ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى ميلاد زيزى البدراوى

هى ‘‘ شقراءُ السينما المِصرية ‘‘ و ‘‘ الرومانسية الشقية ‘‘ الفنانة الكبيرة و القديرة « فدوى جميل عبد الله البيطار » الشهيرة بزيزى البدراوى تلك المُمثلة الرائِعة التى تُعد مِن إبْرَزِ نَجماتِ العَصر الذهبى للسينما المِصرية و واحِدة مِن أشْهَرِ شَقرواتها التى عَشَقَها الجُمهور بعدما اسْتَطاعّتْ بجمالِها الهادئ و بِرقةِ مَشاعِرها الاُنثويةِ الجَياشَةِ المّصحوبةِ ببياضِ بَشْرَتَها الناصِع علاوة على حُضورِِها الجَميل أن تترُك بّصمَةٍ بأذهانِه فى كُل الأدوارِ التى اُسْنِدّتْ إليها و التى أدَتْها جَميعها باقتدارٍ شَديدٍ ببُعدها عَن الإثارة الفاضِحة ! فلم تُقّدِمَ أدواراً جَريئة بشكلٍ كبيرٍ مثلما فَعّلْنَ بعض نَجماتِ جيلها اللاتى كُن يُقَدِمْنَ تِلك النّوعية بكثافَةٍ شَديدة و يُذكر أيضاً أنها الفنانة التى تَعَدَدّتْ الألقاب التى أطْلَقْها النُقاد الفَنيين عليها و كان لَقَُبُ ” شقراء السينما المصرية ” هو اللّقبُ الأعز على قلب زيزى بالرَغمِ أن بّشرها البيضاء و شَعرِها الأشْقَرِ لم يكُنا وحدهُما ما يُمّيزانها فحَسْب بل مَيزتها أيضاً ملامِحَها الطُفولية البَريئة فجَعلتها تّبرُع فى آداءِ دورِ الفتاةٍ المّغلُوبةٍ على أمْرِها بامتيازٍ فائِقِ النَظير و الحقُ يُقال أن زيزى اسْتَمَرّتْ رَمزاً للرومانسية الحالِمة و الهادِئة خِلال فَترةِ الستينيات و السبعينيات مِن القرن الماضى مُشارَكَةً مع الفنانة ‘‘ نجلاء فتحى ‘‘ و اسْتَطاعَتْ أن تُسَطِرَ اسْمها بحروفٍ مِن ذَهبٍ فى ذاكِرة السينما المِصرية و العَربية أيضاً .. وِلِدَتْ زيزى فى 9 / 6 / 1944م فى حى السكاكينى بمُحافَظةِ القاهِرة وَسَطَ اُسرة مُتوسِطةٍ الحال و عَشِقَتْ الفن مُنذُ نُعومة أظافِرها و كان لجَمالِها الأخاذ و بَشرتها البيضاء دافِعاً قوياً لها كى تُحَقِقَ حُلم حياتها بامتهانِ الفنِ ما جَعَلها تَذْهَبُ كثيراً إلى استوديو مِصر كى ترى الفنانين و الفنانات و هُم يؤدون أدوارهم إلى أن رآها ذات مّرة الفنان ” أنور وجدى ” فَعَرَضَ عليها التّمثيل كـ ” كومبارس ” فى فيلم ” 4 بنات و ضابِط ” و وافَقَتْ زيزى على الفَورِ و لم تكُن تَعْلَمَ آنذاك أن هذا الدور الصَغير سَيكون بوابتها فيما بعد للنُجومية و البُطولة و وصولها لمصاف نُجوم الصّفِ الأول و قد حَدَثَ ذلك بالفِعل بعد أن اُعْجِبَ بها فنياً ” المُخرِج عِز الدين ذو الفقار ” و قَدّمَها فى فيلم ” بور سعيد ” بدورٍ صغير حتى جاء عام 1957م ليُعيد اكتشافَها المُخرج ‘‘ حَسن الإمام ‘‘ بعدما اختار لها اسم ” زيزى ” على إسم إبنته و أشْرَكَها فى فيلمها الثانى ” عواطف ” عام 1958م ليُقدِمَها بعد ذلك فى فيلميه ” سَبع بنات ” و ” شَفيقة القِبطية ” ليّنْطَلِقَ بعدها قطار زيزى الفنى فتُشارِكَ فى أكْثَرِ مِن 130 عَملاً فنياً حَصُلتْ فيهم على دَورِ البُطولةِ المُطلقةِ مع كثيرٍ مِن نُجوم عَصرِها مثل الفنان ” عبد الحليم حافظ ” فى ( البنات و الصيف ) و الفنان ” أحمد رمزى ” فى ( آخر شقاوة ) و مع الفنان ” شُكرى سرحان ” فى ( سَجين الليل ) علاوة على العَديدِ من الأعمالِ التِليفزيونية التى كان أبْرزها ” المال و البنون ” و ” شَرخٌ فى جِدار الحُب ” و ” حَضرة المُتهم أبى ” و ” نَجمة الجَماهير” و ” ليالى الحِلمية ” و ” حَبيب الروح ” و كذلك على خَشَبَةِ المّسْرح بمَّسْرحيتى ” شيئٌ فى صَدرى ” و ” أولادنا فى لندن ” .. يُذكر أن تَعَرَضّتْ زيزى عام 1960م لانتقاداتٍ واسِعةً مِن الجُمهور و ذلك بِسَبَبِ تّجْسيدها دوراً فى إحدى ثلاثِ قصصٍ تَضَمّنها فيلم « البنات و الصيف » مع سُعاد حُسنى و عبد الحليم حافظ و هو الدور الذى أصابها بـ « لّعنة » العندليب ( كما أسمتها الصَحافة وقتذ ) نظرا لأنها جَسَدّتْ فى الفيلم شّخصية الفتاة التى تَرْفُضُ حُب عبد الحليم لها ! لتّطلُعاتِها الطَبقية و هو الأمر الذى لم يَغْفِرَهُ لها الجُمهور المُحِب للعندليب الأسمر !! و هو ما أدى لانخِفاضِ أسهُم زيزى فى السينما بعد هذا الفيلم !! و هو ما أكدته زيزى أيضاً فى أكثرِ مِن لقاءٍ صحفى و إذاعىٍ و تلفزىٍ بأن عبد الحليم حافظ و جَماهيريته الجارِفَة كانت سَبباً جوهرياً فى تأخير نَجاحِ مشوارها الفنى دون أن يَقصُد .. يُذكر أيضاً أن تَعَرَضّت زيزى إلى حادثِ مُرّوِع فى أولِ مّسْرحية تُشارك بها « شيئٌ فى صدرى » عام 1966م حينما كانت طِفلةً بعد أن كادت تفقد عَينها ! فى مَشهدٍ عَنيفِ على خَشَبةِ مّسْرح التليفزيون أمام الفنان ” حَمدى غيث ” الذى كان يُجَسِدَ دور الباشا العَجوز الثَرى و يُحاول أن يَعتدى على طِفله و هى زيزى و بينما و هى تُحاوِلَ الهَرَبَ يَقْذِفَ بها على الأرضِ لكنها تّصْطَدِمَ بِطرفِ مائِدة مُدبَب فيَختَرِق جَبهتها و يَنْطَلِقَ دمٌ غزير يراه الجُمهور لتّصرُخ الفنانة ” لبنى عبد العزيز ” صّرخَةً مُدويةً و اعتَقَدَ المُنتج ” رمسيس نجيب ” أنه مكياج و لكن برغم الدِمِ الذى يَسيل مِن جَبهة زيزى كانت تُقاوِمَ لتّستَمِر فى تّمثيل المّشهد إلى أن حَمَلَها حَمدى غيث بين ذراعيه كَبَقية لوقائِع المّشْهد و يُسدَل الستار ليُهروِلَ الجَميع و فى غُرفَةِ المكياج كانت الفنانة ” زوزو ماضى ” تسند رأسها بينما تُحاول لُبنى عبد العزيز أن توقف النَزيف مِن جَبهةِ زيزى بكُل السُبِلِ أما حَمدى غيث فكان مُرتَبِكاً فى الوقت الذى تُحاوِل فيه زيزى إكمالِ دورها مَهما كانت خُطورة حالتَها و كان مِن بين المُتَفرجين على المّسْرحية الطبيب ” مُختار الألفى ” الذى أجرى لها الإسعافات الأولية و طَلَبَ نَقلها إلى المُسْتّشْفى لإجراء عَملية خياطة للجُرح العَميق الذى بلغ 5 سنتيمترات و فى البداية رَفَضّتْ زيزى الذهاب للمُسْتّشْفى و أصَرّتْ على اسْتِكْمالِ الرواية و أمام إصْرارها صَعَدَ مُخرج العَرض ” السيد بدير ” على خَشبة المّسْرح ليُخبِر الجُمهور أن زيزى بخير و بأن إصابتها بَسيطة و هى مُصِرةٌ على اسْتِكمالِ الرواية و يَختفى بدير و تُرفَعُ الستار مّرة أخرى عَن زيزى و على جَبهتها شَريطِ طبى يَخفى آثار الجُرح فيُقابلها الجُمهور بِتّصفيقٍ حادٍ و طَويل و بعدما انْتَهَتْ مِن تّمثيل الرواية تم نقلها لمُسْتّشْفى العَجوزة و أجرت خياطة للجُرح تّضّمَنَ 6 غُرز و أوصلها السيد بدير إلى باب مَنزلها و قد ظَلَ هذا الحادِثُ تاركاً علامّة لزيزى فى وجهها حتى أجْرَتْ عَملية تّجميل لتّمحى أثره تماماً و رُبما كان هذا هو السَببُ الجوهرى لتَشاؤمها ! و رَفضَها كُل العُروضِ المّسْرَحية التى عُرِضّتْ عليها فيما بعد و ظلت على هذا المنوال إلى أن أتى عام 1973م لتوافِقَ زيزى على مَضَضٍ ! بالمُشارَكَةِ فى مّسْرحية ‘‘ أولادنا فى لندن ‘‘ و لم تُكَرِرَ الوقوف على خَشَبَةِ المّسْرح بعد هذه المّسْرحية حتى وفاتها ! .. يُذكر أن عاشَتْ زيزى أول قِصةِ حُبِ فى حَياتها خلالِ تَصويرها لفيلم « حُبى فى القاهرة » عام 1966م بِجانِب المُطرِب اليَمنى ” أحمد قاسم ” بعدما اشْتَرَطّتْ ألا يُقَبِلَها أحداً خِلالِ أحداثِ الفيلم و هو الشّرطُ الذى اعْتَرَضَ عليه المُطْرِب أحمد قاسم مازحاً بينما رّحَبَ به مُخرج الفيلم ” عادل صادق ” نتيجة شُعوره بُحبه لها و الذى أثْمَرَ بعد ذلك عن زواجه مِنها خِلال الإتفاق على الفيلم بعد أن تبادَلا الإعجابِ فيما بينهُما و تَم عَقدِ قرانهما و لكن زواجهما لم يَسْتَمرَ طويلاً و حَدَثَ الانفصال و قد أعْلَنَتْ زيزى فى حِوارٍ سابق لها بمجلة الموعد فى عَدَدها الصادر يوم 27 أبريل 1972م أنها نَدَمَتْ كثيراً على زيجتها الأولى مِن المُخرج عادل صادق ! حَيث لم تُفَكِرَ جيداً قبل الارتِباطِ به ! و لهذا كان مَصير الزيجة الفَشَلِ و نَصَحَتْ الفَتيات أن يَخْتّرْنَ شّخصية الزوج بِعناية و أن يَعْرِفنَ سُلوكَه و خُلُقَه !! قبل أصله و فصله !! قبل اتخاذِ أى قرارٍ ثم تَزَوَجّتْ زيزى بعد ذلك مِن أحدِ المُحامين و كان يُدعى ” توفيق عبد الجَليل ” بعد أن أحَبَته كَثيراً و لطالماً كانت تُرَدِدَ سيرته خِلالِ حَفلاتِ و لقاءاتِ الأصدقاء حَتى أنها إبتَعَدّتْ نِسْبياً عَن السينما و أصْبَحَتْ تُقَدِم أعْمالاً قليلة فى العامِ الواحِد و لم تَسْتَمِر أيضاً هذه الزيجة مُدة طويلة إذ وَقَعَ الطَلاقَ فى نِهاية عام 1988م بِسَبَبِ خيانَتْهِ لها مَع خادِمتها ! ( حَسْب ما ذَكَرَهُ الناقد الفنى عبد الله أحمد عبد الله ‘‘ ميكى ماوس ‘‘ فى أحدِ حَلَقاتِه التِليفزيونية عن النُجوم ) و مِن بَعدهِا لم تَتَزّوَجَ زيزى كى تُنْجِبَ ” بناءً على نَصيحة بَعضِ المُقربين لها ” و ذلك بالرَغْمِ مِن عَشقِها الجَنونى للأطفال .. يُذكر أخيراً أن صرّحت زيزى فى حوارٍ سابِقٍ لها بأن سَبَبَ عَدمِ قيامها بأدوارِ الإغراء فى بدايتها الفنية لأنه كان يَتَمّثَلَ فى الكَشفِ عَنِ الصّدرِ و السيقان و القيام بِحركاتٍ خَليعة مُبتذلة و هذا ليس مِن الإغراء فى شيئ على الإطلاق بل هو مُجردُ جَذْبِ للأنظارِ بإسلوبٍ سَافلٍ و مُنْحَط ! و إن كان غيرها مِن الفنانات قُمْنَ بهذه الأدوارِ فهى ليْسّتْ مُرغَمَة على تّقليدهِن ! .. ابتعدت زيزى فترة عن الظُهور إلى أن تَعَرّضَتْ لأزمةٍ صِحية نُقِلتْ على إثرها إلى إحدى المُسْتّشْفيات بمنطقة المُهندسين و كانت المُفاجأة الكُبرى لها حين عَلِمَتْ بإصابتها بِمَرَضِ سَرطان الرئة اللعين الذى نَتَجَ بسبَبِ شَراهتها للتّدخين بعدما كانت تُدّخِنَ عما لايقلَ عن 100 سيجارة يومياً فضلاً عن مُعاناتِها مِن أمراضِ القَلبِ و ضِيقِ التّنَفُس و الشَلَلِ الرَعاش لكن برغم كُل ما سَبَق فكانت أكثر المُعاناة التى عانتها زيزى كثيراً فى تَجاهُلِ عَدَدٍ كبيرِِ مِن زملائها داخِلَ الوَسَطَ الفنى أثناء فترة مَرَضِها خاصة الفنانات بِسَبَبِ تّصريحاتها ضِد مُعظَمهِن و لذلك لم يَزرها غير عددٍ قليلٍ منهُنَ برغم اختِلاف بَعضِهن مَعها كان على رأسهِن ” ميرفت أمين ” و ” رجاء الجداوى ” و ” دَلال عبد العزيز ” و ” نِهال عنبر ” و ” يُسرا ” و ” إلهام شاهين ” و ظلت زيزى تُعانى من آلام أمراضِ القَلبِ و السَرطانِ حتى صَعَدَتْ روحها إلى بارئها بعد أن مَكَثَتْ فى المُسْتّشْفى ما يقرُب مِن الاسبوعين قبل ان تَعودَ الى بَيتها قبيل وفاتِها بيومٍ واحدٍ فقط لتَتّوفى فى فِراشها بِمنزلها فى 31 يناير 2014م عن عُمرٍ يُناهِز الـ 70 عاماً و شُيِعّتْ جَنازتها مِن مَسجدِ مُصطفى مَحمود القريب مِن مَنزلها و أقيم العَزاء مَساء الثلاثاءِ بِمَسْجِد الحامدية الشاذلية حَضَرَهُ عدداً لابأس به مِن الفنانين كان على رأسهِم اُسرة المُخرج ” الراحِل سامح الباجورى ” نجل شقيقتها و زوج الراقِصة ‘‘ دينا ‘‘ و والد إبنها على .. جديرٌ بالذِكر أن الفنانة ‘‘ نهال عنبر ‘‘ قد كَشَفَتْ فى لقاءٍ مُسْبَقٍ لها مَع جَريدة ” اليوم السابِع ” أن الفنانة زيزى البدراوى كانت حَريصة كُل الحِرص على فِعْلِ الخَير بشكلٍ كبير لدرجة انها أفنّتْ كل ثروتها فى هذا الأمر و لهذا السَبَب عِند وفاتها كانت لا تملُك أى ثَروة مالية كما ذَكَرَ الفنان ” حَسن يوسف ” فى أحد الحواراتِ الصَحفية أنه كان سَعيداً غاية السَعادةٍ عندما عَلِمَ بوجودِ زيزى ضِمْنَ فريقِ عَمَلِ مُسّلسْل ” جَرح عُمرى ” و قال « لأول مّرة أتقابِل مَع زيزى و أقدِم مَعها دوراً دون مَشاهدِ حُب و لذلك تَعّجَبتُ كثيراً حين عَلمت أنها سَوف تَقومُ بدورِ حماتى ! و كان لها فى لوكيشن التّصوير صورة و هى صَغيرة فنَظَرَتْ أليها على الحائِط و قُلتُ فى سرى ” هى دى زيزى اللى فى الصورة اللى كُنت بَحبها فى كل الأفلام لدَرجة أن الجُمهور كان مِسميها حَبيبة حَسن يوسف ‘‘ ! » و قد شاءت الأقدارِ مع الأسفِ الشَديد أن تّرحَلَ زيزى قبل إكمالِها لبُطولة المُسّلسَل مع حَسنْ يوسف و هو بالتأكيدُ رحيلٌ جسدىٌ فقط أما فنها الذى جَسَدّتْهُ بأعمالها الجَميلة فسَيَظلُ خالِداً إلى يوم يُبعثون .. رحم اللهُ زيزى البدراوى و تجاوز عن سيئاتها و أسكنها فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى