ثقافة وفنون

العتبة .. قصة قصيرة .. لـ : مي شريف

منذ
زمن بعيد وانا اعيش فى نفس المكان .نفس الحى . نفس الشوارع نفس الجيران . حتى الايام
اصبحت متكررة بشكل يثير الدهشة .ما من شئ تغير الا بعض الجيران والسكان الجدد لكن العادات
كما هى والتدخل فى حياة الغير كما هو . فكرت كثيرا فى الانتقال الى مكان اخر الا ان
الوضع المالى لم يكن مُيسرا وكان لزاما علي ان ابيع البيت الذى اعيش فيه لاشترى فى
مكان اخر فهذا العقار ميراث قديم .! وللمزيد من العجب ان باقى الاطراف يرفضون بيعه
وكانهم متمسكين بالجذور .

وحيث
ان عقلى يرفض الاقامة فى هذا الحي ووسط هذا العالم فقد اتخذت لنفسى عالم اخر . اصبحت
اتقن العديد من الاشياء . ربيت عقلى على ثقافة مختلفة وطريقة مختلفة فى الحديث والحياة
والتفكير . الى ان اعتزلت بالفعل عالمى الحقيقى الذى اعيش فيه وما يحتويه من جهل وتدخل
فى حياة الاخرين لدرجة الافساد

فعلت
كل ما بوسعى لاخرج من هذا العالم الا ان كل شئ كان ضدى . والسنين تمر وتقتطع من عمرى
وروحى حتى اقتربت مشاعرى من التبلد واصبح الحزن رفيقى الذى لا يتركنى

الى
ان قابلة بالصدفة البحتة  . وكانى قابلت روحى
الضائعة منذ سنين كثيره . كان يشبهنى فى كل شئ حتى ظننت انه توأمى الذى انفصل عنى وها
هو قد عاد من جديد لتعود الى روحى الغائبة

اعترف
ان خوفى من كل شئ جعلنى ابدوا كالجليد لكنى كنت احارب ذاتى لتعود الى حياتها ويعود
قلبى للنبض

فى هذه
اللحظة قررت الحرب على كل ما يربطنى بهذا المكان حتى لا اجد من يتدخل فى حياتى التى
اخترتها ليفسدها

حاولت
جاهدةَ تغيير العتبه . كما يقولون فى الامثال القديمة . فبعض الاماكن تحمل بداخلها
طاقة سلبيه تنتقل الى كل من يعيش فيها فتنقل الحزن الى قلوبهم والبرودة الى مشاعرهم

لكنى
للاسف فشلت فى المرة الاول . وللاسف حدث ما كنت اخشاه فقد زارنى فى هذا المكان الذى
اعيش فيه فنالته تلك الطاقه وافترقنا

وتأكدت
بالفعل ان للمكان عامل فى سلب طاقة النور الموجودة داخل القلوب  وتنير العقول

حاولت
للمرة الثانيه والثالثة ان اخرج من هذا المكان حتى قابلت صديق قديم  وتحدثت معه عما حدث فإذا به ينطق بنفس الحديث
(( غيرى العتبه ))

كيف
لى ان اقنع من حولى ان تغيير المكان ليس عيبا . والتمتع بالحياة فى مكان اخر ليس عيبا
فكفانا ما سلبه منا هذا المكان من عمر وعناء فى كل شئ

احيانا
كنت اعتقد انى مخطئة وان من ارادنى بحق فعليه ان يرضى بى مهما كانت ظروفى واينما كنت
اعيش

لكن
فى عصرنا هذا وفى عالمنا هذا فنحن لسنا فى زمن الحب الافلاطونى ولا عهد القديسين وكما
يقولون مكانك هو عنوانك وهو اصلك ونسبك

وللمرة
الاخيره حاولت الابتعاد عن هذا المكان فبعت كل ما املكه بمفردى واستأجرت مكانا صغيرا
فى حى بعيد عشت فيه فترة من الزمن وحدى  لكن
هذه المرة بارادتى

الى
ان قابلته مرة اخرى بالصدفة  وكأننا ما افترقنا
ولو للحظة واحدة تحدثنا كثيرا دون انقطاع

تمنيت
ان يعيد طلبه علي للمرة الثانية  وما ان قال
كلمته حتى بدأ الصراع بداخلى مرة اخرى

هل فعلا
ما حدث بيننا من فُرقة كان سببه المكان ؟ ام ان شئ اخر هو السبب ؟

هل فعلا
كما يقال كل شئ نصيب او ان قرارنا وارادتنا هى من تصنع النصيب ؟

لغيت
كل هذه الاسئلة واجاباتها من عقلى وغلبت ارادتى . نعم اقبلك وسأعيش ما بقى من العمر
بارادتى  . سأجرب خطواتى الاولى معك . حتى وان
لم تدم طويلا فعلى الاقل اكون قد جربت وسرت الطريق . فلن احكم على النهاية قبل البدأ
فى الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى