غير مصنف

سليمة سلمي - الجزائر : السياج الشائك

 

أيّها النبيل تحية و بعد:
دعكَ من هذا السياج الشائك و لا تُلقِ له بالاً..أنا أضعه حول نفسي حتى لا يطأها المندسّون و المدَنسون، فبعض البشر إذا دخلوا قلبًا عاثوا فيه فسادًا حتى إذا خرجوا منه تركوه صعيدًا جُرُزا..
هكذا أحافظ على ما تبقى لي من محرقة سابقة، لُأبقي نورًا أستميتُ في حمايته من اندثار كاد لولا رحمة الله أن يكون وشيكًا.
أتركُ لكَ حُسن القراءة بين السطور، و ما أظنّكَ إلا كما عهدتكَ، سيّدًا أريبًا فطنًا، تفكُّ الرموز بيُسرٍ و أنتَ تشطر لوح شوكولاطة مُرّة.
في أساطيرنا الشعبية العتيقة..صوروا لنا “لونجا بنت الغولة” بصورة الصبية الساذجة المندفعة بقلبها، تلك التي تجلس قرب البئر، تبكي حبيبها الغادر و هو يستجدي عاطفتها الضاربة في الحمق..يسألها أن تساعده للخروج ،و ما إن ينال مناله من الحرية ..حتى يلقي بها مكانه في البئر ..
فيُميتها شرّ ميتة ثم يطبخ لحمها وليمة شهية للغيلان !
و عصبة الشياطين يتابعون المشهد بانتشاء ،و هم يحتسون الحِمَمَ وسط فوهة بركان.
بينما “لونجا” في زمن مقابل هي امرأة ذات دهاء..تركل قلبها جانبا…ترقص الفالس على رؤوس أصابعها كي لا تحدث جلبة أو قعقعة..و عندما تجوع تتناول محبوبها غداءًا قبل أن يتناولها عشاءًا..
تضعه مع الحب بين قوسين ،داخل كيس أسود و تدفنه تحت التراب، ثم تختفي من القصة برُمتها..فيما تبقى عظامه ترثي روعتها و تهجي ما دونها من النساء لآخر الزمان.
أيها النبيل..
أحيانا فقداننا للشيء ما هو إلا عثور عليه بطريقة أخرى أكثر نضجا و تهذيبا و صقلا ، لم يكن لعقولنا المعصوبة وقتها أن تبصره أو أن تستوعب مداه..
طاقة التبصر و البصيرة تستدعي الخروج من النص، للسماح بهالات الضياء أن تتفجر لخلق انبعاثٍ فكريّ حدوده المجرة..
بالأمس و أنا أقضم دائرة الحظ إلا ربعها تذكرتك ،و لم تدهشني براعتكَ في حلّ الأحجية إذ أنّها حدثتْ كما وصفتَ لي أطوارها تمامًا !
أتدري..
لا أذكر كم مرّة نِمتُ باكية ،جُلّ الذي أذكره أني و في كل المرات ، كنتُ أصحو فيها لأجد بين جفوني قد نمَتْ حدائق وردٍ و ضمّاتُ حبق أخضر.
هكذا تربِتُ يد الله على جروحي دائما لتهدأ..
أيّها الفريد:
القلوب الناصعة تُخلّف بعد احتراقها رمادًا أبيضًا ، يُعجن بماء المحبة و الرحمة، ليصير جبيرة لكلّ قلب مكسور و كل روح متشظية .
مِثل هذا القلب لا يموت يا ” أدهم “..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى