رؤي ومقالات

رشاد حامد يكتب :روشتة للحكومة: كيف تستجيب لطلبات البرلمان؟

طلب البرلمان من الحكومة تزويده بحزمة معلومات تتعلق بملف الإيجار القديم، إلا أن الحكومة لم تتمكن من توفير هذه البيانات، وهو أمر يثير الاستغراب. فبحسب معرفتي، تمتلك الحكومة معظم هذه المعلومات، وما لا يتوفر منها يمكن تقديره بسهولة.
في هذا المقال، أستعرض واقع المعلومات المطلوبة، وأوضح ما هو متاح منها بشكل مباشر، وما يمكن الوصول إليه بشكل غير مباشر، وما هو غير متاح حاليًا.
وفي الختام، أقدم خطة عمل عملية تساعد الحكومة على تجهيز البيانات المطلوبة وتقديمها للبرلمان بكفاءة.
ما الذي طلبه البرلمان من الحكومة؟
وجّه البرلمان إلى الحكومة طلبًا للحصول على خمس مجموعات رئيسية من المعلومات المتعلقة بملف الإيجار القديم، وهي كالتالي:
– حصر شامل ودقيق: يتضمن عدد الوحدات المؤجَّرة بنظام الإيجار القديم (سواء كانت سكنية، تجارية، أو إدارية)، موزعة جغرافيًا، مع بيان حالتها: مأهولة، مغلقة، خالية، أو غيّرت نشاطها الأصلي.
– بيانات اجتماعية واقتصادية: تشمل معلومات عن دخول الملاك والمستأجرين، مع التركيز على الفئات محدودة الدخل أو التي تعتمد بشكل كامل على إيجار وحدة أو وحدتين كمصدر دخل.
– تفاصيل العقود الموروثة: تتعلق بالمدة المتبقية لهذه العقود، وعدد الورثة المقيمين فعليًا في الوحدة المؤجَّرة.
– مؤشرات السلامة الإنشائية: تتضمن تقييمًا لحالة المباني الخاضعة للقانون من حيث السلامة الهيكلية، وتقديرًا لتكلفة الصيانة المؤجَّلة.
– رؤية للإصلاح التدريجي: تتضمن تصورًا ماليًا وزمنيًا لتحرير الإيجارات بشكل تدريجي، إلى جانب آليات دعم موازٍ للفئات غير القادرة على تحمل الزيادات.
ما الذي يوفّره التعداد العام؟
يُجرى التعداد العام في مصر كل عشر سنوات، وكان آخر تعداد في عام 2017، بينما يُتوقع التعداد التالي في عام 2027. وبالتالي، يُعد تعداد 2017 هو آخر قاعدة بيانات رسمية شاملة متاحة، ويوفر مؤشرات أولية مهمة تتعلق بملف الإيجار القديم، منها:
– تسجيل 3.02 مليون وحدة مؤجَّرة بنظام الإيجار القديم (تمثل 7٪ من إجمالي الوحدات)، موزعة بدقة حتى مستوى الشياخة والقرية.
– رصد 1.64 مليون أسرة تقطن هذه الوحدات، مع بيانات عن عدد الحجرات، مساحة المسكن، وشريحة القيمة الإيجارية.
– وجود خانة مخصصة لـ”نوع الحيازة: إيجار قديم”، مع التمييز بين الوحدات المأهولة والمغلقة أو الخالية.
لا يشمل التعداد بيانات عن دخل الأسر أو هوية الملاك، كما لا يُتابع التغيرات التي طرأت بعد عام 2017، مما يجعل الاعتماد عليه وحده غير كافٍ لتكوين صورة دقيقة ومحدثة عن الوضع الحالي.
كيف يمكن استكمال الصورة من خلال قواعد بيانات الضرائب والمرافق؟
لتحديث البيانات واستكمال الصورة التي يقدمها التعداد، يمكن الاستفادة من قواعد بيانات حكومية قائمة بالفعل، من خلال دمجها وتحليلها بشكل تكاملي:
– ضريبة العقارات: توفر معلومات عن اسم المالك، مساحة الوحدة، التقييم السنوي، وحالة السداد. وبمقارنة هذه البيانات مع عنوان الوحدة في التعداد، يمكن تحديد ما إذا كان المالك فردًا يمتلك عدة وحدات أو جهة اعتبارية مثل الأوقاف.
– شركات الكهرباء والمياه والغاز: بيانات العدّادات تساعد في التمييز بين الوحدات المغلقة (ذات الاستهلاك شبه الصفري) وتلك التي غيّرت نشاطها (مثلاً، شقة سكنية ارتفع استهلاكها فجأة إلى مستوى تجاري). كما أن اختلاف اسم صاحب الحساب عن اسم مالك الوحدة في سجلات الضرائب قد يشير إلى وجود مستأجر فعلي.
– السجل التجاري ومأموريات الضرائب: تتيح تحديد الوحدات المؤجَّرة لأغراض تجارية أو مهنية داخل عقارات سكنية.
تكامل هذه المصادر يتيح إعادة بناء صورة دقيقة للواقع دون الحاجة إلى زيارات ميدانية لكل وحدة سكنية.
البيانات التي تتطلب إجراء مسوح ميدانية
هناك نوع من البيانات لا يمكن استخلاصه من أي قاعدة حكومية حالية، ويستلزم إجراء مسوح ميدانية أو استبيانات تليفونية مختصرة. من أبرز هذه البيانات:
– مستوى دخل الملاك والمستأجرين، ومدى قدرتهم على تحمّل زيادات تدريجية في الإيجار.
– تكلفة الصيانة المؤجَّلة، ومدى استعداد المالك للاستثمار في العقار إذا تحسّن العائد الإيجاري.
– أسباب بقاء الوحدة مغلقة، سواء كانت مرتبطة بالنزاعات أو بعدم الحاجة أو لأسباب أخرى.
– مستوى رضا الطرفين (المالك والمستأجر) عن بدائل مثل التعويض المالي أو التسكين في وحدة بديلة.
ومن الناحية العملية، فإن إجراء المسح على عينة لا تتجاوز 1٪ من الأسر القاطنة في هذه الوحدات (حوالي 16,400 أسرة) كافٍ لتحقيق مستوى مقبول من الدقة الإحصائية، مع تقليل الوقت والتكلفة اللازمة للتنفيذ.
ما الذي يظل عمليًّا خارج نطاق القياس؟
حتى مع استخدام أفضل الأدوات والبيانات المتاحة، تبقى هناك معلومات يصعب الوصول إليها بشكل عملي، منها:
– دخل المستأجرين في الوحدات المغلقة أو المهجورة: الوصول إلى هذه الفئة يمثل تحديًا كبيرًا، إذ قد يكون بعضهم مقيمًا خارج البلاد أو قد غادرها نهائيًا.
– تفاصيل العقود القديمة المفقودة أو غير الرسمية: كثير من هذه العقود انتقلت عبر التوريث أو التنازل دون توثيق رسمي، مما يجعل توثيقها يتطلب حضور الطرفين، وهو أمر غير واقعي في العديد من الحالات.
– الدخل غير المصرَّح به: مثل الأنشطة الاقتصادية التي تُمارس داخل الوحدات السكنية دون الإبلاغ عنها للضرائب. هذه الأنشطة لا تظهر في السجلات الرسمية، ولا يمكن رصدها في المسوح إلا إذا أفصح عنها أصحابها، وهو أمر نادر الحدوث.
في مواجهة هذه الفجوات، ينبغي على الحكومة تقدير هذه المتغيرات باستخدام المتوسطات والفروق الإحصائية (confidence intervals) المستخلصة من البيانات المتوفرة، لضمان وجود تصور تقريبي يساعد في اتخاذ القرار.
النتيجة
يمكن للحكومة أن تلبّي طلبات البرلمان عبر دمج ذكي للتعداد مع سجلات الضرائب والمرافق، وتدعيم الصورة بمسوح عيّنية محدودة التكاليف.— مع ‏‎Rashad Hamed‎‏.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى