رؤي ومقالات

د. فيروزالولي تكتب :اليمن للبيع… والمشترون خليجيون: لماذا تتمسك السعودية والإمارات بالهاربين من صنعاء؟

منذ العام 2014، حينما هربت “الشرعية” من صنعاء كما يهرب المغني من خشبة مسرح تُلقى عليه الطماطم، تحوّلت السياسة اليمنية إلى سوق خضار إقليمي، البضاعة فيه “وطن اسمه اليمن”، والتجار يتكلمون لهجات من أبو ظبي والرياض، أما السماسرة، فهم أولئك الهاربون من صنعاء، الذين أتقنوا لغة المزادات: “نبيع سيادة، نؤجّر قرارات، نؤجل حرب، ونوقّع سلام وهمي… لمن يدفع أكثر”.

لكن السؤال الذي يطرحه المواطن العادي (والذكي جدًا رغم الجوع):
لماذا تتمسك السعودية والإمارات بهؤلاء؟ وهما تعلمان جيدًا أنهم لا يمثلون شيئًا إلا حساباتهم البنكية؟

أولاً: لأنهم لا يُقلقون أحدًا

هؤلاء الهاربون – ممن يُفترض أنهم “قادة المرحلة” – أشبه بفريق كرة قدم بدون ملعب، يلعبون في غرف الفنادق، يطلقون تصريحات على تويتر، ويوقعون على أوراق لا تصل حتى إلى طابعات وزاراتهم. وهذا بالضبط ما تريده دول التحالف: شخصيات ناعمة، رخوة، لا تصدر ضجيجًا، ولا تزعج غرفة القيادة الخليجية المركزية.

وجودهم لا يهدد أحدًا… لأنهم لا يملكون ما يهددون به.

ثانيًا: لأنهم خبراء في “الطلب حسب المزاج الخليجي”

هؤلاء الأشخاص اكتسبوا مهارة فريدة:
تعديل المبادئ حسب التمويل.
اليوم جمهوري، غدًا اتحادي، وبعد غد يقول لك: “أنا مع أي حل… بس خلوني وزير”.
وبالتالي، يُعتبرون أدوات سياسية جاهزة للاستخدام حسب المزاج الخليجي:

تريدهم أن يؤيدوا التقسيم؟ حاضر.

تريدهم أن يتباكوا على الوحدة؟ تم.

تريدهم أن يهاجموا إيران؟ سمعًا وطاعة.

تريدهم أن يسكتوا؟ صمت القبور.

ثالثًا: لأنهم “يعرفون اللعبة”… ويعرفهم الخليج جيدًا

منذ عقود، وهذه الشخصيات (التي تخرجت من مدرسة الفساد في صنعاء) تعيش على هامش الخليج. يعرفون من يزورون، ومن يرضون، ومن يغضبون.
وبالعكس، دول الخليج تعرفهم جيدًا: تعرف من ينهب، من يكذب، من يدعي، ومن يُجمّل المشهد.

لكن التعامل معهم يُشبه شراء سلع مقلدة:
أنت تعرف أنها مضروبة، لكنها تؤدي الغرض مؤقتًا… حتى تنكسر.

رابعًا: لأن الخليج لا يريد “أبطالًا حقيقيين”

البطل الحقيقي، أو الزعيم الوطني الصادق، عادةً ما يكون:

صعب الإقناع

عنيد في التفاوض

يتحدث عن السيادة كثيرًا

لا يقبل التعليمات عبر الواتساب

لذلك، الخيار الأسهل هو شخصيات مرنة (جداً)، تذوب في الأوامر مثل سكر الشاي، ويمكن طيّها بسهولة ووضعها في الحقيبة الدبلوماسية.

خامسًا: لأن بقاء هؤلاء يُبرر استمرار الحرب

طالما أن هذه الشخصيات ما زالت تتحدث باسم “الشرعية”، يبقى المشهد مشوشًا، ويبقى الصراع مفتوحًا، وتبقى مبررات التدخل قائمة.
فمن مصلحة بعض القوى الإقليمية أن يستمر الصراع دون حسم، لأنه يعني:

بقاء نفوذها

استمرار عقود التسليح

تهميش قوى حقيقية على الأرض

إبقاء اليمن كملف قابل للابتزاز السياسي

الجانب الثقافي: “كوميديا المهاجرين السياسيين”

من زاوية ثقافية، تحوّل هؤلاء الهاربون إلى ظاهرة هزلية فريدة في الوعي اليمني:

أحدهم يدير وزارته من مقهى في القاهرة.

آخر يُدلي بتصريحات نارية وهو في طابور الـ”بوفيه المفتوح”.

وثالث يظهر في مؤتمرات أوروبا وكأنه نلسون مانديلا… ثم يعود إلى جناحه ويكتب خطابًا عنوانه “إرادة الشعوب”.

صاروا شخصيات كرتونية في وعي المواطن: بلا ماضٍ مشرف، بلا مستقبل سياسي، وبلا أي ثقل… لكنهم يتمتعون ببدلات فاخرة، وصفحات موثقة.

في الختام: اليمن للبيع؟ نعم، لكن من الذي اشترى؟

الشرعية لم تعد تعني سلطة، بل “رخصة استخدام مؤقتة”، يستخدمها من يريد، ويجددها من يدفع.
والذين هربوا من صنعاء لا يبحثون عن وطن… بل عن صفقة أفضل، وكرسي أعلى، وحقيبة أفخم.

أما السعودية والإمارات، فربما تتمسكان بهم لا حبًا فيهم، بل لأنهم أقل الخيارات إزعاجًا… تمامًا كما تختار وضع “الصامت” حين لا تريد أن تسمع الحقيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى