كتاب وشعراء

الشاعر والقرية /للشاعر يونس علي الحمداني

الشاعرُ والقرية
(1)
لأنكِ يا عاشقة التلالِ حضنتِ طيبة
نيسان كطفلٍ رضيع وحملتهِ صورة
تُبهر الأبصار لا تغيب عنها
كان نيسانُ يعودُ إليكِ قصيدة
ما خذلتها فصولُ قوس قزح
ولا ألوانه الفاتنة الأشكال
إذ شهور الربيعِ قصار
يقتلها أفولُ الزُّهور..
يا قريتي..
هأنتِ جالسةٌ على عرشكِ على التلالِ المستوية
حيث قبور أجدادي يُسكرها المطرُ المتشرِّب
وتنتشي بالكرم النازل
إذ يَجزي اللهُ أرواحَ الكِرَامِ بالمطر..
ألا تغصّين بكلِ وافدٍ
تقيَّأ عصى الترحال
كُلّ راحلٍ وراجعٍ أهزوجة
في عَصاه يكمن السّر.
(2)
من الممكن أن تثوري
والماءُ تحتكِ يجري بلطفِ طفولتي
بذكرى غارقة بالارتخاء
ما برحت تتهادى مع موجاته
التي تعانقُ شلالَ الهَزء
من الواقعِ المفجع..
أحلمُ بعد عُمرٍ طويل
بضريحٍ في ذرى التلال
تلك معذبتي وزارعة لوعة
الشوقِ في نُخاعي
وليست ذُرى الجبال
عنوان الغموض والمهاوي
مَن تنفُش ريشَها كطاووسٍ أكثر تيهًا وكِبرًا واختيالًا
بياضُ ثلجها وغزارتهُ
نوع من خيال أبيض.
(3)
كورنيشٌ من الغابات
على تخومِ الزاب.. اخضرار
طويل ينحدر مع انحداره
وكلُّ نقطةٍ فيه تُسبح بحمد
أغوارهِ وتغطِسُ وتَطلع نشيدًا
لأيامهِ السائرة نحو التشرُّب والنضوب..
ويومًا قد لا يرجعُ أخشى الاخضرار
ولا يستيقظ الحُلمُ به في الكرى الساخن
لعل (النزيز) لا يموت على الجبين
وتغوصُ أرجلُ الفلاحين
بلا طين.. في سرابٍ يتلجلج
بخيال الماءِ الآسن
هنا يطَمّر النهار في الضُحى الساكن..
وننادي ولا مهرب من مواجهة
الهُتاف.
(4)
النهرُ صديقٌ قديمٌ يعرفُ أسرار
ليلنا ويلهثُ في جمرِ مواقد قِصصنا
ويتبخَّر في أباريق الشاي..
والظلامُ على موعدٍ يدقُّ
أجراس حُلمٍ مُضاع وفصولا
تتلاشى..
إرهاصاتٌ في حفيفِ موجه
وأزمنةٌ تسيرُ بكلِ قطرة:
عقد.. سنة.. شهر.. يوم..
من عمرِ الودّ
وترتسمُ ذكرياتٌ في بالنا
كوشمٍ في القلبِ يستريح
مثلما النهرُ في أحضانِ
الظلال يتلو طفولتنا في موجة
ولثغة تلامعُ غرقَ صَبِيّة
نرى هالتها سائرة فوق
الماءِ إلى المصبّ..
هنا للقصيدةِ شهوة لكتابة
نفسها على جناحِ روحها
بقدرِ شوقِ الشاعر لها
هنا تصفقُ أجنحةُ الحَمام
في الأضلاع إذا طار متقلّبًا
في الأعالي نافضًا غُبارَ هديله
آذار/1996
يونس علي الحمداني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى