ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتب عن: ذكرى رحيل شرفنطح

يوافق اليوم الذكرى السنوية الـ 53 لرحيل ” بخيل السينما المصرية ” و ” الضئيل الماكر ” و ” سلامة حجازى الصغير ” و ” الفرقع لوز ” الفنان المُتميز خفيف الظل محمد كمال المصرى الشهير بـ” شرفنطح ” و هو الفنان الذى يُعدُ من أكثر الوجوه المالوفة فى أفلام الأبيض و الأسود فوجهه مألوف و معروف جدا لدى المشاهدين حتى الجيل الجديد و ليس القديم فقط و معروف لمن لا يعرف إسمه أيضاً و إرتبطت ادواره بعدة شخصيات لعلها أبرزها الكوميدية و الشريرة و كذلك الشخصية العصبية التى تعشق انتقاد الغير فهو ” ناظر المدرسة ” فى سلامة فى خير و هو ” الأسطى عُكاشة ” صاحب صالون دقن الباشا فى الآنسة ماما و هو ” شملول ” زوج ضريبة هانم فى عفريتة إسماعيل يس لكنه ظل مشهورا بلقبه المُتميز شرفنطح و هو أسطورة الكوميديا الراقية المَنسية ! فبرغم قلة أعماله و ظهوره فى أدوارا ثانوية إلا أنه إستطاع ترك بصمة فى ذهن المُشاهد مُتميزاً بِملامحه الضئيلة و أنفه الكبير و عيونه المُتسعة و شواربه المُهذبه و يُعرّف معجم لغة الحياة اليومية كلمة « شرفنطح » بأنها « نطاط الأرض » أو « الفُرقع لوز » الذى لا يستقر فى مكان » فيُقال مثلاً « كنت فين ؟ و تكون الإجابة « عايش شرفنطح » و مثلما يشرح المعجم عاش الفنان محمد كمال المصرى حياته مثل إسمه تماماً و اقتصره المُخرجون فى دور شخص ضعيف هزيل نحيف ماكِر و الحق يُقال أن قليلون جداً من الذين مرور علينا بأدوارهم البسيطة يسكنون القلب و لا يغادرون و يغيبون و لكن تزورنا أطيافهم و نحن نائمون و قد يجهلون بأن لهم فى عيوننا قصور و رموشنا لهم يحرسون و هم الى أعماقنا أقرب مما يتخيلون و كان شرفنطح بالتأكيد على رأس هؤلاء القليلون الذين تركوا بصمة غائرة فى قلوبنا قبل أن يتركوها فى ذاكرة السينما المصرية  .. ولد محمد كمال المصرى فى 26 / 8 / 1886م فى حارة ألماظ بشارع محمد على و كان والده مُعلما أزهرياً أراد لإبنه مُستقبلاً تعليمياً جيداً فألحقه بمدرسة ” الحلمية الأميرية ” و هُناك تكونت أول فرقة مَدرسية للتمثيل و كان الطالب محمد كمال المصرى أحد أعضائها و كانت أول أدواره فى فرقته المدرسية هو ” بائع أحذية ” و حاز على إستحسان زُملائه بالمدرسة و مدرسيه و شجعه هذا على الإلتحاق بمسارح الهواة مُقلداً الشيخ ” سلامة حجازى ” فى أدواره حتى أطلقوا عليه سلامة حجازى الصغير ! ثُم عمل فى عدة فرق مسرحية بعد ذلك مثل  ” فرقة جورج أبيض ” و ” فرقة سيد درويش المسرحية ” و بعد تركه العمل بفرقه سيد درويش حاول الإلتحاق بفرقة نجيب الريحانى الذى رفضه ! فشعر بالإهانة و كون فرقة خاصة به لمُنافسة الريحانى و استأجر مسرحاً بالقُرب من مسرحه و من هنا اخترع شخصية ” شرفنطح ” لينافس بها شخصية ” كشكش بيه ” التى اشتهر بها الريحانى و بالفعل نجحت شخصية شرفنطح و حققت نجاحا لدى الجماهير و كانت أول رواية لها هى ” الكونت ليدو فيدو ” لكن الفرقة تعثرت مادياً و تم حلها و بعدها رحب به الريحانى فى فرقته عام 1935م حيث قدم شخصية ” الشاويش عوكل ” و بعد تألقه فى هذا الدور عمل الريحانى و بديع خيري على صنع دور له في كل مسرحيات الفرقة التى لم يفارقها حتى اعتزاله حتى كانت مسرحية ” صاحب السعادة كشكش بيه ” التى حققت نجاحاً ذائعاً فى أوائل القرن العشرين للريحانى و شرفنطح معا لتجتذب السينما شرفنطح بعد ذلك فى عام 1928م فقدم أول أدواره فى فيلم ” سُعاد الغجرية ” مُقابل أجر 50 جنيه و توالت الأدوار و وقف أمام الريحانى فى ثلاثة أفلام هى ” سلامة فى خير عام 1937م ” و ” سى عُمر عام 1940م ” و ” أبو حلموس عام 1947م ” كما وقف أمام أم كلثوم فى فيلمى ” سَلامة ” و ” فاطمة ” كما عمل شرفنطح بعد ذلك فى أكثر من 45 عملاً فنياً بين السينما و المسرح و تميز بالخفة وا لكوميديا الراقية كان من أشهرها ” مخزن العُشاق ” و ” أحلام الشباب ” و ” البطل ” و ” جواهر ” و ” آه من الرجالة ” و ” حمامة السلام ” و ” جوز الإتنين ” و ” شهر العسل ” و ” السر فى بير ” و ” خبر أبيض ” و ” بيت النتاش ” و ” عينى بترف ” و ” الصيت و لا الغنى ” كما قام بعدة أدوار مسرحية كان من أشهرها ” مملكة الحُب ” و ” المحظوظ عشان بوسة ” و ” آه من النسوان ” و ” ياسمينة ” و ” نجمة الصباح ” .. من أبرز أسرار ” شرفنطح ” بحسب ماذكره المؤرخ الفنى «  حسن إمام عمر » أنه كان بلا عنوان و لا أحد يعرف أين يسكن و كان مقهى الفن فى شارع عماد الدين مركز أى لقاء معه و رغم أنه كان ميسور الحال لكنه اشتهر ببُخله و حرصه الشديد و كان يضع أمواله فى حزام يلفه حول وسطه ! و عندما انهار البيت الذى يسكن به بحارة ” مامس ” انتقل لحجرة فوق سُطوح أحد منازل حى القلعة و لم يخبر أحد بعنوانه الجديد حتى أن الريحانى كلف أشخاصاً ليتتبعوه لكنه كان يتجه لأحياء بعيدة عن منزله لدرجة أن من كان يقتفى أثره لم يكن يقدر على السير ورائه ! .. فى عام 1953م قرر شرفنطح الذهاب للحج و أطلق عليه زملائه الحاج شرفنطح وعاد ليؤدى أخر أدواره عام 1954م فى فيلمى ” عفريتة إسماعيل يس ” و ” حسن و مرقص و كوهين ” ليُهاجمه مرض الربو و يقرر الإعتزال و الإنزواء فى مسكنه الصغير بـحارة ألماظ و يعانى الفقر و الوحدة بعد أن إنصرفت عنه الأضواء و لم يبقى بجانبه سوى زوجته فهو لم ينجب أبناءاً و قال إن سبب رفضه الإنجاب أنه عاش حياة صعبة و مريرة و لم يرغب في أن يقدم بيديه ضحايا جدد لهذه الحياة ! و يشاء قدره أن يتهالك بيته و تُخليه البلدية فيجمع عِزاله البسيط و يركب تُروماى القلعة مُقيماً بحجرة صغيرة فوق السطوح ! و ظل يُعانى و يتوسل ! و يتوسل له زُملاؤه حتى خصصت له النقابة بعد طول عناءٍ و تسول ! مبلغ عشرة جنيه معاشاً شهرياً ! كانوا يكفوا لدواءه بالكاد و كان جيرانه يجمعون له ” إللى فيه القسمة ” حتى يستطيع أن يأكل و يشرب و يدفع أجرة السكن ! و عاش شرفنطح سنوات من الوحدة و الإنعزال إلى أن رحل عن عالمنا فى 25 / 10 / 1966م و لم يعلم أحد من الفنانين بوفاته إلا حينما أتى موظف النقابة لتسليمه المعاش و طرق بابه و لم يفتح و خرج الجيران ليقولوا له ” البقية فى حياتك عم شرفنطح مات من 3 أيام و دفناه من يومين ” ! .. رحم الله محمد كمال المصرى و تجاوز عن سيئاته و أسكنه فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى