دراسة شاملة حول الوضع في سوريا: التطورات السياسية، الاعتداءات الإسرائيلية، والمستقبل …بقلم الإعلامي حيدر البرهان الحمداني

**أولاً: التصعيد الإسرائيلي الأخير وأهدافه**
1. **الضربات الجوية على دمشق والسويداء (16 يوليو 2025)**:
– استهدفت غارات إسرائيلية مقر وزارة الدفاع السورية وهيئة الأركان ومناطق قرب القصر الرئاسي في دمشق، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة 34 .
– توسعت الضربات لشمل ريف دمشق (قطنا) ومدينتي درعا والسويداء في الجنوب، حيث أعلنت إسرائيل تدمير 160 موقعاً عسكرياً سورياً .
– **الذرائع المعلنة**: ادعت إسرائيل أن الضربات تهدف إلى “حماية الدروز” في السويداء من هجمات القوات السورية، ووصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العمليات بأنها “إنقاذ لإخوتنا الدروز” .
2. **الأهداف الاستراتيجية الخفية**:
– **فرض منطقة منزوعة السلاح في الجنوب**: هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بجعل جنوب سوريا “منطقة منزوعة السلاح” وزيادة الضربات إذا لم “تفهم دمشق الرسالة” .
– **الضغط للتنازل عن الجولان**: وفقاً للمحلل العسكري أسعد الزعبي، تستغل إسرائيل الأحداث لابتزاز سوريا للتنازل عن الجولان المحتل، مستفيدةً من الفوضى الداخلية .
– **تعطيل استعادة السيطرة المركزية**: يُعتبر التدخل جزءاً من استراتيجية لإبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة، مما يمنع ظهور حكومة قادرة على المطالبة بالجولان أو دعم المقاومة .
—
**ثانياً: المشهد السياسي الداخلي والتحديات**
1. **الحكومة الانتقالية وإعادة الهيكلة**:
– تواجه حكومة أحمد الشرع تحديات جسيمة، منها:
– **تفكيك المؤسسة الأمنية القديمة**: تعمل على حل 17 فرعاً أمنياً سابقاً ودمج الفصائل المسلحة في جيش موحد، لكنها تواجه اعتراضات من فصائل مثل “حركة رجال الكرامة” الدرزية و”قسد” الكردية .
– **الخلاف حول المؤتمر الوطني**: تأجل مؤتمر الحوار الوطني بسبب رفض الائتلاف الوطني السوري والأحزاب الكردية المشاركة بصفة فردية بدلاً من تمثيل موحد .
2. **اتفاق دمشق مع “قسد” (مارس 2025)**:
– ينص الاتفاق على اندماج المؤسسات المدنية والعسكرية الكردية في الدولة السورية، ووقف إطلاق النار، والتعاون في مكافحة “فلول الأسد” .
– **التحديات**: خشية الأكراد من فقدان الاستقلالية، ورفض دمشق منحهم صلاحيات فيدرالية. كما أن الموقف التركي الرافض لأي كيان كردي يزيد التعقيد .
3. **أزمة الطائفية والانقسامات**:
– **تحذيرات من التحريض الطائفي**: حذّر وزير الخارجية أسعد الشيباني من محاولات “تفكيك المجتمع السوري” عبر خطاب كراهية طائفي، خاصةً من جماعات “أسدية” موالية للنظام السابق .
– **موقف المسيحيين والدروز**: رفض رجال الدين المسيحيون أي دعوات انفصالية في الساحل السوري، مؤكدين أن وجودهم “جزء أصيل من الجسم السوري”. بينما طالب دروز السويداء بحماية دولية، مما فتح الباب للتدخل الإسرائيلي .
—
**ثالثاً: الأبعاد الإقليمية والدولية**
1. **المواقف الإقليمية من الأزمة**:
– **تركيا**: أدانت الضربات الإسرائيلية وحذّرت من “تقسيم سوريا”، مؤكدةً أن استقرارها يتطلب سيطرة الحكومة المركزية .
– **إيران**: أدانت الاعتداءات ووصفتها بـ”العدوان السافر”، مؤكدةً وقوفها مع “سيادة سوريا” .
– **الدول العربية (مصر، الأردن، الإمارات)**: دعت إلى احترام سيادة سوريا، ورحبت الإمارات بوقف إطلاق النار في السويداء .
2. **الدور الأمريكي والأوروبي**:
– **الولايات المتحدة**: أعلنت عن “توافق” لوقف التصعيد بعد اتصالات مع الجانبين السوري والإسرائيلي، لكنها لم توقف الضربات فعلياً .
– **الاتحاد الأوروبي**: عبّر عن قلقه من “زعزعة استقرار سوريا”، ودعا إلى حماية المدنيين .
—
**رابعاً: التحديات الاقتصادية وإعادة الإعمار**
– **الخراب الاقتصادي**: يعاني 90% من السوريين من الفقر، و12 مليوناً يعانون انعدام الأمن الغذائي. تدمرت البنية التحتية للكهرباء (تصل 2-4 ساعات يومياً) .
– **خطة الإصلاح**: تهدف الحكومة إلى:
– خصخصة شركات القطاع العام الخاسرة (مثل الكهرباء).
– جذب استثمارات أجنبية عبر قوانين جديدة.
– تنفيذ خطة عشرية لإحياء البنية التحتية .
– **عقبة العقوبات**: رغم الدعوات العربية لرفعها، لا تزال العقوبات الغربية تعيق إعادة الإعمار، التي تُقدّر تكلفتها بأكثر من **400 مليار دولار** .
—
**خامساً: سيناريوهات المستقبل المحتملة**
وفقاً لتحليلات مركزية :
1. **الوحدة الحذرة**:
– تحقيق توافق على حكم لامركزي محدود الصلاحيات، بضمانات من تركيا والدول العربية. يتطلب تجاوز الخلافات الكردية-العربية والطائفية.
2. **التقسيم الناعم (فيدرالي)**:
– قد تدفع “قسد” والدروز لتحقيق حكم ذاتي موسع، خاصة مع دعم غربي خفي. لكن هذا يهدد بصراعات على الحدود والموارد.
3. **التدخل الإسرائيلي والتقسيم الفعلي**:
– تكريس سيطرة إسرائيل على الجولان، ودعم كيانات طائفية في الجنوب (الدروز) والشمال (الأكراد)، مما يفكك سوريا إلى “دويلات”.
4. **الفوضى الممتدة**:
– فشل المساعي السياسية، وتصاعد الاحتراب الأهلي، خاصة إذا استمرت الأزمة الاقتصادية وتدخلات القوى الخارجية.
—
**الخلاصة: مستقبل النظام وتوصيات**
– **مستقبل حكومة الشرع**: يرتبط بقدرتها على:
– توحيد المؤسسة العسكرية.
– معالجة المطالب الكردية والطائفية دون تفكيك الدولة.
– كسب الدعم الدولي لرفع العقوبات .
– **ما تريده إسرائيل**:
– **إضعاف السيادة السورية**: منع قيام حكومة قوية قادرة على استعادة الجولان أو دعم حزب الله.
– **تكريس التقسيم الطائفي**: استخدام ورقة “حماية الأقليات” لخلق مناطق نفوذ .
> “التدخل الإسرائيلي ليس جديداً، لكنه يأتي في سياق سعي تل أبيب للضغط على دمشق للتنازل عن الجولان، واستثمار الفوضى الداخلية” – المحلل العسكري أسعد الزعبي .
يظل مستقبل سوريا مرهوناً بتوازنين: قدرة الحكومة على تجاوز التركة الثقيلة للنظام السابق، وضغوط القوى الإقليمية التي ترى في الأزمة فرصة لتصفية حساباتها.