فيس وتويتر

حسام السيسي يكتب :بين العتب والميدان: دمشق كما رأيناها، لا كما تُروى

منذ أكثر من عقد، وأنا منغمس في الشأن السوري، أتابعه بحذر وشغف منذ بدايات الثورة.
ومنذ شهر ونصف فقط، عدت من زيارة إلى دمشق، برفقة عدد من الصحفيين الأجانب، رأينا فيها سوريا كما تُراد لنا أن نراها: هدوء هشّ، أسواق مزدحمة وجيوب فارغة، كهرباء مقطوعة، وقلقٌ حادّ في العيون.
بعد منشور الأمس، الذي تناول الهجوم الإسرائيلي الأخير على مبنى هيئة الأركان ومحيط القصر الجمهوري، وصلني الكثير من العتب.
أتفهمه تمامًا.
لكن ما كتبته لم يكن تهجمًا على النظام الوليد، بقدر ما كان قراءة لما لم يُقال في البيان الرسمي.
المظاهرات: تنفيسٌ أم إشارة موجهة؟
خلال الأيام الأخيرة، خرجت مظاهرات في دمشق، واللاذقية، وغيرها من المدن، تنديدًا بالاعتداءات الإسرائيلية.
طلبة ومواطنون، هتفوا بـ”الرد”، واستعادوا شعارات قديمة – لكن بروح جديدة.
فهل نحن أمام تعبير عفوي؟ أم تنفيس محسوب؟
في الواقع، القراءة المزدوجة تفرض نفسها:
نعم، هناك غضبٌ حقيقي من اختراق السيادة.
لكن في المقابل، هناك أيضًا سماح، وربما توظيف رسمي لهذه الهتافات، لإرسال رسالة خارجية تقول إن الشعب ما زال موحدًا خلف النظام، وإن الجبهة الداخلية ما زالت قائمة.
لكن من أنصت للهتافات، سيلاحظ أن بعض الأصوات كانت تتحدث عن فلسطين، فيما تسربت أخرى تطالب بالكهرباء والكرامة والماء…
هي المظاهرة نفسها، لكنها بألف لسان.

الشرع يحاول ترتيب البيت من الداخل، ويحقق تقدمًا اقتصاديًا ملموسًا، لكنه يخسر في معركة الرمزية والردع.
فإذا كانت الكرامة هي جوهر السيادة، فالصمت أمام القصف يُربك حتى مناصريه.
في النهاية
سوريا اليوم ليست فقط مسرحًا للصراع، بل مختبرًا مفتوحًا للإرادات المتنافسة: بين الاحتلال، والإحباط، والحلم.
وإن بدا كلامي بالأمس متحفظًا، فذلك لأن التضامن لا يعني إغلاق العيون، بل فتحها أكثر.
والكتابة من الخارج لا تعني الانفصال، بل المحاولة الحثيثة للفهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى