ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتب عن: ذكرى ميلاد محمد توفيق

يوافق اليوم الذكرى السنوية الـ 111 لميلاد ( شيخ المُمثلين ) الفنان المسرحى الكبير و القدير ” محمد حسن توفيق المنصورى العجيزى ” و شهرته محمد توفيق و هو الفنان المُخضرم الذى امتاز بأنه لم يكن يعبأ مُطلقاً بمساحة الأدوار التى كان يُقدمها بقدر إهتمامه بطبيعة الدور و مدى إضافته للجُمهور فى المقام الأول ثم لمسيرته الفنية فى المَقام الثانى و لذلك لم يكن غريباً ألا يحصل على البطولة المُطْلقة ! طيلة مشواره الفنى بأكمله و مع ذلك كُنا نراه و هو فى قمة نضجه الفنى يقف أمام الأبطال الشباب فى مشهد أو مشهدين ليُعطيهم من خبرته و تاريخه الطويل الذى إمتد لستين عاماً قدم خلالها ما يقرب من 150 عملاً فنياً ما بين السينما و المسرح و التليفزيون و الإذاعة حتى رحيله فى 3 / 3 / 2002م و على الرغم من جهل الكثيرين و للأسف الشديد ممن ينتمون للجيل الحالى بهذا الهرم الشامخ لكن الدارسين لعلم التمثيل و الأداء الحركى يعلمون قيمته عن ظهر قلب و ينهلون من كُتبه الأكاديمية المُتخصصة أما أجدادنا الذين كانوا مُولعين بالمُسلسلات الإذاعية فيدينون له بالعرفان على مجموعة من أرقى و أروع الأعمال الدرامية الإذاعية التى تحولت مُعظمها إلى تليفزيونية مع ظهور الدراما المرئية و مع ذلك لم تكن نهايته على نحو يقدر تلك المسيرة الزاخرة بالعطاء .. ولد توفيق بمدينة طنطا بمُحافظة الغربية فى 24 أكتوبر عام 1908م و إنتقل مع أسرته ( أسرة العجيزى و هى أسرة عريقة عُرفت بالحركة الوطنية و مُقاومة الإحتلال الإنجليزى ) للعيش فى منطقة حُلوان بمُحافظة القاهرة و قد ترك توفيق دراسته بالمدرسة التُجارية العُليا و التحق بمعهد التمثيل و فور تخرُجه عَمِلَ مُعيداً به و كان يُدَرِسْ لطُلاب معهد التمثيل ” نظريات التمثيل ” و التى تهدف لتوجيه المُمثل لإستخدام مُخيلته و حواسه الخمس و إثارة ذاكرته الإنفعالية و كعادة أبناء هذا الجيل من العمالقة كان توفيق مُتقناً للغة العربية إتقاناً شديداً و هو ما جعله يتولى تدريسها لعددٍ من المواهب الشابة آنذاك و من بينهم الفنانة الفاتنة ” كاميليا ” حيث عَهِِدَ مُكتشفها المُخرج ” أحمد سالم ” إليه ليُعلمها اللغة العربية و يضبط لديها مَخارج الحُروف عن طريق دروس الإلقاء و الآداء و الحركة و قد بدأت علاقة توفيق بالميكروفون حينما عمل بالإذاعة الأهلية إلى أن تقدم بطلب الانضمام للإذاعة المصرية الحُكومية فور افتتاحها عام 1934م وقتما كان عضواً بالفرقة القومية للتمثيل و اتفق معهم مدير الإذاعة آنذاك ” قابل عزيز ” على تقديم سهرة درامية إذاعية مقابل 150 قرشاً للفرقة ككل وفق ما ذكره توفيق فى حوارٍ إذاعى نادر له مع الإعلامية ” عواطف البدرى ” عمل توفيق بعد ذلك بفرقة جُورج أبيض و عزيز عيد و فرقة خليل مطران ثُم سافر فى عام 1935م لبعثة فى إنجلترا لدراسة فن التمثيل و هُناك تتلمذ على يد المُمثل العالمى ” لورانس أوليفييه ” و لظروف الحرب العالمية الثانية سافر توفيق لدراسة التمثيل فى إنجلترا و ھناك تتلمذ على ید الممثل العالمى ” لورانس أولیفیی ” و ” مایكل ردجریف ” و المُخرج المسرحى ” تیرون ” ثم عمل مُخرجاً  بالقسم العربى بالإذاعة البریطانیة BBC و شارك فى عددٍ من التمثيليات الإذاعية العالمية حتى أصبح كبير المُخرجين فى القسم العربى عام 1947م  و عندما عاد إلى مصر عَمِلَ مُخرجاً بالإذاعة المصرية بعد حُصوله على جواب تعيين من مدير الإذاعة شخصياً و الذى أُعجب به أثناء زيارته للمملكة المُتحدة فقدم توفيق بعدها عدداً كبيراً من الأعمال الفنية الإذاعية أهمها ” سعد اليتيم ” و ” روايح ” و ” نعسة ” و ” حسن و نعيمة ” ثُم عمل مُساعد مُخرج لعدة أفلام سينمائية مثل ” الورشة ” عام 1940م مع الفنان القدير ” إستيفان روستى ” و فى عام 1941م رشحه المُخرج ” نيازى مصطفى ” لأول أدواره السينمائية ” مصنع الزوجات ” مع محمود ذو الفقار و كوكا و بعد نجاحه فى هذا الفيلم أجمع مُعظم المُخرجين على موهبته الفنية التى بلغت ذروتها فى ” لك يوم يا ظالم ” عام 1951م مع فاتن حمامة و مُحسن سرحان و ” الأخ الكبير ” عام 1958م مع فريد شوقى و هند رُستم و كان من أوائل الفنانين الذين يقدمون شخصية ( المُدمن ) بإتقان شديد و قد ذكر توفيق فى حوارٍ صحفىٍ له أنه ذهب إلى أحد أقسم الشُرطة لاستئذان المأمور بتعاطى مُخدر ” الأفيون ” من أجل الإحساس بإتقان الدور ! فنهره مأمور القسم و حذره من القبض عليه إذا ما فعل ذلك ما اضطره للذهاب إلى مصحة علاج الإدمان لمُعايشة الدور على أرض الواقع كما قدم توفيق دور ( الأبله ابن صبيحة ) فى ” فيلم حسن و نعيمة ” مع سُعاد حُسنى و مُحرم فؤاد عام 1959م و قدم شخصية ( الشاب المُتعثر اللسان ) فى ” لوكاندة المُفاجآت ” مع إسماعيل يس و سُهير البابلى فى نفس العام و شخصية ( الوالد المغلوب على أمره ) أمام عتريس فى ” شيئ من الخوف ” مع محمود مُرسى و شادية عام 1969م و ” إبن البلد ” و ” حُب ” من السماء ” و ” شُهداء الغرام ” و ” السوق السودة ” و ” شارع الهلوان ” و ” بابا أمين ” و ” لك يوم يا ظالم ” و ” معلش يازهر ” و كان آخر أفلامه ” أرض الأحلام ” و لم تكُن إسهامات شيخ الفنانين كذلك فى المسرح بالقليلة فنجد ” سعد اليتيم ” و ” رجل للإيجار ” و ” سيرك يا دنيا ” و ” قنديل أم هاشم ” أما التليفزيون فشارك فيه توفيق بحوالى 40 عملاً أشهرها مُسلسلات ” عادات و تقاليد ” و ” يوميات ونيس ” و ” رحلة السيد أبو العلا البشرى ” و ” مازال النيل يجرى ” و ” بوجى و طمطم ” و ” هند و الدكتور نُعمان ” و ” سُنبل بعد المليون ” و ” غوايش ” و غيرهم كما قام توفيق أيضاً بإخراج النص العربى لمشروع الصوت و الضوء فى منطقة أبو الهول و أهرامات الجيزة عام 1964م و شارك فى تقديم العديد من المسرحيات أهمها ” مُرتفعات وذرنغ فاوست ” و ” 6 شخصيات تبحث عن مؤلف ” و ” المُفتش العام ” و بالرغم من حُصول توفيق على شهادة تقدير من ألمانيا عن دور ” إبن صبيحة ” إلا أنه عاش حزيناً من فقده التكريم الكافى و المُستحق الذى يستحقه فى وطنه و ذلك على الرُغم من حُصوله على العديد من الجوائز و الأوسمة و شهادات التقدير تكريماً لعطائه الفنى فقد مَنحهُ كُلاً من الرئيس جمال عبد الناصر عام 1967م و الرئيس أنور السادات فى أكتوبر 1979م وسام العلوم و الفنون من الطبقة الأولى و لكن ذلك لم يُشبع آمال و طموحات توفيق فقال مُعبراً عن ذلك فى إحدى الحوارات الصحفية معه ” لو قدمت دوراً مثل دورى فى فيلم ” لك يوم يا ظالم ” فى أمريكا لحصُلت من خلاله على جائزة الأوسكار ” و لكن الفن فى حد ذاته كان هدفاً لذلك الجيل الذى إتسم بالدقة و التحفظ فى مُعظم الأدوار الفنية خاصة المسرحية منها و لا يزال الوسط الفنى يتذكر لحظة إنسحاب توفيق من إحدى مسرحيات الفنان محمد نجم بعد خروج مُمثلة مشهورة عن النص بطريقة مُبتذلة لا تتوافق على الإطلاق مع روح المسرح مما إضطره للإنسحاب المُفاجئ أمام الجمهور رغم توسلات أعضاء الفرقة و لكنه رفض رفضاً قاطعاً و قال لنجم ” أنا جاى أشتغل فى مسرح مش فى كباريه عشان تقعد بسلامتها تقول إيحاءات جنسية و الجمهور يقعد يضحك على السفالة و المسخرة دى .. إنت للأسف ماحترمتش تاريخى يانجم و أنا كمان مش حاحترم مسرحك ” و عاش توفيق بعدها فى إنعزال شبه تام و لم يكن يقبل سوى أدوار قليلة تُعرض عليه حتى تردى به الحال مادياً قبل وفاته فكان مُستعداً لقبول دور مريض ! لإعانة نفسه و ظل على هذا المنوال إلى أن توفى بسبب أمراض الشيخوخة فى 28 مارس من عام 2003م عن عُمرٍ يُناهز الـ 94 عاماً جسداً فقط و ليس روحاً و فناً بعدما ترك إرثاً فنياً ضخماً و سجل اسمه بحروفٍ من نور فى ذاكرة الفن المصرى بعدما لم يكن يخلو فيلم من دور له إلا و جسده ببراعة شديدة و حرفية فنية غير مسبوقة .. رحم اللهُ الفنان الكبير محمد توفيق و تجاوز عن سيئاته و أسكنهُ فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى