ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى ميلاد ياسين إسماعيل ياسين

هو ‘‘ مُخْرِجُ الأفْلامْ البوليسيَّة ‘‘ و ‘‘ تِلْميذُ هِيتْشكوكْ السِينما المصريَّة ‘‘ المُخِرجُ المُتَمَّيزْ و كاتِبُ السيناريو الْكَبِير ياسين إِسْماعِيل ياسِين نَجْل الفَنَّان الكوميدى الْقَدِير إسْماعِيل ياسِين ذلِكَ المُخْرِجُ الْمَوْهوبْ الرائِع الَّذِى بمُجَّرَد أَن تُشاهِدَ فيلمّاً مِن إخْرَاجِه مُمْتلِئ بالإثارَةِ أَو الرُعْبِ أَو البوليسيَّة فتَجِدُ نَفْسِك قَد غاصَتْ جَوارحها فى أحداثِهِ و يَحْتار ذِهنِكَ بَيْن مَشاهِدِهِ حَتَّى تَصِلَ لِنِهايَتِه فَيَتَّضِح لَكَ و تُفاجئ أَن تَوقعاتك قَد خانَتْها كُل التكّهُناتْ الَّتِى دارَت فى مُخَّيلتك أَثْناء عَرَض الفِيلْم و بأن الْقاتِلِ أوْ المُجرم لَيْسَ هوَ ماتَوقَّعْتَهُ على الإطْلاق بَلْ شَّخصٌ لَم تَّحُمْ حَوْلَه الشُبُهات مُطلقّاً ! أَنَّه المُخْرجُ المُبدِعُ ياسين إسْماعِيل ياسين الَّذِى تَخَصََّصَ باقتدارٍ غَيْر مَسْبوقٍ فى مِثْلِ هَذِهِ الأفلام حَتَّى نَعَتَهُ الْعَديد مِن النُقّاد الفَّنيينْ بِالتِلْمِيذِ النَّجِيبْ لهيتشكوك السينِما الْمِصْرِيَّة المُخْرِجْ الْقَدِير ” كَمال الشَّيْخ ” و الحقُ يُقال أَن ياسِين كان المُخْرِجُ الَّذِى عاش حَياتِه فى كَنَفِ عائِلَةٍ عاشِقَةٍ لِلْفَّنْ ما جَعَلَهُ يَسعى دائمّاً لِاسْتِكْمالِ مَسِيرَتها و خاصَّةً والِدَهُ الَّذِى أثَّرَ فِيهِ أَشَدّ التَّأْثِير سواءً فى حَياتِهِ الفَنيَّة الصاخِبة أو فى رَحِيلِه المأساوى المُفاجئ ! و بِالرَّغْم مِن مُرور عِدَّة مَن عَمِلوا فى الحَقْل الفَّنى عَلَيْنا إلَّا أَنْ قَلِيلون مِنهم جِدّاً مَن سَكَنوا الْقَلب و لم يُغادروه و مَهْمَّا يَغيبون عَنَّا بأجسادِهِمْ لَكِن تظَّلَ تَزورَنا أطيافهم و نَحْنُ نائمون و قَد يَجهلونَ بأنَّ لَهُمْ فى عُيونِنا قُصورْ و رُموشنا لَهُم يَّحرسونْ و هُم إلى أعماقِنا أَقْرَبَ مِمَّا يَتَخَيَّلون و كان ياسِين إسْماعِيل ياسِين بِالتَّأكِيد ضِمنَ هؤلاء القليلين الَّذِين تَرَكوا بَصْمَّةً غائِرَة فى قلوبنا قَبْلَ أَنْ يَتْركوها فى ذاكِرَة السينِما المِصريَّة .. ولِدَ ياسِين إسماعيل ياسين فِى 21 /3 / 1949م فى حَى الزمالك بمُحافَظَّةِ الجِيزة و لكِن تَرْجِع أُصولِهِ إلَى مَدِينَةٍ السويس و يُذكر أن كانَ مُنْذُ نُعومَة أَظافِرِِهِ إنْطوائيّاً بِشَّكلٍ مَّلحوظ نَظرّاً لكّونه وَحِيد والِدَيه و لَكِن بَدأ والِدِه فى إزالََةِِ تِلْكَ الانطوائيَّة شيئّاً فَشيئّاً ( و ذلِكَ حَسْبْ ما صَرَّحَ بِهِ الناقِد الفَّنْى عَبد الله أحْمَدْ عَبْدْ الله ” ميكى ماوسْ ” فى إحْدىَ حلقاتِهِ الفَنيَّة عن النُجومْ ) فَكان كُلَّما خَرَجَ مَعَهُ وَ وَالِدَتَه لايَسْمَحُ لََهُ بالمُكوث مَعهُما بَلْ كانَ يَقولُ لَهُ ” أَنْت قاعِد مَعانا لَيَّة يا ياسِين ؟ مِش تَروح تِلْعَب مَعَ الْأَوْلَادِ إللى فى سِنك ,, روح إلْعَب مَعاهم أستُغمايّة و لَا حتى صَلّحْ و بِلاش تُقْعُدْ مَعانا خالِص ” و ذلِكَ بالإضافةِ لمواظبتِهِ على سؤالِ مُدَّرسيه عَنه بَيْنَ الْحِين و الْآخَرِ عَمَّا يَفْعَلَهُ فى وَقْت الِاسْتِراحَة و كان يَنْهَرَهُ بِشِدَّة حِينَ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَلَسَ فى الْفَصْل بمُفْرَدِهِ و لَم يَخرُج مَع زُملائِهِ للفُسْحّة و يَقولُ لَهُ ” لَو فِضِلْتْ عَلَى كِدَه عُمْرَك ماحاتِفلح فى حَياتِك و مش حاتبقى راجِل أَبدّاً و حاتبقى عامِل زى الْبِِنت المَكسوفَة تُخرج مِنْ الْبَيْتِ عََشان خايفَه مِن الرجَّالة ليعَكسوها ” ! و ظَِّلَ ياسِين عَلَى هَذا النّمَطْ الانطوائى حَتَّى انْتِهاء المَرحَلةِ الثّانَوِيَّة مِنْ التَّعْلِيمِ و بَعْد حُصولِه عَلَى شَهادَتِها شَجَّعَهُ والِدَهُ عَلَى الِالْتِحاقِ بِمَعْهَّدِ السينِما بِشَرْطِ أَنْ يَدْرُسَ شَّيئّاً آخَرَ غَيْرِ التَّمْثِيل و لَكِن ياسِين لَمْ يَسْتَمِعْ لِلنَّصِيحَة و دَخل قِسْم التَّمْثِيل و لِذلِكَ لَمْ يُكمل الدراسَةِ بِهِ بِالرَّغْمِ مِن حُصولِهِ عَلَى تّقْدِيرِ امْتِياز ! فى عامِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ وَجدَ نَفْسَهُ قَدْ دَخلَ قِسْم التَّمْثِيل بناءً عَلَى نََصِيحَة أَحَدِ مُدّرسيه و هو فى الحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ يُريد أَن يُصبِحَ مُمَّثلّاً بِِقَدرِ أَنْ يَكُونَ مؤلفّاً أَو مُخرجّاً لخشيتِهِ مِن عَدَمِ تَحقيق نَجاح والِدِهِ فى التَّمْثِيل قيَكُون وبالّاً فى يَومٍ مِنْ الْأَيّامِ عَلَيْه و لذا فقد اتَّجَه إِلَى قِسم الْإِخْراج و تَخَرَّج مِنْه بِامْتِياز ليَتَجِهَ بَعْدَ ذلِكَ إلَى التَّألِيفِ الدِرامى مُنذ سََّبعينيات الْقَرْن الماضى قَبْلَ أَنْ يُخرِجُ أَوَّل أفلامه ( اللُّعْبَة ) فى عام 1978م و يُذكر أن شارَك ياسين بِالتَّمْثِيل فى فيلمين كان الأول بعُنوان ” إسماعيل ياسِين بولِيس حَربى ” عام 1958م بُطولة والِدَهُ إِسْماعِيل ياسِين أما الثانى فكانَ بعنوان ( نِصف مِلْيون جنَيْه ) عام 1971م و هوَ بالمُناسَبة كان آخر عَمَلِ فَنَى للفنَّان إِسْماعِيل ياسِين و للأسَف لَمْ يُكمِلَهُ نظرّاً لِوَفاتِه أَثْناء تَمْثِيل مَشاهِدِهِ و يُذكر كذلك أن كتَبَ ياسِين السيناريو و الحِوار لِعِشْرِين فيلمٍ أَخْرَجَها كان مُعظمها ذو طابع بوليسى كان أبْرزها ” إمْرأة بِلَا قَلب ” و ” بُذور الشَّيْطَان ” و ” الشَّيطان يُغنى ” و ” تَحت التَّهْدِيد ” و ” المُنتّقمون ” و ” القَنّاصْ ” و ” آخَى و صَديقى سأقتلك ” و ” عاد ليَنْتَقِمْ ” و ” جَرِيمَة إلَّا رُبع ” و ” حَلْقِه الرُعب ” و ” الرجُل الشَّرسْ ” و ” المُكالَمَة الْقاتِلَة ” و ذلِك أَضافَهُ إلَى عدة إعْمالٍ تليفزيونيَّة مِنْها مُسَّلسَل ” عُيون تائهة ” و سّهرة بِعُنوان ” بَيْنَ أحْضانِ إبلِيس ” و مُسَّلسَل ” دوائِر الشَّك ” .. جديرٌ بالذكرِ أن انْشَغَل ياسِين قَبْل أَكْثَرَ مِنْ عامٍ مِنْ وَفاتِهِ بمُسَّلسَل ” إِسْماعِيل ياسِين ” عَنْ حَياةِ وَالِدِهِ الَّذِى شارك فى مِئات الافلام بَعْضَها حَملَ اسْمَهُ و يَقول كثيرٌ مِن النُقّاد أَنَّ بَعْضَها مازال مَجهولّاً و يُذكر أن رَشَّحَ لبُطولَتِهِ الفَنَّان أَشْرَف عَبْد الْباقِى و تَّمَ عَرَض المُسَّلسَل بعد وفاة ياسين فى 3 / 3 / 2008 و بالتَّحديد فى شَهْرِ رَمَضانَ عامَ 2009م و يُذكر أن ظَِّلَ ياسِين مُحْتَجبّاً عَن الظُهور لِفَتْرَة طَوِيلَة و تَناثَرَت الأَخْبار فى الصُحِف و المَجَّلات الفَنيَّة عَنْ حَقِيقَةِ هَذا الاِبْتِعاد و تَبايَنَت الْآراء حَوْلَها مابين الْمَرضِ وْ الِاعْتِزال و الدّروشة و الْإِفْلَاس الفَّنى ! حَتَّى فُوجِئ الْجَمِيع بوداع أَهْل الْفَّنِ و السينمائيين لَهُ عَقِبَ وَفاتِه عَن عُمرٍ يُناهز الـ 59 عامّاً فَقَط ! بَعْدَ مُعاناة مَريرة مَع مَرَض السَّرَطان اللَّعِين الَّذِى كانَ يُخفيهِ عَنْ الْإِعْلَامِ الْمَقْروء و المرئى و الَّذِى اسْتَمَرَّ مَعَهُ لسَنواتٍ تَخلّلتها رحلة عِلَاج فِى الدَّاخِل و الْخارِج لَكِنْ دونَ جَدْوَى و تَّمَ تّشْيِيع جُثمانه عَقِبَ صَلَاة العَصر مِنْ مَسْجِدِ السَّيدَة نَفِيسَة .. يُذكر أخيرّاً أن قَالَت عَنْه زَوْجَتَهُ السَّيدَة ” سامِيَة شاهِين ” و الَّتِى أَنْجَبَت لَهُ ابْنَتَهُ الوَحِيدَة ” سارَة ” بأَن ياسِين كانَ بِمَثابَّةِ روح والِدِهِ الفَنّان الكوميديان الْكَبِيرِ الذى كانَ شَغوفّاً بِتّحْقِيق أمْنيات نَجْلِهِ المُدَّلل و يُحرص عَلَى الِاحْتِفالِ بَعِيد مِيلاَدِه بِِطَرِيقِة مُمَّيَزَة فَكان يُحضِر لَه فِرْقَة موسِيقِيَّة عّسكريَّة تَدور فى شَوارِع حى الزمالك لتَّعْزِف أغانى أَعْياد الْمِيلَاد و أضافت سامية أَنَّه بِالرَّغْمِ مِنْ ذلِكَ كانَ يقسوا عَلَيْهِ وَ يُعاقِبهُ و يَضرِبَهُ إنْ أَخْطأَ لَكِنَّه يأْتِى فى نِهايَةِ الْيَوْم و يُصالِحَهُ و يَقولُ لَهُ ” أَنا ضرّبتك عَشان بَحِبَكْ و عايزَك تحَقَّق إللى أَنا ماعرفتش أحَقَّقُهْ فى حياتى و تعَوَّض صَبرى خَيْر بَدَل ماتْحّسَرنى عَلَيْك ” ! كَما أَشارَتْ سامِيَة أَنَّ زَوْجَها ياسِين اِقْتَرَبَ مِنْ والِدِهِ كثيرّاً فى فَتْرَة طُفولتِهِ خاصَةً عِنْدَما شارَكَه فى فِيلْم سينمائى و زادَ الاقتراب مِنهُ فى فتْرَّةِ شَّبابِهِ حين أنهَكَهُ المَرَضْ و تابَعَت ” سامِيَة بِأن ياسِين كانَ يَذْهَبُ مَعَهُ إلَى استديوهات التّّصْوِير و يقضيان معّاً أَكْثَرَ مِنْ 14 ساعَة كاملة و حِينَ كانَ يَطلُب زُملاء إِسْماعِيل فى الْعَملِ أَنْ يَرْحَمَ نَجْلِهِ مِنْ عَناء تِلْكَ الْمَشَقَّةِ كان يرُدُ عَلَيْهِمْ وَ يَقول ” لَازِم أعّودُه عَلَى الشَّقى شوَيَّة لأَنِّى مِش حاعيش لَه طول العُمر و الدُّنْيا غَدّارَة و وحْشَة و ياعالِمْ بُكرَة حالَة حايبقى آية ” أما ياسين فقد ذَكَرَ فى برنامِجٍ فضائى قبل رَحيلِهِ بِعامٍ واحِد أنه كان يَنْظُر لوالدَهُ و هوَ فى أيامِهِ الأخيرة بِنْظرة مُمْتَّلِئة بالشُموخ و الحَسرة مَعّاً ! كَونَّهُ لا يُصَّدِقُ أن تَكونَ نِهايَتِهِ بهذِهِ الصورة المأساويَّة بَعْدَ سَنواتٍ مِن الشُموخ الفَّنى المُمْتَّد لفَتْرَةٍ طويلة مِن السنين و كان دائمّاً يَقول فى قرارَةِ نَفسِهِ ( كان مَعاك حَق يا بابا لما كُنت دايمّاً تِنْصحنى و تقولى إن الدُنيا غدّارَة و مالهاش آمان ,, و إذا كانِت دى نِهايتَكْ بَعْدْ ما كُنت موَّلَعْ الدُنيا فَّنْ و شُهْرَّة و نَجاحْ اُومال أنا حاتكون نهايتى شَّكلَها إيه ؟! ) .. رَحِمَ اللَّهُ الرائِع ياسِين إسْماعِيل ياسِين و تَجاوَزَ عَنْ سَيِّئاتِهِ و أسْكَنَهُ فَسيحَ جَنَّاتِهِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى