كتاب وشعراء

مِيثاقُ القِراءةِ…شعر حسن الخندوقي/المغرب

هذا النصُّ طريقُكم نَحْوِي

أنا الواقفَ هنا في نهاية المحطةِ
و أنتمُ الواقفين هناك في بدايتِها
ها أنتم أُولَاءِ تَخْطُون أول خطوةٍ
على طريق هذا النص الشائكِ
و تَخُطُّون تواقيعَكُمُ البليدةَ
على ميثاقِ قراءتِهِ
فإن كنتم حفاةً
من أحذية مجازي
أو لا تملكون تذاكرَ استعاراتي
فَلْتَتَراجعوا قبل الورطةِ الأكيدةِ
و إن كنتم تُزَوِّرون تواقيعَكم
كي تكسبوا بعضَ ودادي
و حسنَ ضيافتي
فإن طريقي تميز السعي المشكور
من ذلك المشيِ المختلَسِ بين السطور
و تدرك من خطواتِكم
الواثقَ و الرّاتقَ و الفاتق
و الثابتَ رغم شوك الكلمات
و القافزَ على ظهرها
كما يتقافز الأطفالُ
في لعبةِ ” سَبْسَبّوتْ.. اللي طاح يموتْ ”
و المتربصَ بنهاياتِها المريرةِ
و الساخرَ منها و مِنّي
و الخاسرَ في الإِتْيانِ بصورةٍ مِنْ مِثْلِها
و المادحَ و الهاجِيَ
و المهلِّلَ استحساناً
و المصفِّرَ استهجانَا
حتى الحاسدَ تَعْلَمُهُ كلماتي
و المجامِلَ و الحاملَ غِلّاً
و الماسحَ حذاءَها
بفُرْشَاةٍ مُعَلَّبَةٍ منتهيَةِ الصلاحيةِ
قبل استعمالها

هؤلاءِ و هؤلاءِ لهم موطيءُ قدمٍ على طريقها
التي هي طريقُكم إليّ
فامْشُوا في مناكبِها و احذروا عناكِبَها
و كُلُوا من ثمارِ حَسَراتِها
يا رفاق

ما وعدتكم يوماً بمائدةٍ من السماء
و لا وليمةٍ من المباهجِ
و لا حفلةٍ تنكريةٍ على شرفِ الشعرِ أو النثر
فالكلماتُ أرواحٌ لا تقبلُ الأقنعةَ
و الكلماتُ مرايا فضّاحَةٌ
لكاتبها و قارئها
الكلمات ورود الفضائحِ
نعلقها على عُرى سُتْراتِنا
و نمشي مرفوعي الرؤوس

يَعِزُّ عليَّ سُرَاكم و سَرْبُكم
حفاةً على شوك طرقاتي
نصوصي غيرُ مُعَبَّدَةٍ
مَفَاوِزُ
يجوسُ خلالها لصوص الفرح
و سُرّاقُ الأحلام و قاتِلو الأرواح
و تارِكو الأجسام رسوماً و أطلالاً
لا تصلح إلا للمقدماتِ الطلليةِ و البكائيةِ
لمعلقاتٍ لا مطمعَ لي فيها
بقنصٍ و لا قصفٍ و لا وصفِ مَلَاذِّ الحياةِ
و آباراً مُعَطَّلَةً لا تروي غليلَ الأحبةِ
و لا يهون عليَّ أن تَدْمى أقدامكم
و تُسْلَبَ أَمْتِعَتُكم
و أنتم تَحُجُّون إلى كَعْبَتِها
تَنْشُدون أَمْنَ المعاني
و قِرَى الجمال
و سُقْيا المحبة

أقول لكم ما قال أجدادي للضِّيفان
” الضيفْ ما يتشرّطْ و مُولْ الدّار ما يفرّطْ ”
من أجل ذَلِكُمْ
و لِعِزَّةِ ذُلِّكُمْ عليَّ
أعددتُ لكم مِنْ أَوْسَطِ ما أُطْعِمُ منه نفسي
من الغُصَصِ التَّليدةِ في ذكرياتي
و الموؤودةِ في اسْتِشْرافاتي
و الحائرةِ بينهما تتدلّى كشرنقةٍ أَبَدِيَّة
ثلاثةُ أطباقٍ : سَلَطَةٌ و طبقٌ رئيسيٌّ و تَحْلِيَة
كي أُبْدِيَ حُسْنَ قِرايَ
جائزةً لِحَثِيثِ سَيْرِكْم على طريقِ نَصِّيَ الشائكِ هذا
– و كل نصوصي كذلك –

لعلكم صادفتم بعضَ دماءِ قتيلِ لسانِهِ
الذي اسْتَنْوَقَ الجَمَلَ قاتِلُه في النَّذِيرِ
أو سمعتم بعضَ أصداءِ صراخِ لوركا
الهازيءِ من الموتِ في رصاصةِ الجلادِ
أو باغَتَتْكُم بعضُ أزهارِ بُوْدلِيرَ الشِّرّيرَةِ
نامِيَةً من شقوقِ الصّخْرِ
كَأَلْسِنَةِ الشّامِتِين من كل قساواتِ الطريقِ
أو تَطَيَّرْتُم من نعيقِ غرابٍ
يَحْذُو قافِلَتَكُم نحو قَبْرِيَ
الْتَقْصِدُونَهُ.. تَحْسِبُونَهُ واحةً
و كلما كِدْتُم.. انقشعَ عن محضِ سرابٍ
و ترابٍ.. راكَمَتْهُ اللغةُ منذُ آلافِ المجازات
و لَكُم في القِصاصِ مِنّي.. حياة
يا مَنْ حَمَلْتُمُ الطريقَ نَحْوي
من بدايتِهِ السَّحيقَةِ إلى نهاياتي المُنِيفَة

نسيتُ أن أسألكم :
هل صادفتم قافلةً آيِبَةً
يتنادَوْنَ أَنْ جِدُّوا السيرَ
لعل صدى المناحةِ يتوارَى في المدى
خلفنا.. فَرُبَّتَما تتعافى أرواحُنا
قبل إدراكِ محطة الانطلاق
أَلَا ليتنا لَمْ نُوَقَّعْ هذا الميثاق
يا رفاق… ؟

و ها قد حَذَّرْتُكُم.. و أَزِيدُ :
بهجرتكم إليَّ
سأقيم عليَّ الحُجَّةَ
و أقيمكم شهودا عليها
إِنْ وَصَلْتُم
و أُفَوِّضُ لِنُصوصي
إقامةَ الحَدِّ عليكم.. أو عَلَيّ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى