كتاب وشعراء

أضغاثُ أحلامٍ….بقلم عبدالله عياصره

_ تسلَّلَتْ إلينا في مَغرِبَ يومٍ قريبٍ أفعى قرناءَ، ما فتئت تُصارعُنا وتتقافزُ في أركانِ البيتِ الكبيرِ من غرفةٍ إلى غرفةٍ، وقد كُنَّا الإخوةُ والأخواتُ على وشكِ التئامِ اجتماعٍ عائليٍّ لم نجتمع بمثلِهِ منذُ فترةٍ طويلةٍ في بيتِ الوالدِ العزيزِ ، حفظه المولى، وأدامَ وارِفَ ظِلِّه علينا، فدَبَّ الخوفُ والرُّعبُ في قلوبِ الحاضرينَ، وعمَّ الصُّراخُ والهَرجُ والمَرجُ، وفي هذه الأثناءِ لاحقها أحدُ إخوتي، وهو ليس بالصَّرعةِ، بسيطٌ، والغريبُ في الأمرِ أنَّني كنْتُ أخالُه يخافُ حتَّى من خيالِه، ولكنَّه أظهر شجاعةً منقطِعةَ النَّظيرِ، فأمسكَ بذيلِها، وكاد أن ينالَ منها؛ إذ كان واضحًا عزمُهُ على طرحِها أرضًا، والفَتكِ بها، فأخَذَ يرطمُها بها يمنةً ويسرةً بكلِّ قُوَّةٍ وعزيمةٍ، على رأسِها الخبيثِ حتَّى الموتِ، غيرَ آبِهٍ بما قد يتعرَّضُ له من أذًى، وكأنَّه لا يرى أحدًا أمامَ ناظريه..
هذا ما قرأتُه في عينيه..
وأدركْتُه من عزيمتِه وقُوَّةِ زنديه..
ولكن.. للأسفِ أفلتَتْ من بين يديه!

_ وهنا؛ وفي لحظةٍ فارقةٍ تبدَّدَ بعضُ الخَوفِ لديَّ، وزال ما اعتراني من إرباكٍ، فهَوَيْتُ عليها بطرفِ مِعزقةٍ حادَّةٍ كانت قريبةً منِّي في زاويةِ ردهةِ الطَّابقِ السُّفليِّ المُفضيةِ إلى صالةِ الضُّيوفِ الواسعةِ، مكان اللِّقاءِ المُزمَعِ عقدُهُ، واجتماعِ الأُخُوَّةِ والمحبَّةِ المُنتظَرِ فسخَّرني اللهُ للنَّيلِ منها، وكان لي ما طَلبْتُ، فنِلْتُ بفضلٍ مِنَ اللهِ وتيسيرِه منها وقتلْتُها، وشقَقْتُها من النِّصف بضرباتٍ ثلاثٍ متتاليةٍ، ومن غريبِ ما وجدْتُه، ووقعْتُ عليه فيها، أمام مرأى الجميعِ والحاضرين أنَّ بطنَها خَواء!

_ هل لأنَّها كانت تتضوَّرُ جُوعًا، وتبحثُ بكلِّ شراهةٍ وجُنونٍ عمَّا تريدُ أنْ تلتهمَهُ من أكتافِ الإخوةِ والأخواتِ، وتمتصُّه من دمائهم بكلِّ استمراء وخُبثٍ، ثمَّ تُفرِغُ ما في رأسِها اللَّعينِ، وأنيابِها القَذِرةِ من سُمٍّ زُعافٍ، فلم يكن لها ما أرادَتْ؟

_ أم أنَّها كانت محض حُلمٍ وخيالٍ ووَهمٍ تسرَّبَ إلى عُقولِ الحاضرين في لحظةِ ارتجافٍ من واهمٍ مُرتعِبٍ خَوَّارٍ، وانتقلَتْ إليهم بالعدوى السَّالبةِ، والثَّرثرةِ الممجوجةِ القبيحةِ، فأضحَتْ وكأنّها لحظةُ فُقدانٍ للحقيقةِ واليقينِ؟!

_ وفي كلِّ الأحوالِ؛ نحمدُ اللهَ على نعمةِ الظَّفرِ، والانتصارِ على ذلك العدوِّ الخبيثِ، ووأدِ فتنتِه، ومنعِه من إفراغِ سُمُومِه في جسدِ أحدِ الإخوةِ أو الأخواتِ، أو لا قدَّر اللهُ، في إناءِ طعامِهم، فتكونُ الطَّامةُ أكبرُ إنْ كانَتْ في الحلمِ أو تأويِلِهِ!

_ استيقظْتُ..
ونظرْتُ إلى كلِّ من حولي..
فوجدُتُني بخيرٍ..
والجميعُ بخيرٍ..
فحمدُتُ اللهَ، واستعذْتُ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ، والتفتُّ إِلى يساري، وتفلْتُ ثلاثًا، وسألْتُ اللهَ العزيزَ القديرَ أن نبقى على خيرٍ ما دامَتْ لنا حياةٌ وأُخُوَّةٌ ومحبَّةٌ، ودامَ لنا بيتٌ وأبٌ ولقاءٌ واجتماعٌ ووئامٌ…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى