ذاتنا الصغرى ، هل يمكن تربيتها ؟ …أ.د . صالح محسن الحاج

ذاتنا الصغرى ، هل يمكن تربيتها ؟
“صفاء القلب وتدريب الذات على المراجعة المستمرة وتقويمها وتغذيتها على الحب والسلام والتسامح والرحمة والصفاء والتفاؤل وكل ما يتصل بالجمال، يعتبر من حقوق الذات لأنها أمانة تحتاج عناية وصيانة رفيعة تفوق كل شيء آخر. خصوصاً ونحن في فترة تعتريها ظروف قاسية وصراعات على جميع الأصعدة، وهي لا شك كلها عوامل تسهم في توسعة دائرة الكراهية في النفوس، والملتزم بالمبادئ والقيم يكون محل محاسبة ونقد، وأصبحت المصالح والنَّفَس المادي هي الحاكمة للعلاقات البشرية وليست المبادئ والقيم ومحكمة الضمير.
إن أعلى درجات الجمال الإنساني هي تربية القلب والعقل على التسامح والحب والغفران، وتمني الخير للغير والإحساس بالآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم.
إن تربية الذات على العطاء وتزكية المشاعر تعمّق العلاقات الاجتماعية، وتنمي الحب، وتحمي كل علاقة من الانكسار والذبول
حينما تتكسر القيم والمبادئ التي تشكّل الإنسان، يكون الإنسان مصدراً للعبث والجنون والاضطراب والإرهاب والخراب والإفساد على المسرح الكوني.
أجمل أنواع التربية «التربية الذاتية»، وذلك يكون من خلال تعويدها على قراءة الجمال النفسي والروحي والخير والحق الذي يحصنها من لوثات الواقع.
إن الواقع الذي نعيشه هو نتاج أخلاقنا قبل كل شيء آخر، وبهذه المناسبة عالم النفس والاجتماع الشهير غوستاف لوبون يشخّص ذلك في كتابه الجميل «السنن النفسية لتطور الأمم»، «ونحن إذا ما بحثنا في الأسباب التي أدت بالتتابع إلى انهيار الأمم، وهي التي حفظ التاريخ لنا خبرها كالفرس والرومان وغيرهم، وجدنا أن العامل الأساسي في سقوطها هو تغيّر مزاجها النفسي تغيراً نشأ عن انحطاط أخلاقها، ولست أرى أمة واحدة زالت بفعل انحطاط ذكائها».
خلاصة القول، نحن في أشد الأيام حاجة لتجديد القيم والمعاني التي تعمّق الوحدة والتماسك الوطني ، وتزيد من مخزون الثقة بين أفراد المجتمع، وتلم شملنا، وتصفي قلوبنا، بعيداً عن الفتنة التي وقودها الكراهية والأحقاد وقراءة النوايا وتوزيع التهم من مجرد الاختلاف بالرأي كحق مشروع وطبيعي. إن صفاء القلب وسمو العقل هو جوهر السلام الذاتي الذي ينعكس على الذات والآخرين”.