاقة ” منى واصف ” فى إحدى الأعمال و أخطأت خطأ نحوياً فى جُملة كانت ترُد بها عليه فى الحوار فما كان للرومانى أن يرفع يده و يقول ” أستوب .. مو معقول يا مُنى تنصبى المُبتدأ و ترفعى الخبر ! لكان شو بيقولوا علينا الناس بعد ها العمر الطويل فى التمثيل ؟! ” و انفجرت منى بالضحك و قالت له ” اعزرنى يا هانى .. اندماجى فى المشهد سهى عليا اهتمامى بالأواعد ” .. لم يقتصر الرومانى حياته فى الفن فقط بل كان له دوراً سياسياً و مُجتمعياً بعد أن تم تعييه فى مجلس الشعب السورى فترتين مُتواليتين و آثار خلالهما قضايا كثيرة مُتعلقة بمشاكل الفن و الفنانين ببلاده و ظل على هذا المنوال حتى تعرض لمحنة شديدة إثر وفاة ابنته ” نادين ” جراء مرض مُزمن و هى لم تتجاوز الثانية عشر من عُمرها و قد كان مُتزوجاً قبل زوجته الأولى ” أم نادين ” من سيدة إنجليزية و له منها إبنه الوحيد ” على ” و هو ما أثر عليه نفسياً حد التأثير حتى وفاته بعد مسيرة حافلة من العطاء الفنى فى 8 / 2 / 2010 م بإحدى مُستشفيات دمشق بعد نقله من منزله إثر توقف القلب و التنفس نتيجة مرض رئوى مُزمن كان قد أصيب به مُنذ الصِغر لتخسر الدراما السورية و العربية رائداً عملاقاً من أبناءها و مُغامراً جسوراً ترك الطب لكى يَحرق وريقات عُمره فى مجمر الفن الذى لا يَحرق إلا ليضيئ بعد أن رحلَ الفنان الذى أجاد أداء أدوار الشر فكان فى الدراما السورية لا يقل فى عملقته مُطلقاً عن زكى رُستم و محمود المليجى و عادل أدهم فى الدراما المصرية رغم أنه كان كالطفل من الداخل و شديد الخجل بدرجة قُصوى و هو ما أكده زٌملاؤه و أصدقاؤه و كُل المُقربين له و قد حكى الرومانى فى إحدى الحوارات الصحفية أنه تعرض ذات مرة لموقفٍ حرجٍ فى إحدى شوارع العاصمة السورية دمشق حين فوجئ بإمرأه تسُبه فى الشارع بأفظع الألفاظ و تجمهر الناس ظناً منهم أن أحداً قد عاكسها و فوجئوا بعد ذلك بأن الرجل المسبوب هو فنانهم المُفضل و توجهوا للمرأة و سألوها عن سبب سبها له فقالت ” هيدا الزلمى كل مابشوفه ع التليفزيون بيركبنى الجنى و بحس إنه شيطان رجيم ” و هُنا ضحك الرومانى و ضحك كُل من حوله ثم نظر لها و قال ضاحكاً ” خلاص يا خانوم .. كنتى اتعوذتى بالله من هيدا الشيطان و ما كان فى داعى للشتومه ” .. رحم الله هانى الرومانى و تجاوز عن سيئاته و أسكنه فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى