كتاب وشعراء

تحذير …….. بقلم // نتالي دليلة

تحذير :
يا من تقرأ حروفي المفقودة ، أنتَ على وشك أن تقوم بأعقد رحلة على الإطلاق ..
رحلة إلى ذاتك الضّائعة ..
أغمِض عينيك ، بعيداً عن ضجيج هذا العالم الصّاخب ، ستسمع صوتاً يردِّد في أعماقك
” أنتَ لستَ بخير ، أنتَ في صراع مستمرّ معك .. أجل معك ، فأنتَ عدوّك الأعظم و ملاذكَ الأرحم ”
ستفتح عينيك خوفاً و تحدِّق بالفراغ صامتاً متعجّباً من تعقيد النّفس و غموض مكنوناتها و آنيّة مشاعرها المؤقتة سريعة الزوال …
لربّما تراودكَ بين الحين و الآخر مشاعر سلبيّة مبهمة المصدر و أحزان لحظيّة غير مفسّرة
طيفُ الوحدة يتلبّس وجدانك فيبعدكَ كلَّ البُعد عن ضوضاء محيطك و يُقصيكَ عن السّخافة السّطحيّة لمجتمع لا يعبَأ بنظرك إلّا بالقشور الخارجيّة المُصطنعة
دوماً ما تشعُر بإنّك ناقص الاكتمال
منبوذ من الجميع على الرّغم من أنّك محاط بهم
تبحث عن باب للهروب تاركاً جميع الأعمال في منتصفها
و تُحارِب الزّمن بحثاً عن الحلقة المفقودة من الأحجية مُصطنعاً القوّة بابتسامة عفويّة في وجه كلّ غريب ..
عقلكَ الذّي لا يُمسِك عن التّفكير دوماً ما يأخذكَ في رحلة عسيرة إلى الماضي البعيد
ذاكَ الماضي الديجوريّ الذّي لم يسبُق و دخلتَهُ بحثاً عن الإجابة التي و لَربّما كانتْ دوماً أمام عينيكَ اللّتين ولربّما لم تُبصرا النّور بَعد ..
يا مَن تقرأ حروفي المفقودة عُدْ بذاكرتكَ إلى طفولتك المهَمَّشة حين كنت كتلة من اللاّمبالاة الأُسريّة…
حاجيّاتك الطفولية من ألعاب وطعام ورسوم متحرّكة ، حياة في منتهى الرّحابة و البساطة فكلّ شيء كان بخير ..
كَبِرتَ و حانتْ المُراهقة ، باتَ منطِق تفكيرك ثابت التّركيز على ( الأنا ) و حاجات ( الأنا ) لإشباع الذّات قلباً و قالباً
فتمسّكتَ بقاعدتين :
١- هيئتك و هِندامك هما كلّ شيء
٢- ربيع عمرك لكَ وحدك فأصبحتَ لا تُبالي بالغير ، و الغَير هُنا ترمز لوالديكَ أولاً و لباقي البشر ثانياً
ولكن ..
ولكن ماذا عن المرّات التّي قبّلتكَ فيها والدتكَ مُبتسمة و قالَتْ لكَ أنّ كلّ شيء بخير
ثمّ عادَتْ إلى غرفتها و بَكَتْ في أحضان أبيك عجزاً فالوضع المادّي لم يَكُنْ بالمُريح أو حتى بالجيّد
ماذا عن شقائهما ليلَ نهار من وظيفة مُتعبة إلى أخرى أكثر عناءً كي تحظى بالزيّ الراقي و المناسب للاحتفال الذّي أبيتَ أن تخبرهما عنه
أو عن تلكَ اللحظة التّي صَرختَ فيها متأفّفاً من نصائحهما التّي اعتبرتها و بكلّ قسوة تطفّل على حياتك الخاصّة
ماذا عن دَمعة أبيكَ التّي ذُرِفَتْ حسرةً على حياةٍ تمنّاها و لم يبلغها …
إلّا أنّ النّفس البشريّة مقنّعة أمّارة بالأنانيّة
تنصاع إلى ذاتها كلّ الانصياع و تبدّل أقنعتها دون تكرار
تغذّي نفسها بالأوهام الموبوءة جاعلةً ( الأنا ) سلاحها الدّائم ، فعينُ الإنسان يا عزيزي لا ترى إلّا ما تختارُ أن تراه
أنتَ يا مَن تقرأ حروفي المفقودة ، اعلَم أنّ ترياق هذا البلاء هو قَتلُ ( الأنا ) ..
أجل قَتلَها
فمشاعر البؤس التّي تراودك بين الحين و الآخر ما هي إلّا تراكمات يائسة و صرخات مكبوتة و دموع مقيّدة لَم تُبصِر العالم الخارجي لغرق النّفس بذاتها
أنتَ يا مَن تقرأ حروفي المفقودة ، أجهِض الإستئثار من رحم جوارحك و بَجِّل كلَّ يَدٍ هَرِمَتْ في خدمة كيانك قبل أن يفوتَ الأوان …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى