أشرف الصباغ يكتب :يبدو أننا لا زلنا نخلط بين إنتاج الثقافة، وإدارة الإنتاج الثقافي

تشكيلة المجلس الأعلى للثقافة التي تم نشرها اليوم تضم قامات كبيرة قدمت لمصر نتاجات ثقافية متنوعة طوال عقود عديدة، حتى إذا اختلفنا أو اتفقنا على قيمة ما قدمته هذه القامات. والكلام التالي لا يقلل من قيمة هذه الشخصيات أو من قيمة إنتاجها وعطائها.
من الواضح أن الإدارة المصرية عموما، والإدارة الثقافية على وجه الخصوص، لا تزالان تتصوران أن الثقافة هي الشعر والسرد والموسيقى والمسرح والسينما، إضافة إلى العمل مدرسا في الجامعة، أو محاضرا بأحد التخصصات الثقافية التي لا تخرج عن حدود الشعر والرواية والمسرح والموسيقى. وربما أيضا علم الاجتماع أو احد فروع الاقتصاد الكلاسيكية.. وفي الحقيقة، إذا كان تصور الدولة أو الإدارة الثقافية في البلاد للثقافة بهذا الشكل الفقير والضحل، فإن مصر في عشرينيات القرن الواحد والعشرين هي دولة خالية من الثقافة ولا علاقة لها بالثقافة.
إذا كان هذا هو مفهوم الثقافة في مصر، فإننا بحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم الثقافة. وإذا كانت الثقافة في مصر هي الشعر والقصة والعمل في مجال الموسيقى والسينما، أو في المجال الأكاديمي أو شغل مناصب ما في الجامعات بتخصصات “ثقافية”، فإننا أمام كارثة حقيقية. أما الكارثة الأكبر، هي أن نختار أعضاء المجلس الأعلى للثقافة من هذه المجالات حصرا. ما يعكس بدوره قصورا فظيعا ومربكا لرؤيتنا ومفهومنا للثقافة، ولدور المجلس الأعلى للثقافة كعقل مفكر ومركز توجيه للسياسات الثقافية للبلاد. ويبدو أن هناك مشكلة حقيقية وارتباكا وخلطا بين عمليتين مختلفتين: إنتاج الثقافة وإدارة الثقافة. وبالتالي، فنحن “على قديمه”، نستسهل ونختار، وننفق ونبدد الأموال والجهود.
يقولون إن المفاعل الأول بمحطة الضبعة الكهروذرية سيبدأ العمل عام 2028. ولكنهم لم يحددوا موعد البدء الفعلي للمحطة ككل، أي للمفاعلات الأربعة بكامل طاقتها!!! ويقولون أيضا إن مصر ستتسلم المحطة بالكامل من الروس عام 2060 لتديرها بكفاءات مصرية!!! والسؤال هنا، هل الثقافة خالية من العلوم؟ أم ان الثقافة العلمية لا تنتمي للثقافة بمفهومها المصري الهمايوني العبيط والضحل؟! أم أنها أقل أو أرقى من مفهوم الثقافة الذي نعتمده ونخطط على أساسه، ونبدد الموارد، ونشتت العقول، من أجله، ومن أحل أن نقول إن لدينا “ثقافة”، ونملك “مجلسا أعلى للثقافة”؟ وما هي أصلا وظيفة ما يسمى بالمجلس الأعلى للثقافة؟
لا اعتراض على الـ 12 شخصية التي تم اختيارها لتشكيلة المجلس الأعلى للثقافة في مصر في عشرينيات القرن الواحد والعشرين، ولا تقليل من قيمة أي شخص فيها، لأنهم كلهم أشخاص موهوبون، أعطوا الكثير من الإنتاج، بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا حول قيمة هذا الإنتاج. ولكن يبدو أننا لا زلنا نخلط بين إنتاج الثقافة، وإدارة الإنتاج الثقافي، والتخطيط للسياسات الثقافية، لدرجة أننا بكل وقاحة وبجاحة وجهل وضحالة ندفع بمبدع ما في مجال ما إلى مقعد الإدارة أو التخطيط أو وضع السياسات. إنها كارثة بكل المعايير. ولكن هذا هو الوضع لدينا منذ قديم الأزل.
من الصعب في هذا المشهد المرتبك أن نحدد: هل العلوم جزء من الثقافة؟ وهل هناك ثقافة علمية؟ وهل الثقافة العلمية يمكن أن تصبح جزءا من الثقافة أو أحد ركائز منظومة الثقافة في أي بلد في القرن الواحد والعشرين؟ ولماذا لا يوجد ضمن المجلس الأعلى للثقافة متخصصون في العلوم الطبيعية، أم يجب أن نفصل العلوم “الإنسانية” عن العلوم “الطبيعية”، لنشكل للأولى مجلسا للثقافة، ونشكل للثانية مجلسا وليكن مثلا مجلسا “للعلوم”. وبطبيعة الحال نتمنى ألا يغضب مجلس علماء المسلمين المختص بأهم وأصعب “العلوم” وأكثرها رواجا ومركزية؟
السؤال الأخير: لماذا لم يكتبوا إلى جانب اسم كل عضو تاريخ ميلاده، لكي يطمئن المصريون على مستقبلهم الزاهر؟! ألم يرتق بعد أحد من مواليد 1960 او 1970 لكي يكون مؤهلا للانضمام إلى تشكيلة ما يسمى بالمجلس الأعلى للثقافة؟ أنا أعرف أن مواليد عام 1960 لديهم الآن 65 عاما، أي أنهم لا يزالون أطفالا في العلم والثقافة. ويبدو أنه من الخطل أن أتحدث عن مواليد عام 1970 أو 1980، لأنهم لم يحصوا من العلم والثقافة شيئا!!!!
هنا أتوقف عن الحديث، لأن ما سيكتب بعد ذلك قد يتضمن إهانات مباشرة لمن يواصلون تخريب مصر، وتدمير العقل المصري، وتهميش الثقافة المصرية إلى حد العدم، وتحويل المصريين إلى كائنات خالية من العقل والمنطق..