تقارير وتحقيقات

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى تنصيب توفيق خديوياً على مصر

فى مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ 26 / 6 / 1879م تَمّ تَنْصِيب الْأَمِير تَوْفِيقٌ خديوياً عَلَى مِصْرَ بديلاً عَنْ وَالِدِهِ إِسْمَاعِيل و ذلك بَعْدَ أَنْ أُجْبِر الإنجليز و الفَرَنْسِيُّون إسْمَاعِيلَ عَلَى تَرْكِ مَنْصِبِه عِنْدَمَا حَاوَل اسْتِدْرَاكَ مَا فَاتَهُ بَعْدَ أَنْ أَغْرَق الْبِلَاد فِى دُيُونٌ أَجْنَبِيَّة ضَخْمَةٌ و مَهولة نَتِيجَة اسْتَدَانَتْه مِنْهَا بِأُسْلُوبٍ سَفَهىٍ و عَشوائىٍ و غَيْر مُنضبطٍ و رُبما مُتعمدٍ أيضاً ! …
وَلَد تَوْفِيقٌ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَى بَاشَا فِى 15 نُوفَمْبِر 1852م و هُوَ الِابْنُ الْأَكْبَر للخديوى إسْمَاعِيلَ مِنْ ” شَفَق نُور هانِم ” و الَّتِى كَانَتْ ” مُستَولدة ” ( و لَيْسَت زَوْجَة ) بِمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيَه ثُمَّ أَمَرَ الْبَاب الْعَالِى الخديوى إِسْمَاعِيل بِالزَّوَاج مِنْهَا بَعْدَ حَمْلَهَا مِنْهُ …
و يَرَى مُحَلِّلُون نفسيين أَن تَوْفِيقٌ كانَتْ لَدَيْهِ عُقدة كَبِيرَةً مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ و الَّذِى بِسَبَبِه كَانَ وَالِدُهُ إِسْمَاعِيل يُفرق بَيْنَه و بَيْن إخْوَتِهِ مِنْ بَاقِى زَوْجَاتِه حَيْثُ كَانَ هَذَا هُوَ العُرف السَّائِد آنذاك و الَّذِى يُقْضَى بألايتمتع ابْن ” المُستَولدة ” بالمزايا الْمَادِّيَّة و الْعَيْنِيَّة و التَّعْلِيمِيَّة و الترفيهية أيضاً مِثْلَمَا يَتَمَتَّعُ بِها أَوْلَادُ الزَّوْجَة الطَّبِيعِيَّة …
كَمَا يُؤَكِّد عِدَّة مؤرخيين أَن ماسبق كَان سبباً رئيسياً فِى أَنَّ تَوْفِيقٌ لَمْ يَكُنْ يُحِبُّ مُصِرٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ ! بِالرَّغْم كَوْنُهُ صَارَ خديوياً لَهَا فِى غَفْلَةٍ مِنْ الزَّمَانِ و لَكِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ عائِلَتِه ! و كُل مَنْ يَعْرِفُ أَصْلُهُ و فَصْلُه بِسَبَبِ كَثْرَة الْهَمْز و اللَّمْز الَّذِى كَانَ يَتَعَرَّض لهُما بِسَبَبِ ذَلِكَ الْأَمْرِ فِيمَا بَيْنَ الْحِين و الْآخَر و لِذَلِكَ لَمْ يكُن وِلَايَة سِوَى لِشَيْئَيْن أولهُما هُوَ الْبَابُ الْعَالِى لِأَنّ لَوْلَاه ماتزوج وَالِدِهِ مِنْ أُمِّهِ و ثانيهماً للقوى الْأَجْنَبِيَّة الَّتِى تُحْمَى عَرْشِه و ستحمى عَرْش أَبْنَائِه فِيمَا بَعْدُ فَكَانَ خائناً و عميلاً و حقيراً بِمَعْنَى و حَقِّ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ دُون أَدْنَى تهويلٍ ! …
و لَقَد تَمَثَّلَت بَاكُورَة خِيَانَة هَذَا التَّوْفِيقُ فِى بَيْعُه لِحِصَّة مِصْر فِى أَرْبَاح قَنَاة السُّوَيْس و الَّتِى بَلَغَت ( 15% ) بَعْدَمَا بَاعَ وَالِدِه إِسْمَاعِيل حِصَّتَهَا دُون التَّفْرِيط فِى الْأَرْبَاح ! بَعْدَ أَنْ ظَلَّت مَرْهُونَة فَقَط لِبَعْض الدائنيين و المُرابيين الماليين الإنجليز و الفَرَنْسِيِّين و فُقِدَت مِصْر بِذَلِكَ الْفِعْلِ المُذرى و المُشين مَا تَبَقَّى لَهَا مِنْ عَوَائِد الْفَائِدَة المُستحقة لَهَا …
كَمَا حَاوَل أيضاً هَذَا الْخَائِن اِسْتِرْضاءٌ الأُورُوبِّيِّين بشتى الطُرق فَنَفَى المُصلح السياسى ” جَمَالُ الدِّينِ الأفغانى ” و فَرْضٌ العَدِيدِ مِنَ القُيود الْمَالِيَّة الَّتِى طَالَبَ بِهَا الدائنون و ذَلِكَ بِمُوجَبِ قَانُون التَّصْفِيَة الصَّادِر عَام 1880م و الَّذِى خَصَّص أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ إيرَادَات مِصْر لِصَالِح الدِّين الْعَامّ ! و هُو مامَكَنَ الْأَجَانِبُ مِنْ السَّيْطَرَةِ عَلَى الِاقْتِصَادِ الْمِصْرِىّ جُملة و تفصيلاً …
و جديرٌ بِالذِّكْر أَن خِيَانَة هَذَا الخديوى قَد اِكْتَمَلَت مَلاَمِحُهَا بشكلٍ واضحٍ و فاضحٍ ٱيضاً بَعْدَمَا اسْتَعَان بالإنجليز لِلْقَضَاءِ عَلَى الثَّوْرَة العُرابية و قَد نَفَذُوا طَلَبَه بِالْفِعْل و قَضَوْا عَلَى تِلْكَ الثَّوْرَة و لَكِن قَضَوْا مَعَهَا أيضاً عَلَى اسْتِقْلَال مِصْر الْمَحْرُوسَة بإحتلالها فِى 15 / 9 / 1882م ! …
و كَمَا سَجَّلَت صَفَحَات التَّارِيخ خِيَانَة هَذَا الخديوى لبلادنا الْمَحْرُوسَة ستظل تُسجل أيضاً خِيَانَة كُلّ حَاكِم يتآمر عَلَى وَطَنِهِ أَوْ يُفرط أَو يَتَنَازَل أَوْ يَبِيعَ ذَرَّة تُرَاب وَاحِدَةٍ مِنْ أَرَاضِيه حِين يَنْكَشِف أَمَرَه و يُفتّضَحَ تآمُره الْخَبِيث فالتاريخ لَا يُنْسَى و لَا يَرْحَمَ أيضاً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى