رؤي ومقالات

قراءة تحليلية أكاديمة للشاعر والناقد العراقي المبدع أ.علاء الأديب

قراءة تحليلية اكاديمية
في نص الشاعرة العراقية نيسان سليم رأفت
(مريم)
بقلم علاء الأديب

استهلال٠
……………
تُعد قصيدة نيسان سليم رأفت، التي تستهلها الشاعرة بجملة “لقد عادت الشمس…”، نصًا شعريًا كثيفًا يعكس حالة من القلق الوجودي، ويؤسس لمساحة تأملية تقع عند تقاطع الذاتي بالجمعي، والوجداني بالوطني. تنتمي القصيدة إلى فضاء قصيدة النثر، وهو شكل شعري تحرري اختارته العديد من الأصوات الشعرية المعاصرة للتعبير عن واقع مشوش، وانهيارات فردية وجماعية باتت تتعذر على الأشكال التقليدية تمثيلها.
تكتب نيسان رأفت من قلب الجراح اليومية، حيث يصبح الحديث عن الحب فعل مقاومة، والعودة إلى الذات عملية مريرة محفوفة بالفقد، والحنين، والخوف. يظهر في هذا النص تداخل واضح بين ثيمات الحنين، الحب، الانكسار، الأمل، الحرب، والكتابة، ما يجعل القصيدة مرآة لتجربة إنسانية عميقة تستبطن داخلها قلق العصر، وتطرح من خلالها سؤال الخلاص بصورة شعرية آسرة.
تكمن أهمية النص في قدرته على تطويع اللغة الشعرية لتقول ما هو شخصي وعام في آنٍ واحد، من خلال إيقاع داخلي هادئ، وصور تنبع من الوجع أكثر مما تنبع من الزخرفة الجمالية. إنها كتابة “ما بعد الأمل”، أو الأمل الذي يُنتزع من فم الهاوية، كما سيظهر في تحليل المحاور التالية، بدءًا من البنية الفنية، مرورًا بالثنائيات المتصارعة، ووصولاً إلى الرمز والدلالة.
المحور الأول: البناء الفني والبنية النثرية
………………………………………………
تنتمي القصيدة إلى جنس “قصيدة النثر”، وهو الشكل الشعري الذي يتيح حرية واسعة في بناء المعنى دون التقيد بإيقاع أو وزن تقليدي، ويُركّز عوضًا عن ذلك على الكثافة الدلالية، والارتكاز على الصورة، والمفارقة، واللغة اليومية المنحوتة بعناية. وفي هذا النص، تستثمر نيسان سليم رأفت هذه الإمكانات لتشييد نصٍّ تتناوب فيه نبرة البوح الداخلي مع تأملاتٍ في الواقع الخارجي.
تتسم البنية الشكلية للنص بالتنقل الحر بين المقاطع، دون أن تُقيّد الشاعرة نفسها بتقسيمات نمطية أو فواصل صارمة. بل إن هذا التداخل بين العبارات الطويلة والتوقفات الخاطفة يمنح القصيدة طابعًا شبه سردي، حيث تسير اللغة كما لو كانت تدفقًا داخليًا متقطعًا، يعكس حال الشاعرة النفسية ويوازي ارتباك العالم الخارجي. هذا ما نلمحه في قولها:
“كنت سأفرح لو أنني اصطدمت بك صدفةً
ووقفنا نصف ساعة كما في الأفلام…”
هنا تمتزج السردية السينمائية بالبوح الشعري، فيتحول المقطع إلى مشهد داخلي كامل، يختزن الأمنيات والخيبة معًا.
أما من حيث البناء الدرامي، فالقصيدة تبدأ بعودة الشمس، إيحاءً بعودة الحياة أو الأمل، لكن سرعان ما يتصدع هذا الضوء تحت وطأة واقع سياسي ونفسي خانق:
“هذه الأيام صعبة
أفمن يكتب عن الحب؟”
بهذه التساؤلات، يتحول النص من البوح العاطفي إلى خطابٍ تأملي عام، فيه تحوير فني للتجربة الذاتية كي تلامس مشاعر القارئ وتُدرج في سجل التجربة الجمعية.
كما تستعين الشاعرة بنبرة قريبة من المحكية أو التلقائية الوجدانية، غير أنها تحافظ على لغة شعرية غنية، متخمة بالمجازات والاستعارات، وهو ما يحقق توازنًا لافتًا بين العفوية والبناء الجمالي، كما في:
“أحبطته تصاريف الأقدار حتى ضاقت الحدقات
وأصبحتُ… كالضرير أعاود الاصطدام بحائط أعمى”
الاشتغال على الصورة هنا يتجاوز المجاز التزييني إلى تكثيف المعنى، إذ لا ترى الذات سوى جدار من العمى، في استعارة مزدوجة للعمى الواقعي والداخلي.
في ضوء ذلك، يمكن القول إن البناء الفني للنص يرتكز على حركتين متوازيتين: حركة لغوية نثرية تتشظى بتلقائية، وحركة دلالية مضمرة تنحت تجربة وجودية تحاول أن تجد خلاصها عبر اللغة والرمز والحنين.
المحور الثاني: ثنائية الحب والحرب – صراع الذات والجغرافيا
واحدة من أبرز المفاتيح الدلالية في القصيدة هي الثنائية المتكررة بين الحب والحرب، بين ما هو شخصي حميمي وما هو عام مدمر. تطرح الشاعرة هذه الثنائية لا باعتبارها مفارقة لغوية فحسب، بل كصراع وجودي داخلي تعيشه الذات وسط عالم مهدد ومتشظٍ.
منذ مطلع القصيدة، يتبدى هذا التوتر:
“هذه الأيام صعبة
أفمن يكتب عن الحب؟”
بهذا التساؤل القاسي، تعلن الشاعرة عن استحالة الكتابة الرومانسية في زمن مفخخ بالمآسي. فالحب الذي عادة ما يكون مساحة للنجاة والحميمية، يبدو في هذا السياق كنوع من الترف غير الممكن. لكن ما يلبث النص أن ينقلب على هذه الفرضية، إذ يتضح لاحقًا أن الحب، رغم كل شيء، يظل وسيلة فعلية للمقاومة الوجودية.
في مقطع حميمي بالغ الحساسية، تقول:
“كنت سأفرح لو أنّني اصطدمت بكَ صدفةً
ووقفنا نصف ساعةٍ كما في الأفلام
نحدق بوجوه بعضنا…”
هنا يستعيد الحب موقعه بوصفه طوق نجاة نفسي. فالذات، المنهكة والمحبطة، لا تبحث عن خلاص خارجي، بل عن لحظة مصادفة قادرة على تذكيرها بإنسانيتها، بملامحها، وبجمالها حتى:
“فأراني جميلة، وحالي على ما يرام”.
هذه الصورة البسيطة تنطوي على مقاومة ناعمة للخراب: أن ترى الذات نفسها جميلة في عيون الآخر، رغم البشاعة المحيطة، هو بمثابة إحياءٍ رمزي لها.
في المقابل، لا تغيب الحرب عن أي مفصل من مفاصل النص. إنها لا تُذكر فقط كمأساة سياسية، بل كحالة وجودية متوغلة في التفاصيل:
“الدماءُ باردة رغم دفء هذا الشتاء
ستنتهي الحرب رغم صعوبة الدرس…”
تصبح الحرب درسًا مؤلمًا في العيش، والتأقلم، والانطفاء الداخلي. كما يظهر أثرها النفسي في قولها:
“وأنا أحاول الكتابة لك
ولكل شيءٍ يقطن معي في هذه البلاد
أشعر وكأنني ما عدت أعرف شيئًا.”
البلاد تتحول إلى مكان للضياع الذهني، حيث تفقد الذات يقينها ولغتها ومعرفتها بذاتها. ويُستكمل هذا التدمير الرمزي للجغرافيا في صورة البلاد المعلقة على “أسوارها مناديل الوداع” و”الأصدقاء الذين بقيت ظلالهم تخيم على رؤوسنا”.
لكن الشاعرة لا ترضى بالانكسار الكامل. رغم كل ما سبق، تسجل القصيدة لحظات رجاء صغيرة، خاصة في ختامها، حين تقول:
“لن يكون هذا الشتاء بارداً
ثمة أمل يبعث على الفرح
وعيد… ففي العيد يعود الجميع صغارًا”
بهذا الإعلان المتفائل، تعيد الذات تشكيل نفسها رغم الحرب، وتمنح للحب، والأمل، والاحتفال قيمة رمزية لمواجهة القبح. وهكذا تتحول ثنائية الحب والحرب من تناقض إلى نوع من التوازي، حيث يُصبح الحب هو الأداة الممكنة الوحيدة لمقاومة الحرب لا بصفتها حدثًا خارجيًا، بل كمعطى داخلي يشوه الحياة والمعنى معًا.

المحور الثالث: اللغة والصورة – بين الحسية والمجاز
…………………………………………………………….
تتمتع لغة القصيدة بطاقة شعرية داخلية تنبع لا من التراكيب البلاغية أو الزخرفة اللفظية، بل من صدق التجربة التي تتسرب عبر العبارات، وتُعيد تشكيل المشهد الشعري بما يوازي حجم الألم والحنين والارتباك الذي تعانيه الذات. إنها لغة ناعمة، لكنها مشحونة بالتوتر؛ بسيطة ظاهريًا، لكنها مشغولة على مستوى الصورة والدلالة بشكل بالغ الدقة.

1. اللغة: بساطة خادعة واحتشاد دلالي
……………………………………………..
تلجأ نيسان سليم رأفت إلى لغة شفافة تقترب من التعبير المحكي أحيانًا، لكنها تحتفظ بروح الشعر في عمقها. فالجمل غالبًا قصيرة، منفعلة، متقطعة أحيانًا، وكأنها تكتب على إيقاع الخوف أو الانكسار أو التردد:
“وأصبحتُ… كالضرير أعاود الاصطدام
بحائط أعمى”
علامات الحذف هنا (الوقفة في “أصبحتُ…”) ليست فقط استراحة لغوية، بل تعكس تلعثمًا شعوريًا، وتحوّلًا داخليًا جارحًا. كذلك، فإن استخدام صفة “أعمى” للحائط، يوحي بأن حتى الجماد بات يشارك في غياب البصيرة والوضوح، ما يضاعف من الشعور باليأس.

2. الصورة الشعرية: المجاز المتكئ على الحواس
……………………………………………………..
الصورة عند رأفت لا تأتي من بُعد بلاغي خالص، بل من تفاعل مباشر بين الجسد، والمكان، والوجدان. الصور ليست مُقحمة، بل تنبع من عمق اللحظة النفسية:
“لقد عادتْ الشمسُ.. وقبلت ظفائري
وأطلقت سراح كل القاطنين
في ملاجئ قلبي”
في هذه الصورة المركبة، تُستدعى الشمس لا كمشهد طبيعي، بل ككائن عاطفي حنون، يقبّل، ويحرر، ويبعث الحياة. هذا التوظيف الحسي – الحنون للصورة يخلق أُلفة قوية بين الطبيعة والذات، ويؤسس لحالة رجاء أولية تُخالف ما سيأتي لاحقًا من قسوة.
كذلك الصورة التي تقول فيها:
“كيف باتت بلادنا مقهى للبكاء؟
كيف عُلقت على أسوارها مناديل الوداع؟”
تحمل هذه الصورة جمالًا ساخرًا مؤلمًا. فالمقهى، رمز اللقاءات والفرح، يتحول إلى مساحة جماعية للبكاء. والأسوار التي عادة ما تحمي، صارت تُستخدم لتعليق الوداع. هذه الانزياحات الدلالية تفتح الصورة على احتمالات رمزية عديدة.

3. الحسية والروحانية في توازن الصورة
………………………………………………
في أحد أبرز المشاهد البصرية تقول:
“كلما رفعت رأسي رأيتها تطالعني
كأنّها الروح الوحيدة في هذه السماء”
الصورة هنا تأملية، روحية، متعالية، تربط الذات بالسماء، وتمنح “النجمة” وظيفة الطمأنينة والرفقة. إنها ليست مجرد جرم سماوي، بل صديقة طريق، ترافق “صلبان الروح” في تعبير يحيل إلى الألم المسيحي والرمزية الخلاصية.
بهذا المعنى، تجمع القصيدة بين الصور الحسية (الظفائر، العيون، العشب، الفاكهة…) والصور المجازية الرمزية (النجمة، الحائط الأعمى، مناديل الوداع، صلبان الروح)، ما يخلق طبقات متراكبة من التلقي، تُغني النص وتمنحه امتدادًا دلاليًا واسعًا.
المحور الرابع: البُعد الرمزي والديني – خلاص شعري عبر الموروث المقدّس
تحمل القصيدة في بنيتها الداخلية إشارات رمزية ودينية تتجاوز الوظيفة الجمالية لتلعب دورًا وجوديًا في صياغة خطاب الذات وتصورها للعالم. تلجأ الشاعرة إلى الرمز الديني، لا باعتباره تكرارًا للموروث، بل بوصفه إمكانًا خلاصيًا، يتكئ على التاريخ والأسطورة لتجاوز لحظة الانكسار والضياع.

1. نداء “يا مريم”: لحظة استدعاء للخلاص
………………………………………………..
في ختام القصيدة، يبرز النداء:
“يا مريمَ، أعيدي هزّ النخلة وعجّلي
لوطني يستحق الخلاص…”
هذا الاقتباس المشحون من قصة مريم العذراء في القرآن (سورة مريم، الآية 25)، يتحول هنا إلى دعوة لتسريع لحظة الولادة من الألم، لا لجسد فردي، بل لـ”وطن”. تشبه الذات هنا وطنها بجسد منهك ينتظر الخلاص، وتحمل مريم رمزًا للحياة المستحيلة التي تُنتزع وسط الخوف، تمامًا كما وضعت العذراء مولودها في خضم العزلة والدهشة.
تكمن قوة هذه الصورة في تداخل العاطفي بالسياسي، والروحي بالواقعي: فالهزّ ليس فقط رجًّا للنخلة، بل دعوة لهزّ السكون، لتحريك الزمن الجامد، لبعث الحياة في جسد الوطن.

2. النجمة وصلبان الروح: رمز الطريق والمعاناة
……………………………………………………..
في مقطع آخر تقول الشاعرة:
“وتلك النجمة التي رافقت صلبان روحي طوال الطريق
كلما رفعت رأسي رأيتها تطالعني
كأنّها الروح الوحيدة في هذه السماء”
هذه الصورة محمّلة بإحالات مسيحية واضحة: النجمة هنا لا تقتصر على كونها دليلًا في السماء، بل تقترن بـ”صلبان الروح”، في تكرار للرمزية المسيحية المرتبطة بالفداء والألم والخلاص. النجمة التي تظهر دائمًا كلما “رفعتُ رأسي” هي تجسيد لصوت داخلي، مرشد، أو حتى وعي علوي يتجاوز المحنة ويمنح الذات اتساقًا رغم التفكك.
وهكذا يتحول الفضاء الديني من إطار عقائدي إلى مساحة رمزية، تُعيد الذات من خلالها تشكيل المعنى في عالم فقد تماسكه. كما تُمثل هذه الرموز وسائل لتحويل المعاناة من تجربة عبثية إلى رحلة لها أفق، ولو كان أفقًا غامضًا.

3. الطقس والاحتفال: العيد كرمز لعودة الروح
……………………………………………………..
في مقطع مؤثر تقول الشاعرة:
“لن يكون هذا الشتاء بارداً
ثمة أملٌ يبعث على الفرح
وعيدٌ… ففي العيد يعود الجميع صغارًا”

هنا، تُحمّل لحظة العيد دلالة روحية وشاعرية: ليس فقط حدثًا زمنياً، بل استعادة لبراءة مفقودة، ولإمكانية بدء جديد. الأطفال يعودون صغارًا، لا بالمعنى البيولوجي، بل بالشعور، بالدهشة، بالقدرة على الحياة دون أعباء الماضي.
العيد، بوصفه طقسًا جماعيًا دينيًا واجتماعيًا، يُوظف في النص كأمل كامن في المستقبل، حتى ولو كانت الحرب مستمرة.
بهذا المعنى، يمكن القول إن الرموز الدينية في القصيدة ليست ترفًا لغويًا، بل جزء من إستراتيجية الخلاص الشعري التي تعتمدها الشاعرة في مواجهة الحرب، والخسارات، والانطفاء النفسي. هي أدوات لمقاومة العدم، واستعادة الإيمان بمعنى ما، حتى في أقصى حالات التمزق.

خلاصة التحليل
…………………..
في قصيدتها المفتوحة على الذات والعالم، تنجح نيسان سليم رأفت في صياغة نصٍّ شعري كثيف يلتقط لحظة وجودية حرجة، حيث تتقاطع التجربة الفردية مع الخراب الجمعي، ويتداخل الحب بالحرب، والحنين بالألم، والرمز الديني بالأمل المستحيل. لا تنحاز الشاعرة إلى خطاب سياسي مباشر، بل تنسج خطابها من الداخل، من هشاشة الإنسان المعاصر، ومن محاولاته اليائسة للحفاظ على صوته وسط الجدران العمياء.
يتميّز النص ببنية نثرية تتسم بالتشظي الواعي، وتُجسّد اضطراب الذات وانكسار المعنى، دون أن تفقد قدرتها على الاستبطان أو الحلم. وبين اللغة البسيطة والصورة المركبة، تسير القصيدة على خيط دقيق يجمع بين الحسّية والرمزية، وبين الألفة اليومية والتمثيل الشعري العميق.
تقدّم القصيدة تصورًا شعريًا للنجاة، لا يتكئ على معجزات كبرى، بل على تفاصيل صغيرة: لقاء صدفة، نجمة، صوت داخلي، أو حتى ذاكرة جسد. وفي خضم هذا العتم، تُنهي الشاعرة قصيدتها بنداء يحمل رجاءً خافتًا، مفاده أن الوطن، مثل الروح، لا بدّ أن يُولد من جديد، إذا ما اهتزت “النخلة” بقوة الشعر والإيمان.
وهكذا، يمكن اعتبار النص جزءًا من خطاب شعري جديد، يكتب الذات العربية في لحظتها المضطربة، لا بلغة الصراخ أو التنديد، بل بلغة الهشاشة، والحنين، والمقاومة الناعمة التي لا تزال تؤمن بأن في العيد “يعود الجميع صغارًا”.

علاء الأديب
بغداد

نص القصيدة
لقد عادتْ الشمسُ..
وقبلت ظفائري
وأطلقتْ سراح َكل ِّالقاطنين
في ملاجئ قلبي لمدنِ نينوى….
هذه الأيام صعبة
أفمن يكتبُ عّن الحب ؟
ربما! ٠٠٠
أتفهمُ وأعذر
ونحنُ في بلاد
تتفرّقُ فيها كل ُالأشياء
لا أحدَ يحتملُ الوقوفَ على أهوالها
إلا رأسي المسنود على رقبةٍ طويلةٍ
بينما رأسُ مالي ضعيف ٌ، وجبانٌ
أحبطتهُ تصاريفُ الأقدار ِ
حتى ضاقت الحدقاتُ
وأصبحتُ…
كالضريرِ أعاودُ الإصطدام
بحائطٍ أعمى
الدماءُ باردة ٌ
رغم َدفء ِهذا الشتاء
ستنتهي الحرب ُ
رغم صعوبة الدرسُ
٠٠٠٠
مضى وقت طويل
وأنا أحاولُ الكتابةَ لكَ
ولكلِّ شيءٍ يقطنُ معي في هذه البلادِ
أشعر ُوكأنني ما عدتُ أعرف ُشيئاً.
كنت ُسأفرحُ لو أنّني أصطدمت بكَ صدفةً
ووقفنا نصف َساعةٍ كما في الأفلام ِ
نحدّق بوجوهِ بعضنا،
وأنت َتحاولُ أن تتهرب
فتتلفتُ ثم تعيدُ النظرَ
حتى أطالع َملامحي في عينيك
فأراني جميلة
وحالي على ما يُرام
من خلف ِالباب ِ
سأمضي معكَ،
إلى أيّامٍ أخرى جديدة
إلى بقعةِ عشب
وسلال الفاكهةِ التي سنجفّفُ بها خوفَنا
وتلك النجمة التي رافقت صلبان روحي
طوال الطريق
كلما رفعت رأسي رأيتها تطالعني
كأنّها الروحُ الوحيدةُ
في هذه السماء
التي تشبه سنواتي المصابة بكل ِّصديقةٍ قديمة ٍ
أعطني يديكَ ٠٠٠ وأنظر …
كيف َباتت بلادنا مقهى ًللبكاء؟
كيفَ عُلقت على أسوارها مناديلُ الوداع ِ
وأيادي الأصدقاء بقيت ظلالها تخيّم على رؤوسنا
لذا فضلنا النظر للأسفل
هروباً من بشاعة ِالأمكنةِ
لن يكون هذا الشتاء بارداً
ثمة أملٌ
يبعثُ على الفرحِ
وعيدٌ
ففي العيد يعودُ الجميع ُصغاراً

يا مريمَ أعيدي هز َّالنخلة وعجٌلي
وطني يستحقُ الخلاص…..

نيسان سليم رأفت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى