ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتب عن: ذكرى ميلاد صالح مُرسى

هو  ” أديب الملاحم الوطنية ” و ” رائد أدب الجاسوسية”  و ” مُبدع أدب البحر ” و هى الألقاب التى أطلقت على الكاتب الكبير و القدير صالح مرسى الذى عاش بين أركان المخابرات المصرية و كان كاتبها المدنى الوحيد ! ففتش فى سجلاتها و أخرج من بين ملفات أبطالاً كانوا فى دفاتر التاريخ السرية و وضعهم فى دائرة الضوء و جعل منهم القدوة فى الوطنية و مثلاً يُحتذى به فى التضحية فيما لم يكن المُجتمع المصرى يعرف عنهم شيئاً فى ذلك الوقت فساق بقلمه شخصيات لا تُنسى إلى أعمق نقطة فى ذاكرة المُشاهد المصري و يكفيه فخراً أن غزل قلمه النابض صار ملاحم وطنية نفذت إلى الوجدان و تشبثت بالضمائر و حين تحولت ملحمته رأفت الهجان إلى مُسلسل تليفزيونى نجحت فى أن تضبط هوائيات الملايين على موجة واحدة هى موجة الوطن إلى الحد الذى كانت شوارع مصر تخلو من المارة أثناء عرض حلقات المُسلسل الشهير بأجزائه المُتعددة لذا يصبح نسيان صالح مرسى أمراً عصياً لا يجرؤ عليه سوى الوقحين و عُتاة الإجرام و اللامُنتمين الذين افتقدوا البوصلة و غابت ضمائرهم فى غابات الآثام بلا رجعة .. ولد مرسى فى مدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية فى 17 / 2 / 1929م  و بعد أن أتم دراسته الثانوية التحق بالبحرية التجارية و ظل يجوب البحار لسنوات إلى أن رست سفينته على شاطئ الأد، الذي كان حُلماً يُداعبه بعد تعلقه بقراءة الروايات بمكتبة والده ثم راح يبحث عن المزيد بالمكتبات العامة كإبداعات محفوظ و إدريس و الحكيم و بالتحديد رواية ” بداية و نهاية ” لمحفوظ التى ذكر أنها كانت وراء تركه العمل بالبحر و اشتغاله بالكتابة فبعد أن عمل 7 سنوات فى البحرية كمساعد مهندس و حرس لسفريات الملك فاروق قرر أن ينهى جولاته فى البحر و سافر إلى القاهرة و التحق بكلية الآداب قسم الفلسفة ثم بالعمل الصحفى منذ مُنتصف الخمسينيات حيث تألق قلمه فى مجلات « الهدف » و «ا لرسالة الجديدة » و بعض مجلات « دار الهلال » حتى انتهى به المطاف فى مؤسسة « روز اليوسف » ليُصبح واحداً من أهم علاماتها و نجومها بعد أن شجعه الأديب ” يوسف السباعى ” ثم  ” يوسف إدريس ” على نشر مُحاولاته الأولى فى مجموعة قصصية و كان قد التحق قبلها بمجلة « صباح الخير » و نشر فيها مجموعته الأولى « الخوف » و رغم أن مُرسى كتب القصة و السيناريو و الحوار فى البداية لعدد من المُسلسلات الإذاعية و الأفلام السينمائية البعيدة عن الجاسوسية و منها « ثورة اليمن » و « السيد البلطى » إلا أن بدايته مع الجاسوسية كانت من خلال قصة « الصعود إلى الهاوية » التى كتبها كمُسلسل إذاعى ثم أعاد تقديمها للسينما عام 1978م فى فيلم قام ببطولته محمود ياسين و مديحة كامل و أخرجه كمال الشيخ و كتب عام 1980م مُسلسل « دموع في عيون وقحة » و عرض فى رمضان و لعب بطولته عادل إمام و معالى زايد و أخرجه يحيى العلمى و قدم فى رمضان العام التالى مُسلسل « صيام صيام » ليحيى الفخرانى و فردوس عبدالحميد ثم « المُنعطف » عام 1986م لمحمد وفيق و دلال عبدالعزيز و الحقُ يُقال أن مُرسى قد انعكست أعماله على بعض مؤلفاته التى تقتحم مجالات لم ينتبه إليها مُعظم كتاب الأدب المصرى و إذا كان فيلم « زقاق السيد البلطى » الذى أخرجه توفيق صالح ناجحاً و مُميزاً فإن النص الروائى لا يقلُ أهمية و خطورة فى الرؤية و المعالجة ففى الرواية شخصيات واقعية ذات طابع أسطورياً أما اللغة فتأخذ من البحر همس أمواجه الغاضبة و الأحداث تدير الظهر لكل ما هو تقليدى و رتيب .. فى ثمانينيات القرن الماضى قام مُرسى بتأليف قصة ” رأفت الهجان ” و قد بدأ بتسجيل قصص الأبطال و أبدع فى خلق ملاحم أبطالها بسطاء بمقدورهم بعد أن تمكن من أدخال نوع الكتابة عن الجاسوسية فى الأدب العربى و أصبح قلم الواقع من القصص الوطنية و قد رفض مُرسى لقب “رائد أدب الجاسوسية ” اللقب الذى لقبه به العديد من الأدباء و تساءل ” هل يوجد أدب من الاساس بهذا الاسم ؟! ” و ذلك رغم استباقه بالكتابة فيها على مُستوى الوطن العربى و لكنه كان مُعتمِداً على أن ” الأدب أدب ” حيثُ لا يمكن تصنيفه مُطلقاً فليست المشكلة مَن أول من كتب عنها لكن من يستطيع أن يصنع أدباً بالمعنى العلمى لكلمة أدب بصرف النظر عن موضوعه و روى المؤلف ” نبيل فاروق ” أن صالح مرسى كان قد كتب 3 أجزاء عن قصة « رأفت الهجان » من 3 صفحات فقط أخذهم من المخابرات تضم المحاور الأساسية للقصة و بنى عليها من خياله بقية الرواية ! و هو إعجاز أدبى يفوق أى إعجاز سبقه فى مجال الدراما و خاصة بعد إشادة جهاز المُخابرات بأحداث المُسلسل و ذكر مُعظمهم أن مُرسى قد كتب وقائع حقيقية من نسج خياله و كأنه كان يعلم بحدوثها مُسبقاً ! و للأسف الشديد لم يلتفت الكثير من النقاد إلى أدب مُرسى الرفيع و الذي وصفه الناقد ” مصطفى بيومى ” بأنه ” المتميز المُختلف ” حيث يُقدم فى رواياته و قصصه القصيرة عالماً جديداً فى أعمال مثل « الكداب » و « زقاق السيد البلطى » و « البحر » و « المهاجر » و « الخوف » و لعل شهرته ككاتبٌ تليفزيونى ناجح قد ظلمت إبداعه الأدبى فإذا ذُكر اسمه لا بد أن تتجه الأذهان إلى مُسلسلاته الشهيرة « رأفت الهجان » و « الحفار » و « دموع فى عيون وقحة »، فضلًا عن الفيلم ذائع الصيت الذي أخرجه كمال الشيخ « الصعود إلى الهاوية » و لا يتطرق ناقدٌ مُطلقاً لروياته ! .. كان مُرسى كثيراً ما يمزج فى كتاباته بين الفُصحى و العامية و قد حرمته هذه الطريقة من حُصول مجموعته القصصية ” الخوف ” على جائزة الدولة بعد أن تم ترشيحه لها إلا أن الأديب و المُفكر ” عباس محمود العقاد ” قد اعترض عليها رافضاً حُصولها على الجائزة لأن حوارها كان مكتوباً بالعامية حيثُ قال مقولته الشهيرة ” إما أن تكون الكتابة بالفُصحى أو بالعامية لأن الخلط بينهُما يعود بالإهانة الشديدة على الفُصحى ! و هذا ما لا أقبله أبداً ” .. ظل مُرسى يُبدعنا برواياته و مُسلسلاته إلى أن جاء يوم 24 / 8 / 1996م لتصعد روحه إلى بارئها عن عُمرٍ ناهز على الـ 69 عاماً و هو يقضى إجازة فى الساحل الشمالى متأثراً بأزمة قلبية مُباغتة بعد أن خلف ورائه تراثاً يستحق المزيد من الدراسة و الاهتمام فى الأدب و التليفزيون و السينما و رغم وفاته إلا أن المؤلف بشير الديك حول قصته « الحفار » إلى مُسلسل لحسين فهمى و لبلبة و هو ذات مافعله محمد الباسوسى عام 2002م حين حول قصته « البحار مندى » إلى مُسلسل لأحمد عبد العزيز و نرمين الفقى و إخراج هانى لاشين كما حول ” مجدي صابر ” عام 2009م كتابه عن ليلى مراد إلى مسلسل « أنا قلبي دليلى » لصفاء سلطان و عزت أبو عوف و فى العام ذاته حول بشير الديك روايته « حرب الجواسيس » إلى مُسلسل لهشام سليم و منة شلبى و أخرجه نادر جلال .. يُذكر أن مُرسى لم يتوقف عن الكتابة حتى فى لحظاته الأخيرة و هو ما روته زوجته رفيقة الدرب و قرينة العمر ” وجيهة فاضل ” قائلة ” كان يعمل على رواية جديدة بعنوان ” القاهرة 42 ” يكتب فصولها و ينشرها مُباشرة كل أسبوع فى إحدى المجلات الأسبوعية و فى يوم وفاته كان يكتب أحد فصولها و لم ينجز سوى 50٪ فقط منها .. رحم الله صالح مُرسى و تجاوز عن سيئاته و أسكنه فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى