كتاب وشعراء

توافق نظرية رحلة البطل لجوزيف كامبل مع قصة توم سوير وقصص اليافعين المعاصرة… بقلم عيشة صالح محمد

تعد نظرية “رحلة البطل” لجوزيف كامبل إطارا رائعا لتحليل العديد من القصص والأعمال الأدبية، وهي إطار سردي قدّمه عالم الأساطير جوزيف كامبل في كتابه البطل ذو الألف وجه عام 1949. تصف هذه النظرية مسارا مشتركا للعديد من القصص والأساطير حول العالم، حيث يمر البطل عبر مراحل متعددة تبدأ بدعوته للمغامرة، تليها مواجهته لمجموعة من التحديات، وصولا إلى تحقيق هدفه واكتساب معرفة أو قوة جديدة، ثم العودة إلى عالمه الأساسي، حيث تركز على مسار البطل عبر عدة مراحل تجسد رحلته من عالمه المألوف إلى مغامرة غير متوقعة، ثم عودته وقد اكتسب معرفة وتطورا ملحوظا في شخصيته. نستطيع تطبيق هذه النظرية على قصة “توم سوير” لمارك توين، وتعد هذه القصة واحدة من أشهر الروايات الأمريكية التي تتناول مغامرات صبي يتيم يعيش في جنوب أمريكا في القرن التاسع عشر. وقد لاحظنا تطابق مراحل رحلة البطل مع أحداث قصة توم سوير في النقاط الآتية.

١ـ دعوة للمغامرة:

في بداية القصة، يعيش توم حياة مليئة بالمغامرات الصغيرة التي تثير اهتمامه وشغفه، يعيش مع عمته بولي، ويقضي أيامه في اللعب والمشاكسة. نلاحظ أن نقطة الانطلاق في “رحلة البطل” تبدأ عندما يكتشف توم ومجموعة من أصدقائه أحداثا غير متوقعة، مثل مشاهدتهم جريمة القتل التي يرتكبها “إنجان جو” في المقبرة. هنا كانت نقطة التحول لدخول عالم جديد من المخاطر، حيث يجد توم نفسه في مواجهة مع مخاطر لا يستطيع السيطرة عليها.

٢- الرفض الأولي للدعوة:

يشعر توم في البداية بالخوف من العواقب التي قد تترتب على شهادته حول الجريمة، ولا يجرؤ على إخبار الآخرين بما رأى. هذا التردد يدل على خوفه من المخاطر المحتملة ورغبته في تجنب التورط، وهو جزء أساسي من رحلة البطل، حيث يعكس النزاع الداخلي بين الرغبة في البقاء في منطقة الأمان والخروج إلى العالم المليء بالتحديات.

٣- لقاء المرشد:

على الرغم من أن توم لا يلتقي بمرشد تقليدي في القصة، إلا أنه يجد الدعم والتشجيع من صديقه هاكلبيري فن، والذي يمثل رفيق الطريق، هاك ظهر بشخصية لا تتبع التقاليد الاجتماعية ويعيش حياة حرّة على الهامش، وهذا ما شجع توم على تحدي القواعد والانطلاق في مغامراته. ساعده هاك من خلال تقديم نظرة جديدة على العالم وشجعه على مواجهة المخاطر دون حتى قصد منه.

٤- عبور العتبة الأولى:

يتخذ توم خطوة حاسمة عندما يقرر الذهاب إلى الكهف مع بيكي ثاتشر، حيث يواجه عالما من الرعب والظلام. هذا الكهف يمثل العتبة التي يعبرها توم من عالم الطفولة المليء باللعب إلى عالم أكثر خطورة، حيث يكتشف فيه شخصيته الحقيقية وجرأته. الكهف هنا يُعد عالما غريبا مليئا بالمخاطر التي لم يواجهها من قبل.

٥- اختبارات وحلفاء وأعداء:

تزداد حدة المغامرة عندما يُحتجز توم وبيكي داخل الكهف. يكتسب توم دروسا مهمة حول الشجاعة والإرادة، ويبدأ في مواجهة مخاوفه الداخلية. هذا الاختبار يمثل مرحلة أساسية في رحلة البطل، حيث يُجبر توم على مواجهة ذاته ومحاولة إنقاذ نفسه ومن يحبهم. خلال هذه المحنة، يتعلم توم الاعتماد على نفسه والتخلي عن تردده.

٦- المحنة الكبرى:

المحنة الكبرى لتوم تأتي عندما يواجه احتمال الموت داخل الكهف بسبب عدم قدرته على إيجاد طريق الخروج. في هذه المرحلة، يختبر البطل الخوف الأكبر ويمر بلحظة قد تكلفه حياته. تشكل هذه المحنة الكبرى تحديا حقيقيا يتجاوز المغامرات السابقة، حيث يجد نفسه مضطرا للنجاة في ظروف قاسية وخطرة.

٧- المكافأة:

بعد التغلب على المحنة الكبرى، يتمكن توم من الخروج من الكهف برفقة بيكي. هذه التجربة تجعله يعود إلى العالم وهو أكثر نضجا وقوة. بعد عودته، يكتسب توم المزيد من الاحترام من أصدقائه، ويشعر بالإنجاز الشخصي، فقد تعلم الصمود والإصرار، واكتسب ثقة جديدة في نفسه. يُعتبر هذا بمثابة مكافأة رمزية لشجاعته وجهوده.

٨- العودة إلى العالم العادي:

يعود توم إلى حياته اليومية وقد اكتسب خبرات جديدة. فقد تغير من الداخل وأصبح يرى الأمور بمنظور مختلف. التجربة التي مر بها جعلته يقدر العلاقات الإنسانية والقيم الأخلاقية أكثر من ذي قبل، فقد خاض تجربة جعلته يُدرك أهمية الشجاعة والمثابرة.

٩- تحول البطل:

التحول النهائي لتوم يظهر في نضوجه وقدرته على تقدير الأمور بشكل أعمق. رحلته عبر المغامرات والمخاطر جعلته شخصا قادرا على تحمل المسؤولية ومواجهة التحديات بشكل واعٍ. أصبح توم، الذي كان يسعى إلى التسلية فقط، بطلا يتمتع بالشجاعة والنضج، وهذه الصفات الجديدة تُهيئه لمغامرات الحياة المستقبلية.

نستطيع القول مغامرات “توم سوير” تجسيدا مثاليا لرحلة البطل كما صورها جوزيف كامبل. على الرغم من أن توم يواجه تحديات تبدو بسيطة نسبيا مقارنة بالأبطال الملحميين، إلا أن تطور شخصيته ونضجه يجعل رحلته مؤثرة على القارئ. فمن خلال المغامرات والأزمات التي يمر بها، يتحول توم من صبي صغير يعيش للعب إلى بطل يتمتع بروح المغامرة والشجاعة، مما يعكس جوهر “رحلة البطل” ويمثل قصة عالمية عن النمو والتحول.
نظرية “رحلة البطل” لجوزيف كامبل تتطابق إلى حد كبير مع قصة “توم سوير”، لكن ليس بشكل كامل. توم سوير، كبطل مغامر، يمر بمراحل عدة تشبه مراحل رحلة البطل مثل “دعوة للمغامرة”، “الاختبارات والمحن”، و”العودة بتغيير”. ومع ذلك، تفتقر القصة لبعض العناصر، مثل دور المرشد التقليدي، الذي غالبا ما يكون شخصية حكيمة أو خارقة للطبيعة تدعم البطل وتوجهه. في حالة توم، تأتي هذه الإرشادات بشكل غير مباشر من أصدقائه، وخاصة هاكلبيري فن.
بشكل عام، يمكن القول إن نسبة تطابق قصة “توم سوير” مع “رحلة البطل” نسبة مرتفعة لأنها تشمل معظم مراحل الرحلة وتطبيقها على تطور شخصية توم، لكنها تفتقر لبعض الجوانب التقليدية والرمزية التي تميز “رحلة البطل” في القصص الأسطورية.

رحلة البطل في قصص اليافعين العصرية:

نظرية “رحلة البطل” لا تزال مفيدة وفعّالة لقصص اليافعين، حيث توفر إطارا قويا يمكن للقراء الشباب أن يتعاطفوا معه ويفهموه بسهولة. تساعد النظرية في بناء قصص مشوقة تجمع بين المغامرة والنمو الشخصي، مما يجعلها مثالية للقراء اليافعين الذين يبحثون عن قصص تحمل مغزى وتتيح لهم استكشاف أفكار مثل الشجاعة، والصداقة، والتغلب على التحديات.
يستطيع اليافعون التفاعل مع المراحل المختلفة في “رحلة البطل”، كدعوة البطل للمغامرة، والمحن التي يمر بها، والانتصار النهائي، لأنها تشبه ما يمرون به خلال انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى البلوغ. هذه المراحل تخلق قصة ذات بناء درامي جذاب يسهل فهمها وتقديرها، وتوفر رسالة ضمنية حول النمو والتعلم من التجارب، وهي مواضيع تناسب هذه الفئة العمرية.
وفي ظل تطور الأدب واتجاهاته الحديثة، قد يحتاج الكتّاب أحيانا إلى تحديث أو تعديل بعض جوانب “رحلة البطل” لتكون أكثر ملاءمة لتطلعات القراء اليافعين اليوم، خاصة عندما تتناول قضايا معاصرة أو تتبع أساليب سردية غير تقليدية.
هناك بعض الجوانب في “رحلة البطل” قد تحتاج إلى تحديث لتتناسب أكثر مع أدب اليافعين المعاصر واهتماماتهم، ومن هذه الجوانب:

تعدد الأبطال وتنوع الشخصيات:
في القصص الحديثة، قد لا يكون هناك بطل واحد فقط، بل مجموعة من الأبطال أو شخصيات رئيسية متساوية في الأهمية، مما يمنح كل شخصية دورا فريدا في الرحلة ويعزز القيم الجماعية، مثل التعاون والصداقة. كذلك، يجب أن تعكس الشخصيات تنوعا أكبر من حيث الثقافة والخلفيات الاجتماعية لتكون قريبة من قراء اليافعين في مختلف أنحاء العالم.

تقديم مرشد غير تقليدي:
في “رحلة البطل” التقليدية، يكون المرشد غالبا شخصية حكيمة أو خارقة للطبيعة، لكن يمكن تحديث هذا العنصر من خلال جعل المرشد شخصا شابا مثل البطل، أو حتى شخصية غير مثالية تتعلم وتُطور مهاراتها مع البطل، ما يعكس واقعية أكبر ويسمح لليافعين بترسيخ مفهوم الإرشاد التعاوني أو الإرشاد الذاتي.

دمج قضايا معاصرة:
حيث ترتبط التحديات التي يواجهها البطل بقضايا حديثة قد يواجهها اليافعون، مثل الهوية، والتحديات النفسية، والتغيرات المناخية، والعدالة الاجتماعية، والتنمر، والقلق من المستقبل. هذا التحديث يجعل الرحلة أكثر ارتباطًا بالحياة المعاصرة وذات صلة مباشرة بتجاربهم.

دوافع البطل من الرحلة:
في “رحلة البطل” التقليدية، يكون البطل غالبا مدفوعا بحس الواجب أو الشرف، لكن الأدب المعاصر قد يتبنى نظرة أعمق وأكثر إنسانية، حيث يُظهر الصراعات الداخلية للبطل وتردده في مواجهة التحديات، وقد يقوده دافع شخصي أكثر تعقيدا من مجرد البطولة التقليدية. يمكن للبطل أن يواجه تساؤلات أخلاقية وتجارب تضعه في مواقف يتعين عليه فيها التفكير خارج نطاق الثنائيات التقليدية بين الخير والشر.

أسلوب السرد غير الخطي:
تتبع “رحلة البطل” التقليدية أسلوبا خطيا، لكن يمكن تحديث السرد من خلال اعتماد تقنيات مثل السرد غير الخطي أو التنقل بين الأزمنة، مما يجذب انتباه القراء الشباب ويفسح المجال لتقديم تجربة سردية أكثر ابتكارا.

التركيز على القيم الذاتية والتنمية الشخصية:
في القصص الحديثة، غالبا ما تكون قيمة الرحلة في النمو الشخصي وتقبل الذات، وليس في الوصول إلى هدف خارجي أو إنجاز بطولي محدد. يمكن أن تُظهر القصة أن رحلة البطل هي رحلة داخلية، حيث يتعلم عن نفسه، ويقبل نقاط ضعفه وقوته، ويجد السعادة في التصالح مع ذاته.

فتح النهايات:
عوضا عن النهايات الحاسمة، يمكن تحديث “رحلة البطل” بتقديم نهايات مفتوحة تدعو اليافعين إلى التأمل وإعادة التفكير، مما يسمح لهم بتصور نهايات تتناسب مع رؤيتهم للعالم وتجعل القصة أكثر واقعية.
بهذه التحديثات، يمكن أن تبقى “رحلة البطل” إطارا فعالا لقصص اليافعين، مع إضافة المرونة اللازمة لعكس اهتماماتهم وتجاربهم في العصر الحالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى