جمال محمد غيطاس يكتب :علي وقع نيران سنترال رمسيس:
يا أبانا الذي في المباحث: هل هي عشر سنوات هدم أم بناء؟

بينما كان مبني سنترال رمسيس يحترق والسنة الهب تخرج من نوافذه، أطلق “أبانا الذي في المباحث” موجة من الضجيج الذي يقوم دوما على النفاق الرخيص، فوجدنا مئات المواقع والصفحات “تلتهب وتدخن” هي الأخرى وتنفث ما لا حصر له من المحتوى الغث المجافي للعقل، إنقاذا لماء وجه نهج في الإدارة والحكم لا يفضي إلا لمزيد من الهرولة للأمام باتجاه مزيد من الأزمات.
سأتوقف هنا عند نموذج واحد نشره أحد المواقع التابع للجهة المهيمنة بقسوة على المشهد الإعلامي الحالي، وتضمن لمحة من موجة الضجيج المباحثي وقت اندلاع الحريق، والنموذج عبارة عن تقرير اخباري وضع له ناشروه عنوانا كان نصه: (على هامش حريق سنترال رمسيس: لهذا السبب يبني السيسي دولة جديدة من الألف إلى الياء).
هذا العنوان علامة على أننا بعدما انغرسنا أولا في وحل التسطيح بالنفاق، ثم غرقنا ثانيا في أوحال التشويه بالنفاق، ها نحن نقع ثالثا تحت سطوة ومرمى التدمير بالنفاق، ذلك أن أي شخص لديه قدر قليل من العقل سيدرك أن هذه الصياغة المذهلة في جنونها، تعني أن السيد الرئيس يعمل علنا وصراحة على تفكيك الدولة والعودة بها إلى عناصرها الأولية، باعتبار ان المنطق البسيط يقول إن بناء دولة جديدة من الألف إلى الياء، يتطلب بالضرورة تفكيك الدولة القائمة من الألف إلى الياء.
تابع تحليل هذا المنطق الاهوج المنافق، وستجد أن المنطق البسيط ينقلك إلى مستوى جديد، وهو مستوى الأدوات المطلوبة لتنفيذ التفكيك المطلوب أن يحدث حتى يتسني إعادة البناء من الألف إلى الياء، وهذه الأدوات تختلف بحسب كل مكون أو عنصر تريد تفكيكه لإعادة بنائه من الألف الي الياء.
فلو كان العنصر هو البشر فلابد أن السيد الرئيس سيستخدم أداة أو أدوات لغسيل الأدمغة لتصبح فارغة، ولو كان العنصر هو المباني فسيحتاج إلى أدوات ومعدات هدم لتعيدها الي عناصرها الأولية وتسويها بالأرض، أو للنار واللهيب لتحيلها الي رماد يسهل ان تذروه الرياح، ولو كان العنصر ترع وأرض زراعية، فسيستخدم أدوات لردم الترع وأدوات لاقتلاع الزرع حتى تصبح تربة في حكم المهيأة للزرع من جديد من الألف إلى الياء، وقس على ذلك إلى ما لا نهاية. لتضع بين يدي السيد الرئيس دولة كصفحة بيضاء وأرض فضاء، لكي يبنيها من جديد من الألف إلى الياء.
تابع التحليل وفي النهاية ستجد أن ضجيج المباحث المنافق يجعل من خطة الرئيس لإعادة البناء من الألف إلى الياء، أداة لمحو الدولة أولا، بما فيها من الإرث والتاريخ والحضارة والفكر والإدارة والعلم والمؤسسات، والكوادر البشرية والموارد البشرية، والمنطق البسيط يقول ان شئيا من هذا لم يخطط له الرئيس ولا يفعله ولن يفعله على الإطلاق، إنما الأمر برمته كما سبق وأوضحت، اننا قد انتقلنا من التسطيح بالنفاق الي التشويه بالنفاق الي التدمير بالنفاق، تدمير يطال كل شيء حتي جهود الرئيس الذي يحرص المنافقون حرصا بالغا علي منافقته.
يا أبانا الذي في المباحث، ويا كل معاونيه ووكلاؤه في مهنتنا التي كانت صاحبة الجلالة، ويا كل من يمارسونها بلعق الأحذية والتطوع بالنفاق والتجويد فيه:
ـــ هل هي عشر سنوات هدم أم بناء؟
ـــ هل إلى هذا الحد تذبحون مهنتكم، وتتجاوزن في حق قارئكم في معرفة واعية، غير عابئين بوطن ولا شعب ولا عقل ولا منطق ولا حقيقة ولا حتى الرئيس الذي تنافقونه؟
ــ هل أصابكم النفاق ولعق الأحذية بالعمى التام مهنيا ووطنيا وخلقيا ودينيا؟
ــ قولوا لنا يرحمكم الله: كيف نقبل بالحرق ونستخدمه مادة لتسويق خرافة إعادة البناء من الألف إلى الياء؟
إذا مضينا علي هذا الدرب من الضجيج المباحثي ـ الذي هو ليس إعلاما ولا صحافة ولا أسلوب خطاب يوجه لأمة علي الإطلاق ـ فهل نتوقع أنكم تحاولون تهيئة الناس لتقبل كوارث مقبلة تحت غطاء إعادة البناء من الألف إلى الياء، وسيكون من بينها أجساد تسحق علي الطرق، ومباني تهدم، وحرائق تشتعل، وقطارات تخرج عن القضبان، وموجات من الغش في المدارس لا تقل في حرارتها التي تلفح كل قيمة عن السنة حريق سنترال رمسيس، وموجات كذب وتدليس فجة لن تقل في فجاجتها عن امرأة طلقها زوجها فلم يمض سوى وقت قصير حتي طلقت هي عقلها وقيمها وراحت تقدم ما قامت بسرقته من ابداعات آخرين بالصوت والصورة، علنا على الهواء، فاضحة سلوكا عاما قائما على الكذب، يقدم عليه المسئول قبل المحكوم؟
تقديري أن السنة لهب مبني سنترال رمسيس، وألسنة لهب ضجيج المباحث المصاحب لها بما تحتويه من نفاق وكذب، تجعلنا نشم رائحة السنة لهب حريق مبني مجلس الشورى الذي وقع قبل وقت قصير من ثورة يناير، والسنة لهب حريق مبني الحزب الوطني على كورنيش النيل التي اندلعت يوم 28 يناير، فوقتها كان الحريقان دليلا على تحلل وتصدع نظام حكم بأكمله.