مرثيـة “عرائس الجنة”.. سابرينا عشوش

مرثيـة “عرائس الجنة”
إلى بنات مصر اللاتي ودعن الحياة على طريق المشقة والكدح
نائلة أنتي لن يسعفك الحظ ان تستضيفك بنات ام الدنيا
بمصر قومي بواجبك رحبي بهم
ترحيب يليق بهن في الجنة
يا وجعَ القلبِ… هل بَقِيَ في الصدرِ مِتسَعٌ لصرخة؟
هل ماتت الوردةُ قبل أن تشهقَ أولَ عطرِها؟
هل عاد الموكبُ من المصنع…
أم أنَّ السماءَ كانتْ أسرعَ من الحلمِ، فاختطفتهنَّ كالعصافير؟
كنَّ بناتِ النيلِ…
مِنْ سُلالةِ القمحِ، ومن نبضِ الوادي،
حَملْنَ الحقائبَ في الظلمةِ
والمصاحفَ في صدورهنَّ،
ومضَينَ كأمهاتِ الغدِ
يرسمنَ القوتَ على راحةِ الجبين.
لكنَّ الطريقَ لم يكن أمينًا…
ولا الشاحناتُ تعرفُ معنى “الرحمة”،
ولا الدولةُ تحتفي بالعفيفاتِ إذا مِتنَ،
ولا المسؤولُ يعرفُ ما معنى أن تبيعَ عُمْركِ بـ130 جنيهاً من الكرامة المكسورة.
ماتت العرائسُ… فارتدَّ الوردُ إلى أشواكه.
ما زُففنَ بأغانٍ بل بأذانِ الموت،
وما فُتِح لهنَّ بابُ فرحٍ
بل فُتحت مقابرُ الأرضِ لابتساماتهنّ الطيّبة.
لبسنَ الكفنَ الأبيضَ بدلًا من الفستان،
وسرنَ صفًّا كأنهنَّ ذاهباتٌ إلى الجنةِ دفعةً واحدة،
وجاءتِ السماءُ تُصفقُ لهنَّ…
وغيّرتِ الغيومُ اسمَ “المنوفية” إلى “جبل الحنين”.
يا مصر، هؤلاء بناتكِ…
لم يُبعنَ الشرفَ، لم يُذلنَ الروح،
لم يسلكنَ غير طريق العملِ…
فلماذا استقبلتهنَّ المنيّةُ على هيئة شاحنةٍ طائشة؟
لماذا لم يُسأل عن الدمِ أحد؟
أيتها الملائكةُ التي خرجتِ تبحثينَ عن لُقمة…
فوجدتِ الغيابَ بدلًا من الغداء،
كوني شهيدةً،
قولي لله:
كنّا فقراء يا رب، لكنّا شريفات.
كنّا نُحب الحياة… فخانتنا الطرقات.
ويا من بكيتم على أطراف الصور،
ابكوا على وطنٍ صار فيه الطريقُ أسرعَ من العدالة،
وفيه موتُ العفيفاتِ… مجردُ خبرٍ عابر.
بكى النيلُ…
ما اعتاد أن ينوحَ
لكنّ البناتِ خضنَ إليه كأحلامٍ مقطوعةِ الأجنحة،
فانحنى الموجُ، وتكسّرَ المدى،
وانتشرتْ في قلبه رائحةُ الوداع.
كان يعرفُ أسماءَهُنَّ…
واحدةً واحدة،
من وضوءِ أمهاتهن،
من خطوِهِنَّ إلى الحقول،
من شقائهنَّ على آلات المصنع،
من صبرِهِنَّ على تعبٍ لا ينام.
قال النيلُ:
يا وجعي من هذا الرحيل المفاجئ!
يا شقائقَ الطينِ،
ألم يكن للعرسِ موعدٌ؟
ألم يَعدكنَّ المساءُ بثوبٍ أبيضٍ وعُرسٍ بين الزغاريد؟
فلماذا أتت الأكفانُ أوّلًا؟
ولماذا كانت آخرُ الزغاريد… صرخةً في المشرحة؟
سال النيلُ…
لكنْ لا ماءَ، بل دمعٌ تقطّرَ من نواصي البنات.
سالت دموعُهُنَّ مع كل بطانيةٍ تَلفُّ جسدًا نحيلاً،
سالت من عيونِ الطفلاتِ اللواتي انتظرنَّ أمّهاتِ الغد،
من قلوبِ الجدّاتِ وهنَّ يفتّشنَ عن وجهٍ واحدٍ لم يُغلق بعد.
أيتها البنات، ياعفيفات
يا فُتاتَ العسلِ الذي سُكب على أرصفةٍ باردة،
يا من كنتُنّ وطنًا صغيرًا يمشي على قدمين،
سامحونا…
لم نكن في الجنازة، كنا نعدّ المالَ في جيوبنا.
لم نوقف الشاحنات، كنا نحجز مقاعدنا في مؤتمراتِ التنمية.
لم نبكِ كما يليق،
فالعين تعوّدت على الفقد، لكنّ القلبَ ما تعوّد عليكنّ.
ويا نيل…
إذا مرت أرواحُهُنَّ عليكَ،
فاحفظ لهنّ طُهرَ الضحكةِ،
واحمل أسماءهُنَّ في التيار،
لعلّ مصرَ يوماً…
تسمع وتخجل.
سابرينا