كتاب وشعراء

صامـــــــــــــــــــــــــــــولة ……شقلم أشرف غازي

 كان رجلاً شديد البخل، لا يكف عن تقريع زوجته كلما رآها، حتى أنها كرهت الحياة بسببه، والزواج كما يقولون مثل “البطيخة” المنغلقة على نفسها، فإما ان تكون حمراء حلوة المذاق، وإما أن تكون بيضاء بلا طعم ولا لون، وقد عرفت هيَ ان بطيختها بيضاء أحالت حياتها إلى جحيم. في صبيحة أحد أيام الأسواق الكبيرة لملم الرجل أمواله بحرص وعقد النية على شراء خِراف صغيرة يُسمنها عنده ومن بعد يبيعها، وبهذا يكثر ماله ليضعه بجوار المال الذي يكنزه فيتسع ثراءه، ولكنه ثراء لا يخدم صاحبه.. بل هو ثراء يُفضي بصاحبه إلى الحسرة.. إذ أنه يرى بعينه أموالا عديدة ولكنه يبدو للناس فقيرا معدما، ولتذهب الأموال التي لا تنفع صاحبها إلى قعر الجحيم. قلَّب الرجل الأمر في رأسه لكنّ بخله وحرصه الشديدين منعاه من العيش في بحبوحة من أمره وآثر أن يحيا حياة المعدمين.. وأثناء سيره وكانت الشمس لم تُشرق بعد، والسكون يخيم على القرية إلا من صياح الديَكة بين الفينة والأخرى، إذ به يلمح على الأرض “صامولة” أكلها الصدأ فأنحنى عليها وألتقطها ونظر بعينه يمنة ويسره ليتأكد من أن أحدٍ لم يلحظه ثم دسها في جيبه وواصل سيره، كان دائما يقول في نفسه أن الأشياء التي لا نحتاج إليها اليوم ربما كنا في أمس الحاجة إليها في الغد القريب. مهما بلغت تلك الأشياء من تفاهة.. وقد إمتلأت داره بأشياء تافهات مسامير قديمة أكلها الصدأ مختلفة الأحجام، وقطع خشبية غير مستوية، وزجاجات فارغة من عبوات الكولا والفنيك.. كراكيب لا أول لها من آخر. مضى الرجل في طريقه إلى أن وصل إلى السوق ولسوء حظه كان السوق على غير العادة، الأسعار تفوق المرأة التي فقدت زينتها في يوم قائظ جنونا، والخراف التي عزم على شرائها تضاعف ثمنها فعاد من السوق يجر أذيال الخيبة.. وحينما عاد كانت في إنتظاره كارثة ربما تودي بحياة أمثاله من البخلاء إلى موت محقق، إذ وجد أحد الخُفراء في إنتظاره ليخبره بأن “العمدة” ينتظره على مضض.. وسارا الأثنان معاً حتي وصلا إلى دوار العمدة ليخبره الأخير أنه قد فقد في الصباح الباكر مبلغا كبيرا من المال، وبعد التقصي والبحث أبلغتنا إحدى نساء القرية بأنها قد شاهدتك وأنت تنحني على الأرض لتلتقط شيئاً ما ثم تتلفت كما اللصوص قبل أن تدسه في جيبك، وهنا جُن جنون الرجل وأقسم بأغلظ الإيمان أنها لم تكن سوى تلك “الصامولة” الصدئة.. ليضج الحضور بالضحك وهم يرون بيده “صامولة” حقيرة لا تُساوي خردلة، ثم غير “العمدة” من لهجته المهذبة.. وكأنه أستعار وجها غير وجهه الذي كان عليه منذ قليل.. وأمر خفرائه بتفتيشه ليجدوا معه مبلغا كبيرا من المال.. يتناوله العمدة وهو يتنفس الصعداء ليقع الرجل البخيل على الأرض مغشياً عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى