ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى رحيل حسين كمال

هو ” بديع الإخراج ” و ‘‘ أحد رواد الواقعية المِصرية ‘‘ و ‘‘ مايسترو الإخراج الرومانسى ‘‘ و ‘‘ اُسطورة الإخراج ‘‘ و ‘‘ المُخرج الشامل ‘‘ المُخرج السينمائى و المّسرحى الكبير و القدير و المُبدع و صاحب الموهبة الفنية الكبيرة ( حسين كمال الدين ) الشهير بحسين كمال ذلك الفنان الرائع الذى يُعد و أحداً من أبرز مُخرجى السينما ” التّقليدية التُجارية ” و أحد أساطيرها بعد إخراجه لحوالى 30 فيلم تم تصنيفهم كعلاماتٍ بارزة فى ذاكرة السينما المِصرية على مدار تاريخها بأكمله و هو كذلك المُخرج الوحيد الذى إستطاع تحقيق مُعادلة إرضاء الجُمهور و النُقاد معاً ! تلك المُعادلة الصّعبة التى وصفها المؤرخ و الناقد السينمائى الفِرنسى ” جورج سادول ” بمُحاولة إختراق المُسْتحيل بعد أن أثبت بأنه مُخرجاً لكلِ ألوان الفن بلا استثناء و هو أيضاً المُخرج الذى لم نجد خلافاً فنياً له مع زميل أو زميلة طيلة مُشواره الفنى بأكمله و لم يتعّرض لأى انتقادات على المُستوى الفنى مثل الكثيرين من مُخرجى جيله و هو ما يكمُن فى نظرتِه لنفسِه طوال الوقت بطريقةٍ بها ثقةٍ بالنَفس و شُموخٍ مّمزوجٍ بدرجةٍ عاليةٍ من الشفافيةٍ و الصراحةٍ و الوضوح و الحقُ يُقال أن حسين كمال كان مُخرِجاً كاملاً فى بهائِه و مُتوَّجاً بتاجٍ ثقيل تُرصِّعُه آلافُ اللآلئ و فى قلبِ كلِّ لؤلؤة مّشهدٌ و فكرةٌ و بيتُ شعرٍ و قلبُ شاعرٍ و روحُ أديب و ليالٍ طوالٌ من الكِفاحِ و السَّهر و السَفر و القراءة و التدريب الصوتى و الحركى و الروحى حتى وصل على عربة مَلكية تجرُّها خُيولٌ عَربيةٌ قُدَّت مِن ماء الشِّعر و الملاحِم و الأساطير فتعلّقتِ الأبصارُ بعينيه اللتين تحملان إرثاً هائلاً من فرائد رفيع الآداب العالمية الصّعبة التى لا يقوَى على مُطارحتها إلا ذوو البأس و ذوو المَوهبة من الحقيقيين الذين لا تُدثرهم قشورُ الزَّيف و غُلالات الادّعاء فقليلون جداً من الذين مَّرور علينا بأعمالهم المُمّيزة يسكنون القلب و لا يُغادرون و رُبما يغيبون جسداً لكن تزورنا أطيافهم و أرواحهم و نحن نائمون و قد يجهلون بأن لهم فى عُيوننا قُصور و رموشنا لهم يّحرسون و هم الى أعماقنا أقرب مما يتّخيلون و كان حسين كمال بالتأكيد على رأس هؤلاء القليلين الذين تركوا بّصمة غائرة فى قُلوبنا قبل أن يَتركوها فى ذاكرة السينما المِصرية و العربية أيضاً .. ولد حسين كمال فى 17 / 8 / 1934م بحى الحلمية الجديدة بمُحافظة القاهرة وسط اُسرة مّيسورة الحال و برزت مواهبة الفنية مُنذ نُعومة أظافره حيث عشق الفن و الفُنون حتى النُخاع و كان سعيد الحظ دوناً عن قُرنائِه من الفنانين أبناء جيله لأنه لم يجد رفضاً من أسرته مثلما وجدوا لامتهان الفن و هو ماساعده على شقِ طريقه دون مشاكلٍ أسرية تُنغِص عليه صفو حياته و تؤثر على بدء مسيرته الفنية بعض الشيئ حيث كان شرط الأهل الوحيد هو حُصوله على أى شهادة أولا ثُم امتهان ما يُحب و بالفعل بعد حُصوله على دُبلوم التجارة المُتوسِطة من مدرسة الفرير سافر حسين إلى باريس لتحقيق حلمَهُ القديم و التحق بالمعهد العالى للسينما ( الأديك ) لدراسة الإخراج و تخرّج منه عام 1954م و عاد إلى بلاده لينطلق فنياً لكنه فوجئ بأن مُجتمع السينما ( كما يقول حسين كمال نفسه ) « كان مُغلقاً على مجموعة بعينها من المُخرجين و المُساعِدين و كانت فترة عَصيبة شعرتُ خلالها بإحباطٍ و يأسٍ لا مثيل لهُما » و لذلك فقد اكتفى حسين كمال خلال هذه الفترة بتصميم ملابس و ديكورات فندق هيلتون النيل ! و ظل على هذا المنوال حتى افتتاح التليفزيون فى عام 1960م ليُقدم أوراقه و يجتاز امتحان القبول بتفوقٍ باهر و لكونه دارساً للسينما و يُجيد خمس لغات فقد تم أرساله فى بِعثةٍ تدريبيةٍ إلى إيطاليا اكتسب خلالها الإحساس بطبيعة العمل التليفزيونى و عند عودته عَمِلَ مُخرجاً للبرامج كان أبرزها « مجّلة الشباب » و «مشاكل و آراء » علاوة على اخرجه عِدة تمثيليات تليفزيونية منها « الخط ورايا ورايا » و « البديلة » و « لمَن تحيا » و « رنين » و الأخيرة فازت بالجائزة الأولى فى مُسابقة داخلية بالتليفزيون عام 1963م ثم تمثيلية « كُلنا اخوة » و « الفخ » و غيرهم و كانت أهم أعماله التلفزيونية هى فيلم « المُنعطّف » عن قصة لنجيب محفوظ و قد كان لفوز حسين كمال بالجائزة الأولى للدراما فى مهرجان التليفزيون فى عام 1964م ما لفت أنظار النُقاد و المُهتمين إلى إمكانات حسين كمال باعتباره مُخرجاً تليفزيونياً مُتمّكِناً فى وقت أخذت مؤسسة السينما دورها فى مجال الإنتاج السينمائى و فتحت الطريق أمام المُخرجين الشباب فكانت فُرصة حسين كمال الذهبية لإخراج أول أفلامه « المُستحيل » مِن خلال القطاع العام الذى نجح به فى كسرِ و تحطيم بعض القواعد التقليدية بعدما استطاع أن يُلقى بالحجر فى الماء الراكد من خلال فيمليه التاليين “ البوستجى” و “ شيئ من الخوف ” بتقديم سينما جديدة أثارت إهتمام النُقاد و إعتبروها مرحلة من أهم مراحِل حسين كمال السينمائية و أطلقوا عليها “ المَرحلة التّجريبية ” فعلى سبيل المِثال نجد حسين قد رفضَ تغيير مَشهد النهاية فى فيلم البوستجى بعد مقتل ” زيزى مُصطفى ” على يد والدها ” صلاح منصور ” رغم مُحاولات المؤلف يحيى حقى المُستّميتة بإثنائه عن ذلك لكن المُخرج المُبدع كان مُصمِماً من خلال الفيلم أن يُحّطم بعض قيود السينما التقليدية ليُقدم شكلاً فنياً سينمائياً جديداً كما كان حسين كمال أيضاً شديد الذكاء فى فيلم ” شيئ من الخوف ” حينما رأت الرقابة أنه يحملُ إسقاطاً سياسياً على نظام الحُكم و هو ما نفاه حسين كمال و عُرض الفيلم ليُمّثل أسلوباً فنياً مُبتكراً يُحاكى الحكايات الشعبية على الرّبابة ليُقدم للمُشاهد العربى “ عتريس و فؤادة ” أو محمود مُرسى و شادية فى فيلم يتناول جميع أشكال القهر حتى فى الحُب ! ثُم يُقدم حسين كمال فيلم أبى فوق الشجرة ليُحطم به الأرقام القياسية لشباك التّذاكر فى السينما المِصرية بعد أن استمر عرضه فى دور سينما أكثر من 50 أسبوعاً ! بعدما أشار و بقوة لوجود مُخرجاً إستعراضياً موهوباً يستطيع صُنع سينما غنائية جذابة بِغضِ النَظَر عن الحّبْكة الدِرامية إضافة لإثرائِه السينما العربية بمجموعة من التابلوهات و الأغانى الاستِعراضية الخالدة فى تاريخها ثُم يعود حسين كمال ليؤكد من جديد أنه مُخرجاً إستعراضياً مِن طرازٍ فريد و يُثبت أن للأغنية الفيلمية أهمية درامية و ليست مُجرد إضافة جمالية للسينما فحسب فيُقدم نُموذجاً ناجحاً للبُطولة الجماعية فى فيلم ” مولد يا دُنيا ” لكن ذكاء حسين كمال يفاجِئكَ دائماً ليس فقط فى تقديم ” عفاف راضى ” فى أول أدوارها السينمائية و إنما أيضاً لإظهاره للفنان القدير ” عبد المنعم مدبولى ” كما لم تراه مِن قبل فى أدواره التّمثيلية التِراجيدية مثل مّشهد أغنية “ يا صبر طيب ” فكان واحداً من أجمل و أرق أدوار مدبولى لإحتوائه على فّلسفة ساخرة و معانى و لّمسات إنسانية عميقة ثم يخلع حسين كمال ردائه ” الإستعراضى ” من أجل التغيير و يُقدم فيلماً سياسياً يحمل إسماً كوميدياً ! “ إحنا بتوع الأتوبيس” مع أكبر نُجوم الكوميديا آنذاك ” عادل إمام ” و ” عبد المنعم مدبولى ” فى فيلمٍ قوىٍ ينتمى إلى السينما التى ألقت الضوء على حِقبة الستينيات فى مصر و أقلام بعض الكُتاب عن التعذيب داخل المُعتقلات ثم يخلع حسين كمال ثوبه الاستعراضى و السياسى ليرتدى ثوباً رومانسياً ! فيُخرج فيلم “ حبيبى دائماً ” الذى يُعد من ضمن أهم أفلام الحُب و الرومانسية المُغلّفة بالميلودراما التى تبدو مُستهلكة لكنها و بنكهة حسين كمال أبكت الجُمهور و مازال “ إبراهيم و فريدة ” قصة حُب خالدة تُحّرِك مَشاعر الكثيرين رغم مُرور أكثر من ثلاثة عُقودٍ عليها ! ثم يتجه حسين كمال للمسرح فى ” ريا و سكينة ” ليُقدم واحدة من أنجح مسرحيات الكوميديا الإستعراضية التى مازالت تعيش فى الوِجْدان العربى مع “ إفيهات” نُجومها شادية و سُهير البابلى مع عبد المنعم مدبولى و أحمد بدير هذا بِخلاف عَشراتِ الأعمال الأخرى التى بَرَعَ فيها ما جعل النُقاد يُصّنفونه مُخرجاً فنياً و تُجارياً أيضاً لأنه قدم رؤيته فى صِناعة الفن لكل الجُمهور و نَجَحَ فى جميع قوالبه و حَقَقَ ما ذكره فى حوارٍ صحفى بمجلة صباح الخير “ اخترت أن أصنع الفن الكبير بعد أن وضعتُ اسمى على باب سينما شبرا بدلاً من وضعه على باب نادى السينما أو مركز السينما ” و مِن وجهة نظر كاتب هذه السُطور فإن حسين كمال قد نَجَح باقتدارٍ شديد بعدما شَعَرَ بأنه وجدَ طريقَهُ الصحيح إلى السينما و أصبح له أسلوباً مُميزاً فى الإخراج فكان لابد له من أن يَخوض الواقع السينمائى لشِدة اقتناعه بأن السينما هى من الأساس مُخاطبةٌ لوجدان كُل الناس و ليست قاصرة على الخاصة أو على فئة بعينها دون الفئات الأخرى و هو ما حدث مع فيلم ” أبى فوق الشجرة ” بعدما حّطَمَ بهذا الفيلم مقولة أن الأفلام الجماهيرية دائما تفشل و أصر العندليب وقتها بإخراج كمال له بالرغم من رفض الشَركة المُنتِجة بسبب فشل اعماله الجماهيرية البوستجى و المُستحيل بالرغم من اشادة النُقاد بهما ! و هذا الفيلم بالنسبة لكاتب السُطور يُعد ثورة على مُجمل أفلامِه التى كان أشهرها “ العذراء و الشعر الأبيض” و” إمبراطورية م ” و ” ثرثرة فوق النيل” و ” دمى و دموعى و إبتسامتى” و ” نحنُ لا نزرع الشوك ” و ” أرجوك أعطنى هذا الدواء ” و ” المساطيل ” علاوة على اسهاماته المّسرحية التى كان أبرزها “ الواد سيد الشغال ” و “ حزمنى يا ” و “ أنا و النظام و هواك ” و لقد ظل هذا المُبدع يُبدعنا بأعماله الرائعة حتى توفى فى 24 / 3 / 2003م عن عُمرٍ يُناهز على الـ 69 عام و ذلك إثر إصابته بهُبوطٍ حاد فى ضغط الدم و هو بالتأكيد رحيلٌ جسدىٌ فقط لا روحاً و لا إبداعاً و ذلك بعد أن أثرى تاريخ الفن المصرى و العربى أيضاً بأعماله الخالدة حتى يوم يُبعثون .. رحم الله حسين كمال و أسكنه فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى