محمد عبد العاطي يكتب :ما وراء خطاب “الأقليات”: سؤال الدولة في سوريا

تتردد مفردة “الأقليات” في العديد من التحليلات السياسية المتعلقة بسوريا، وتُطرح بوصفها مدخلًا لتفسير الصراعات الداخلية وتفاعلاتها المعقدة. هذا الاستخدام المتكرر يحمل دلالات اختزالية، ويُغفل السياق البنيوي الذي أنتج تلك الصراعات. فهم الواقع السوري يتطلب النظر إلى التوجهات السياسية والفكرية التي تبنتها مجموعات ضمن مكونات المجتمع، بصرف النظر عن انتمائها الديني أو العرقي.
العلويون والدروز والأكراد والمسيحيون والعرب السنّة والشيعة، جميعهم يشكّلون نسيجًا متنوعًا من أبناء سوريا، وتتجذر علاقتهم بالأرض والتاريخ في عمق الهوية الوطنية. داخل هذا التنوع ظهرت فئات اتخذت خيارات سياسية محددة، وأجرت تحالفات مع قوى خارجية وفق ما رأت فيه سبيلًا إلى الحماية أو التمكين أو استرداد الحقوق.
تشكلت هذه التوجهات في سياق بيئة سلطوية قهرية، فرضت نمطًا من الحكم اعتمد على تفكيك الروابط الوطنية وتعزيز الولاءات الفرعية. استخدمت السلطة أدوات التمييز والتجزئة، مما مهّد الطريق لتحالفات أضرت بالبنية المجتمعية، وعمّقت الانقسامات، وأثرت سلبًا حتى على الجماعات التي انخرطت بعض فئاتها في تلك التحالفات.
يعتمد التفسير الواقعي للأزمة السورية على تحليل طبيعة الدولة وبنيتها السياسية. المنظومة القائمة قامت على الإقصاء، وافتقرت إلى عقد اجتماعي جامع يضمن العدالة والمساواة. هذا الفشل أدى إلى تآكل الثقة بالهوية الوطنية، وانتشار نزعات الهوية الجزئية، وتصاعد مشاعر القلق والخوف لدى مختلف الفئات.
المخرج من هذا المسار لا يرتبط بإعادة توزيع النفوذ بين مكونات مجتمعية، ولا يقوم على منطق تمثيل الأقليات والأكثريات. بل يتأسس على مشروع وطني شامل، يُعيد بناء الدولة على أساس المواطنة المتساوية، وسيادة القانون، والمؤسسات الديمقراطية. يملك كل مواطن الحق ذاته في المشاركة السياسية والوصول إلى المناصب العامة، بما فيها رئاسة الجمهورية، ضمن شروط الكفاءة والاستحقاق.
الخطاب القائم على تصنيف المجتمع إلى أقليات وأكثريات يؤدي إلى إرباك التحليل، ويُغفل الأسباب العميقة للأزمة. من الضروري الانتقال نحو خطاب يستند إلى المواطنة بوصفها قاعدة للعقد الوطني، وإلى الدولة بوصفها الإطار الحامي للحقوق والحريات والكرامة. في هذا الأفق، يمكن لسوريا أن تخرج من مأزقها التاريخي، وأن تعيد بناء وحدتها السياسية والمجتمعية على أسس جديدة وصلبة.