رؤى ومقالات

أشرف الريس يكتب : غول الفساد و أولويات التنمية !

بادئ
ذى بدئ لابد لنا من الإعتراف بأن الفساد قضية مُعقدة و خِلافية و أنه ليس هناك قولٌ
فصلٌ لا فى تحديد أسبابه ولا فى قياسه و من ثمَ فكل حديث عنه هو مجرد إجتهاد يحمل وجهة
نظر مُحددة و قد تكون بل من المؤكد أن تكون هناك وجهة نظر أخرى ،، و النقاش حوله يشغل
الأكاديميين و لكن دعوة أجهزة الدولة إلى أن تفصل فى ذلك النقاش الذى يدور حوله هو
تحميل لها بما هى ليست بالضرورة مؤهلة له و خُصوصا إذا كانت الهيئة حكومية أو قضائية
! إلا ماندر و مابدأ تفعيله مُنذ عام و نيف لهيئة الرقابة الإدارية بمُمارسة عملها
دون خطوطٍ حمراء ! كما كان يحدُث فى فترة حُكم اللص المخلوع مُبارك كتلك القضية الآخيرة
بمجلس الدولة التى تكشفت خيوطها منذ أسبوع و التى كان بطلها جمال اللبان مُدير المشتريات
بمجلس الدولة و شريكة أو المُتستر عليه ! المستشار وائل شلبى الأمين العام لمجلس الدولة
! ,, و إذا تطرقنا لأنواع الفساد فهناك الفساد السياسى مثل تزوير الإنتخابات و هناك
الفساد الأخلاقى و هو البعد عن معايير الأخلاق الحميدة التى يقبلها المجتمع و هناك
الفساد الإدارى مثل المُجاملة فى الترقيات و فى التعيين داخل الجهاز الحُكومى إرضاءاً
لأصحاب النفوذ أو مُجاملة للأقارب و هناك الفساد المالى مثل الإنخراط فى مُمارسات الإختلاس
من المال العام أو قبول الرشوة و هناك الفساد الصغير الذى ينتشر بين صِغار الموظفين
بورقة 20 جنيه و التى إرتفعت مع إرتفاع أسعار السلع و الخدمات ! و صارت 50 و 100 جنيه
التى يتم دسها للحُصول على شهادة حُكومية هى حق مؤكد لمن يطلبها و هناك الفساد الكبير
مثل تلقى كبار الموظفين عُمولاتٍ سخية لتسهيل تمرير صفقة مع واحدة من كُبريات الشركات
.. والواقع أن أخطر أنواع الفساد هو الفساد السياسى لأنه يصعب توقيع العقاب على من
ينخرط فيه فهل عوقب مسؤلاً مثلاً على جريمة تزوير الإنتخابات ؟ ,, و فيما يتعلق بالفساد
الكبير فمن المُلاحظ أنه يسهل على من برعوا فيه أن يجدوا لهم مخرجا إذا ما تم الكشف
عما قاموا به إما لأن القانون يسكت عن مثل هذه الممارسات أو لأنهم يجدون من المُحامين
عديمى الضمائر من يستغلون ثغرات القانون لتبرئتهم و هكذا كان حال الفساد الكبير الذى
إنخرط فيه كبار قادة نظام مبارك و التى إنتهت معظم مُحاكماتهم إلى تبرئتهم جميعاً
! و كأن الشعب هو من كان يسرق و يختلس و يرتشى و هو أيضاً من أدخل المُبيدات المُسرطنة
و تسبب فى كل ذلك الفساد و الإفساد !  ،، و
تفتق ذهن وزير العدل السابق عن الإكتفاء بالصُلح مع هؤلاء الفسدة و اللصوص و العفو
عنهم إذا ما دفعوا مبلغاً من المال و هم من البراعة بحيث يخفون مُعظم مصادر ثروتهم
ليتظاهروا أمام المحاكم بأن الدولة قد حصلت منهم على جل ثروتهم فلا يبقى منها سوى ما
يكفيهم من ضرورات الحياة ! و هو ما قد يستدر شفقة السُذج من المواطنين ! ,, و علاوة
على الفساد المالى الذى ينخرطُ فيه الموظفون العموميون أو من يشغلون مناصب عامة هى
أن أخطر أنواع الفساد التى لا تقع تحت طائلة العقاب و لا يُجرمها القانون مثل إهدار
المال العام إما لتحقيق كسب خاص أو إنفاقه فيما ليس ضروريا للوطن و ليس بالتأكيد أولوية
عالية له و هذا الفساد المالى يمكن أن ينجم عن إستغلال المنصب العام للحُصول على نفع
خاص و كما ذكرت هذه هى صورة الفساد الوحيدة التى تقفز فورا إلى الأذهان ,, و كمثل للسياسات
التى تهدر المال العام الإبقاء على مشروعاتٍ خاسرة فى القطاع العام دون إعادة تأهيلها
أو الإبقاء على العمالة الضخمة و الخسائر الهائلة التى تتحملها ميزانية الدولة سواء
فى مبنى ماسبيرو أو فى مُعظم الصحف القومية 
،، و الجدير بالذكر أنه لو كانت كل سياسات و مشروعات حكومتنا تخضع للنقاش العام
و تجرى بلورتها بعد مُقارنتها بالبدائل الأخرى لتجنبنا كل هذا الهدر فى المال العام
في وقت تعانى فيه ميزانية الدولة من عجز يصل بحسب الحساب الرسمى لأكثر من 11% من الناتج
المحلى الإجمالى ,, و لو كانت سياساتنا فى كافة المجالات تفى بشروط الحُكم الرشيد من
إلتزام بحُكم القانون ومن رشادة فى صنع القرار و شفافية و مساءلة و مشاركة شعبية لأمكن
الحد كثيراً من توحش غول الفساد اللعين و توجيه الجانب الأكبر من مواردنا لدفع تنمية
طاقاتنا الإنتاجية و النهوض بالتعليم و الصحة و هما من أولويات التنمية الإنسانية و
الإقتصادية التى إتبعتها كل الدول التى كانت أفقر من مصر عشرات المرات و  خرجت سريعاً من عُنق الزُجاجة و نهضت أيضاً فى فترة
قياسية كأندونيسيا و ماليزيا و البرازيل التى كانت أفقر دول العالم منذ 15 عاماً و
أضحت سادس أقوى إقتصاد على مستوى العالم 
!   . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى