ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتُب عن: ذكرى ميلاد بديع خيرى

هو ” بَدِيعٌ الْفَنّ ” و ” المسرحى السَّاخِر ” و ” صانِعٌ المنولوجات الرائِع ” الشّاعِر و الزَّجّال و المَسرحى و السينارست و الْكَاتِب العملاق ” بَدِيعٌ عُمر خيرى ” الشَّهِير بِبَدِيع خيرى ذَلِك الفَنَّان الرائِع الَّذِى يُعَدّ واحداً مِنْ الَّذِينَ آثَروا الْحَرَكَة الْمَسْرَحِيَّة فِى مِصْر و الوَطَن الْعَرَبِىّ أيضّاً و مِن أَبْرَز كُتاب الْمَسْرَح الْمِصْرِىّ فى القَرْنِ العِشْرِينَ و أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ للسينما الْمِصْرِيَّة و كيف لا و هو العملاق الَّذِى حِينَما تُقرر أَنْ تَكْتُبَ عَنْهُ فَكأَنَّك تُحاول اِخْتِزال أَغْلَب تُراثنا المَسرحى و الغنائى و السينمائى فى عددٍ مِنْ الْكلِماتِ مَهْما زاد لَن يوفَّى حَقِّ هَذَا العملاق و لَو حَتَّى فِى جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ حَقِّهِ ! فَمِن الأغانى إلَى المُنولجات الْخَفِيفَة إلَى المَسرحيات الكوميدية الهادفة إلَى الأفلام الْخالِدَة و لِأَنّ الْفَنّ عَمِل تراكُمى فى الْأَساس فكُل ما وصلَ و سيصلُ إلَيْه الْمَسْرَح الغنائى أَوْ فَنُّ المونولوج أَو الأغانى سيظل يَعود الْفَضْل فِيهِ لِهَذا الرجُل الْبَدِيع الَّذى كَانَ اسْمَهُ عنوانّاً حقيقيّاً لمواهبه المُتعددة و عَلَى الرَّغْمِ أَنَّ اسْمَهُ يَغِيبُ عَنْ مسامع الْكَثِيرِين مِن الأَجْيال الحَدِيثَة إلَّا أَنْ أحداً لَا يُمكنه إنْكار مُنجزات هَذا الهرم الشامِخ فِى السِّينِما الْمِصْرِيَّة بِاعْتِبَارِه واحداً مِن رَوَّاد الكوميديا فِيها وَ الَّذِى حَتَّى كِتابَةِ هَذِهِ السُطور لَم و رُبما لَن يأْتِى فنانّاً شاملاً فى جُزءٍ و لَو قليلاً مِن عملقته الفذة .. وَلَد بَدِيعٌ فِى 17 / 8 / 1893م فِى حَىٍّ المغربلين أَحَدٌ أَشْهُر الْإِحْياء الشَّعْبِيَّة بِالْقاهِرَة مَنْ أَسَرَهُ مُتوسطة الْحال و التّحق بالكُتاب و حِفْظِ الْقُرْآنِ وَ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَجاوَز السَّادِسَةِ مِنْ عُمره و كتِبَ أَوَّلَ شِعْرٍ لَهُ فى سن 13 سنَّةٌ ! بسَبَبِ ارْتداده المسارح بِاسْتِمْرار و قراءاته الكثيرة أَصْبَح قويّاً لِلْغايَة فِى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ما مَكَّنَه فِيما بَعْدُ مِنْ صُنع ثَوْرَة كَبِيرَة فِى عالِمٌ الزَّجَل بعدما أَضحى يَكْتُب فى الْقَصِيدَة الْوَاحِدَة عِدَّة بُحور شِعْرِيَّة بدلاً مِن النِظَام التَقليدى الَّذِى كانَ سائداً آنذلك و يُذكر أن بَدِيعٌ لم حَياتِه بمجال الْفَنِّ بَلْ عَمِلَ فى هَيْئَة التليفونات الْمِصْرِيَّة عَقِبَ تُخْرِجه مِنْ ” مَدْرَسَة المُعلمين العُليا ” نظراً لِقُوَّة لُغَتِه الإنْجلِيزِيَّة الَّتِى كانَتْ تحتاجها الْهَيْئَة لِتَرْجَمَة الرَّسائِل الإنْجلِيزِيَّة القادِمَة مِن إِنْجِلْتِرا أَبَان فَتْرَة الاحْتِلاَل البريطانى لمِصر و يُذكر أيضّاً أن تَمَّ فَصْلُه مِنْ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فى تَعْطِيل هَاتِفٌ أَحَدٌ الباشاوات ! ( حُسَيْن باشا العلايلى ) الَّذِى أَصَرَّ عَلَى فَصْلُه مِن مُديرى الْهَيْئَة بِالرَّغْمِ مِنْ عِدَّةِ توسلات بَدِيعٌ و رؤسائه لَه ! لكن الباشا كان يرفُض كُل توّسل بشكلٍ قاطِع ! ثُمَّ عَمِلَ بديع بَعْدَها مُدرسّاً لِلُّغَة الإنْجلِيزِيَّة فى مَدْرَسَة ” رِفاعَة الطهطاوى ” و لَكِنْ لَمْ تستهوه تِلْك الْمِهْنَة لِأَنَّهُ كانَ يُريد أَن يَدخُل مَجَال الْفَنّ لِيَكون مُمثلاً و لَكِن عِنْدَما امتحناه العملاقين ” زَكَّى طليمات ” و ” جُورْج أَبْيَض ” فِى اِخْتِبارات الْأَداءِ لَمْ يَنْجَحْ فنصحاه بالتّفرُغ لِكِتابِه الشِعْر و الزجَل و الْقِصَص الْقَصِيرَة فَقَط فصُدم بَدِيعٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ و قَرَّر أَن يُؤَسِّس فِرْقَةٌ مُتّحديّاً قَرار طُليمات و أَبْيَض و اسْماها بـ ” المصرى لِلتَّمْثِيل العَصرى ” و كانَ يَكْتُبُ لَهُمْ إقتباسات عَن مسرحيات أَجْنَبِيَّة و يَقوم بِالتَّمْثِيل فى بَعْضِ مُشاهِدُها و كَانُوا يُمثلون فِى مَسْرَح ” L ‘ Egyptien ” بشارع عِمَاد الدِّينِ وَ كَان العملاق المسرحى الضَّاحِك الباكى ” نَجِيب الريحانى ” يَسْكُن فَوْقَ ذَلِكَ الْمَسْرَح و بالصُدفة ذاتَ يَوْمٍ بَعْدَما سَمِعَ ضَجَّة فِى الْمَسْرَح قَرَّر أن يُشاهد لِلْفِرْقَة مَسْرَحِيَّة بِعِنْوَان ” أَمّا حِتِة وَرْطَة ” و كانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سيُشاهدها لِدقائق مَعدودة ثُمَّ يَرْحَل لَكِنَّه أَعْجَب بالمَسرحية و فوجئت الْفُرْقَة أَنَّه أَكْمَلُها لِآخِرِها ثُمَّ سالَ عَمَّنْ كَتَب هَذِه الْمَسْرَحِيَّة و بَعْدَ أَنْ عَلِمَ ذَهَبَ إلَى بَدِيعٍ و قالَ لَهُ ” أَنْت رائِع و حايكون لَك مُستقبل فى الْفَنّ بِشَرْط تُكْتَب بِس مِنْ غَيْرِ ماتمثل ” و هُنا تَذَكَّر بَدِيعٌ نَصِيحَة طُليمات و أَبْيَض و تَيَقَّن بأنهُما لَم يقُلاً غَيْرَ الْحَقِّ وَ لَم يكُنا يُهبطان مِن مَعنوياته كَما كانَ يَتَوّهم ! و يُذكر أن كان الريحانى وقتذ عَلَى خلافٍ مَع الْكاتِب ” آمِين صدقى ” الَّذِى كَانَ يكتبُ لَه الْأَعْمال و كانَت فَرَّقَتْه بِدُون كاتِب يَرْضَى عَنْهُ وَ كانَتْ هَذِهِ بِدايَةَ لَتَعاوَن طَوِيلٌ و صَدَاقَة عُمر امْتَدَّت حَتَّى نِهايَةٌ حياتيهما قَدِما فِيها معّاً أعمالاً مِنْ أَهَمِّ ما قُدِّمَ للمسرح و السِّينِما كانَ آخِرها فِيلْم ” غَزْل الْبَنات ” الَّذِى تُوُفِّىَ بَعْدَها نَجِيب الريحانى و رَثاه بَدِيعٌ خيرى بِقَصِيدَة حَزِينَةٌ .. يُذكر كذلك أن تَعْرِفُ بَدِيعٌ عَلَى الموسِيَقار الرَّائِد ” سَيِّد دَرْوِيش ” و كَوّن مَعَهُ و مَع الريحانى ثلاثى قَدِمُوا معاً عِدَّة مسرحيات مِثْل ” رِن ” و ” اش ” و إستعراضات مِثْل ” و لَو ” و أوبريت ” الْعَشَرَة الطَّيِّبَة ” الَّتِى أَخْرَجَها ” عَزِيزٌ عِيد ” لِلْمَرَّةِ الْأُولَى وَ الَّتِى كَانَ فِيهَا سُخرية ضَمِن أَحْداثَها مِن الْأَتْراكِ و تَرَتَّبَ عَلَيْهَا غَلَقٌ مَسْرَح ” نَجِيب الريحانى ” ثُم سافَر بَدِيعٌ للبنان بَعْدَها لِفَتْرَة قَصِيرَة و عاد و أسَسَ مجلة ” أَلْف صنْف ” تم إغْلَاقها بسبب تهكُم بديع على الملك فؤاد لَكِنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ و أَصْدَر مَجَلَّة أُخْرَى بِعِنْوان ” الْغُول ” و أُغْلِقَت أيضّاً ! فأصدر مَجَلَّة ثَالِثَةٌ هى ” النهاردة ” اسْتَمَرَّت لِثَمَانِيَة عَشَر يومّاً فَقَط ! ثُم اُغلقت لِأَنَّه هَاجِم فيها إلْغَاء دُسْتُور 1923م بشراسة وَصَلَت لنَعتِه لِلْمِلْك فُؤَادٌ بـ ” أَبو العُريف الْجَاهِل ” ! عَلاؤُه أَن بَدِيعٌ كانَتْ لَهُ سَوابقٍ غَيْر حَسَنَة مَع النِّظَام حِين كَوّنَ مَع ” سَيِّد دَرْوِيش ” دُوِيتُو غنائياً و موسيقياً لثورة 1919م يَفُور بالوطنية و الْحَماسَة فَكانَت أغانيهما معاً إحْدَى جذوات الثَّوْرَة .. جديرٌ بالذِكر أن بَدِيعٌ كان لَه السَّبْق فى الْكِتَابة للسينما الصامتة حِينَ كَتَبَ فيلمه الْأَوَّل بِعِنْوان ” المانجبان ” ثُمّ الفِيلْم النَّاطِق ” الْعَزِيمَة ” و هوَ أَحَدُ أَهَمّ الأفلام الْمِصْرِيَّةِ عَلَى مَدار تَارِيخُها و كانَ قَدْ كوّن أيضاً عِلاقَة مَع ” طَلَعَت بَاشَا حَرْب ” عَنْ طَرِيقِ مُسابقة لِقِصَّة بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ قَامَ بِهَا ” طَلَعَت حَرْب ” و فَاز فِيها ” بَدِيعٌ خيرى ” بِالجائِزَةِ الأُولَى مِنْ لَجْنَة كانَ مِنْ ضِمْنِها عمالقة الْأَدَب الْعَرَبِىّ عَلَى رأسهما “طه حُسَيْن ” و ” عَبّاس العقاد ” .. يُذكر أخيراً أن تَزَوَّج بَدِيعٌ مِنْ سَيِّدِهِ مِنْ خَارِجٍ الْوَسَط الفنى و أَنْجَب مِنْهَا أَبْنَائِه الثَّلَاثَة الْأَكْبَر ” مُبدع ” و هُو مُحام و ” نَبِيل ” تَخْرّج فِى مَعْهَد السِّينِما و عَمِلَ فِى مَجالٌ الْإِخْراج ثُم اتَّجَه بَعْدَ ذَلِكَ لِلْعَمَلِ فِى مَجالٌ السِّياحَة أما ابْنِه الثَّالِث فكان ” عَادِلٌ ” الَّذِى أَصْبَح مُمثلاً مُتميزاً فى عِدَّة مسرحيات أَشْهَرها ” إلَّا خَمْسَةَ ” الَّتِى كَتَبَها وَالِدِه الَّذِى ساءَت صِحَّتِه و نَفْسِيَّتَه بَعْد رَحِيلِه ” عَادِلٌ ” و أَثَر الاِبْتِعاد و الْمُكُوث بِمَنْزِلَةِ حَتَّى وَفَاتِه فِى 1 فَبْرَايِر عَام 1966م بعدما حانَتْ لَحْظَةُ النِّهايَةِ ليُسْدِلَ السِّتارُ عَنْ حَياةِ هَذا العملاق عَن عُمر يُناهز الـ 73 إثَر غَيْبُوبَة شَدِيدَة بِسَبَبِ مَرَضٍ السُكر اللعين الَّذِى أَصابَهُ بِسَبَبِ شِدَّةِ حُزنه عَلَى فُقدان نَجْلِه و وَدَّعْنا الْبَدِيع بَدِيعٌ خيرى بعد أن تَرَك لَنَا إرثاً لَا يُقدر بِثَمَنِ مِنْ الْفَنِّ و الْمُتْعَة و الضَّحِك الَّذِى كانَ يُؤْمِنُ أَنَّه الدَّواء الْوَحِيد لِكُلّ النَّاسِ فَكَانَ دَائِمًا مَا يَقُولُ ” الضِحكَة هِيه اللى فِيها الدَّوا و أَنا بِحَبٍّ أضَحك النَّاس علشان مِن ضحكتهم بِحِسّ إِنِّى عَايِش ” .. مِن المواقف الكوميدية التى حدثت لبديع و رفيق عُمره الريحانى أيضّاً و التى كان الْمُؤَرِّخ الفنى الرَّاحِل عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ الشَّهِير بـ ” ميكى ماوِس ” قد ذَكرها فى إِحْدَى حلقاته التِّلِيفِزْيونِيَّة الَّتِى كَان يَسْردَها عَنْ تَفَاصِيلِ حَياة النُّجُوم أَنْ نُجِيبَ الريحانى قَد انْدَهَش حِين أَخْبَرُوه بِوَفاة والِدِه صَدِيق عُمره بَدِيعٌ بِأَن عزاءها سَيَكُونُ فِى الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ بَدِيعٌ مَسيحياً مِثْلَه ! و حِين اِلْتَقَى بهِ بَعْدَ أُسْبوعٍ مِنْ الْعَزَاء قالَ لَهُ ” أَنا كُنْت فاكرك مسيحى زَيَّى و الْغَرِيبَةِ أَنَّ عُمرك مَا قلتلى إِنَّك مُسْلِم ” فَرَدَّ عَلَيْهِ بَدِيع ” ماهو أَنْت مسألتنيش و أَنا ماهتميتش إِنى أَقُولك لِأَنَّ الْمَوْضوعَ دَه مايفرقش معايا زى ماهُو مايفرقش معاك برضة لِأَنّ دينى و دِينِك مالناش يَد فِيهِ و رَبَّنا وَحْدَه اللى حايحاسبنا عَلَيْه “و هو مايُجّسِد طَبِيعَة الْعَلَاقَة آنذاك بَيْن المُسلمين و اخوانهم المسيحيين فى مِصْرَ قَبْلَ أَنْ يبتلينا اللَّهِ وَ يَبْلَى وطننا العَزيز بالهّجمة الوهابية القميئة الَّتِى باتَت تُفَرِقَ و تَضْرِب جُذور المُجتمع الْمِصْرِىّ و الْعَرَبِىّ أيضّاً و أَضْحَت عاملاً أصيلاً فى تَمْزِيق نَسِيج الْأَوْطَان .. رَحِمَ اللَّهُ بَديعُ خيرى و تَجاوَزَ عَنْ سَيِّئاتِهِ و أَسْكَنَه فَسيحَ جَنّاتِهِ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى