ثقافة وفنون

حصار الايام , تل السلاح

حصار الايام , تل السلاح 

بغداد – عدنان القريشي 

القصة القصيرة جنس ادبي مهم , وهو فن التكثيف الصعب , وعندما تكتمل ادوات هذا الفن لدى القاص , فإنها تكون مهنة يمتهنها , شأنها شأن أي مهنة اخرى , وكلما خاض غمار الكتاب في هذا الجنس , تزداد تجربته وتنصقل موهبته اكثر وتكبر داخل عقله ملكة المخيلة السردية وتكون خصبة ويطوعها كما يريد , وكيف ما يشاء , وكذلك تزداد خبرته في التعامل مع الفكرة والحدث لتدخل في مختبر المعالجات الفنية والتي تعتبر من اهم ادوات فن القص , في مجموعته القصصية ( حصار الايام , تل السلاح ). 
 يقدم لنا القاص يوسف عبود جويعد تجربة وان يكن تعامل بها بعض كتاب القصة , الا أنها اختلفت بكونه اكثر قرباً , وأكثر تماساً مع الاحداث والافكار , أي أنه ترك المنضدة , وترك الخيال , وترك الورقة والقلم والتأمل وشحذ الذهن من اجل الحصول على افكار تصلح ان تكون قصة , ونزل الى الشارع , الى السوق , الى الاحياء الشعبية , الى الاماكن التي تحدث فيها الانفجارات , دخل الى حياة الناس , وعاش بينهم , تحسس معاناتهم , وشاركهم الشقاء والتعب , واستلهم من هذا النهر الجاري الكبير , نماذج من الافكار , واحداث , وحكايات , ليقوم بتوظيفها وادخالها الى اطار اشتراطات الكتابة في فن القصة , واعتمد على الاحداث الحياتية الواقعية كنقطة انطلاق لتشكيل هيكل المبنى السردي وراعى في تناول كل نص سردي السياق الفني التتابعي , أي أن الاحداث السردية تكون في مسيرة حركتها بتسلسلها المنطقي نحو , التعريف , الحبكة , التازم , الانفراج , التصاعد , التواتر , الاحتدام , موظفاً وملتزماً بادوات القص , الشكل , المضمون , الزمان , المكان , الشخوص , الثيمة , وكذلك تضمينها الرسالة الانسانية الموجهة للمتلقي , والرسالة الادبية , والانساق الثقافية المضمرة , وأنه لجأ الى ان يكون هذا الجنس وبقية الاجناس الادبية يستمد احداثه وحكاياه من بين الناس , ويكون موجها لهم ومن اجلهم , حيث ان الحاجة الآن باتت ضرورية وملحة لخلق ادب ابداعي شعبي , يتابعه عامة الناس , وليس ذلك الادب الابداعي الذي يوجه للنخبة فقط دون ان يراعي اهمية ان يكون شاملاً وعاماً , ويهتم به ويتابعه كل الناس , وقد ضمت مجموعته سبعة وعشرين قصة قصيرة , الا أن كل نص سردي يختلف عن الآخر , في قصة  ( آثار باقية ) نعيش اجواء الروتين المقيت , الذي يؤدي الى تدهور صحة المرء في مراجعة الدوائر , بينما تدور احداث قصة (الانتقال ) في الحقبة الزمنية في بداية السقوط واعمال النهب والسلب , واحداث قصة ( الدائرة ) تتحدث عن الاخطاء التي ترتكب من قبل الموظفين في الدوائر الرسمية , ويتحمل وزرها المواطن , اما قصة ( الدرس ) فإنها درس عميق لموظفة تتعامل مع المراجعين بقسوة , وقصة ( الرصيد ) تكشف لنا عمليات الاحتيال والنصب التي تقوم بها شركات الاتصال , من اجل ابتزاز المشترك , وسحب امواله , وقصة ( الساحة ) تدور لحظة الانفجار وما حدث فيه , وقصة (القوارير ) تدور احداثها حول استخدام العنف مع المرأة والواقع المتخلف , والنظرة الجاهلة لها , وقصة  ( النصيب ) تدور حول الصدفة التي تسببت بارتباط شاب وفتاة , بالرباط المقدس الزواج , اما قصة ( اوجاع في الذاكرة ) فإنها ذكريات من زمن الحرب , وقصة   ( باقون ) تؤكد الحقيقة التي مفادها أن كل ما مر على البلاد من حروب وضيم وقهر , فإنه سيمضي ويبقى البلد , وهكذا ديدن بقية النصوص في هذه المجموعة , وهنالك قصص تطرح واقع الحياة في الاحياء الشعبية الفقيرة المكتظة بالسكان , وفي قصة ( بيوت من الطين ) نكون مع اقسى ما يواجهه الانسان الفقير في البيوت العشوائية التي تشيد من الطين والجينكو , حيث تتعرض الى التدمير بسبب الامطار الغزيرة المصحوبة بعواصف رعدية , وغرقها في مياه الامطار , إن مهمة القاص تزداد صعوبة وتكثر مسؤوليتها كلما تقادم الزمن عليه وخبر ادواتها , واجاد صنعتها , الا أن هذه الصعوبة والقسوة والمسؤولية , تشكل لديه اجمل الاوقات كونه يؤدي مهام تعود بالفائدة والمتعة والتشويق لدى المتلقي , وتعكس واقع الحياة التي يعيشها , ولكن بالسياق الفني الصحيح الذي يتطلبه هذا الجنس الادبي المهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى