فيس وتويتر

فراج إسماعيل يكتب :القصة أبعد من سد النهضة

هل يريد ترامب خيرا بمصر عندما يتحدث للمرة الثالثة عن أثر سد النهضة على جريان الماء.. ماذا يريد من القاهرة وفي المقابل ماذا يريد من أديس أبابا؟..
أبعاد القصة يشرحها جوليد يوسف عيدان المحاضر والباحث الأول الإثيوبي المتخصص في الدبلوماسية والسياسة والعلاقات الدولية في منطقة القرن الأفريقي، في مقال طويل نشره في موقع “أديس ستاندرد”.
عززت إثيوبيا مكانتها بشكل متزايد كجهة فاعلة إقليمية استباقية، متبنية استراتيجية دبلوماسية متعددة الأقطاب للتغلب على قيود جغرافيتها غير الساحلية.
يستكشف المقال كيف يُعاد تشكيل منطقة القرن الأفريقي، ليس فقط من خلال الصراع، بل أيضًا من خلال الرؤى المتضاربة حول السيادة، والتوافق الإقليمي، والفاعلية السياسية.
يقول الكاتب إن موقف إثيوبيا بشأن سد النهضة، استند إلى مبدأ السيادة والاستقلال القانوني، ويعتبر أن دول المنبع المُشاطئة تمتلك حقوقًا متساوية ومتأصلة في استخدام موارد المياه العابرة للحدود من أجل التنمية الوطنية.
في هذا السياق، أصبح السد بيانًا جيوسياسيًا. فهو يرفض رمزيًا إرث ترتيبات تقاسم المياه، ولا سيما اتفاقيتي مياه النيل لعامي 1929 و1959، اللتين ترى إثيوبيا أنهما انحازتا بشدة لمصر، ويُمثّل عند الإثيوبيين رمزًا لتقرير المصير الأفريقي، مُحوّلًا سعي إثيوبيا لتحقيق وصول عادل إلى الموارد الطبيعية إلى سردية أفريقية أوسع نطاقًا للتحرر ومقاومة القيود القانونية المفروضة من الخارج.
يضيف الكاتب: يُمثّل سد النهضة الركيزة الأساسية للعقيدة الجيوسياسية الناشئة لإثيوبيا: إعادة ترتيب الجغرافيا السياسية لحوض النيل، وإعادة تفسير الأطر القانونية القائمة، وإعادة توازن ديناميكيات القوة الإقليمية.
في يناير 2024، وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، تهدف إلى “تمهيد الطريق لتأمين الوصول إلى البحر وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية”.
تُمثل المذكرة خطوة حاسمة نحو تحقيق الحرية البحرية والعسكرية، ويحمل هذا التطور آثارًا استراتيجية كبيرة.
الوجود الإثيوبي المحتمل في بربرة من شأنه أن يضع إثيوبيا على مقربة من مضيق باب المندب، وهو نقطة اختناق بحرية مهمة تربط المحيط الهندي بقناة السويس. لن يعزز هذا الوجود النطاق الاستراتيجي لإثيوبيا فحسب، بل سيعززها أيضًا داخل الجغرافيا السياسية لممر المحيط الهندي والبحر الأحمر، وهي مساحة متنازع عليها بشكل متزايد تضم قوى عالمية مثل الصين والإمارات العربية المتحدة وتركيا وروسيا والولايات المتحدة.
في هذا السياق، فإن الوصول إلى الموانئ يجعل إثيوبيا عنصرًا لا غنى عنه في الحسابات الاستراتيجية للجهات الفاعلة العالمية والإقليمية الرئيسية.
ثم يأتي انضمام إثيوبيا إلى مجموعة البريكس، وهو تحول جيوسياسي كبير. ومع ذلك، حرص المسؤولون الإثيوبيون على تأطير هذه الخطوة ليس كرفض للغرب، بل كجهد لتنويع الاقتصاد. وأكدوا أن القرار يهدف إلى توسيع فرص النمو الاقتصادي والتنمية، بدلاً من عزل شركائهم القدامى، وخاصة الولايات المتحدة.
وقد مكّن هذا النهج الدقيق إثيوبيا من الحفاظ على التعاون في مجالات حيوية مثل الأمن الغذائي والصحة العامة والمساعدات الإنسانية، وهي قطاعات لا يزال الدعم الأمريكي يحظى بأهمية بالغة فيها.
وعلى الرغم من تزايد انحيازها لقوى الجنوب العالمي، واصلت إثيوبيا تلقي مساعدات أمريكية كبيرة.
قدرات مصر
على النقيض من ذلك، ورغم علاقاتها القوية مع القوى الغربية وحلفائها الخليجيين، فإن قدرة مصر على ممارسة نفوذها الإقليمي مُقيّدةٌ بالقيود الجغرافية وتزايد حزم الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى.
ترتكز السياسة الخارجية المصرية في القرن الأفريقي على مصلحتين أساسيتين: الحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل، والحفاظ على موقعٍ استراتيجيٍّ بارزٍ في البحر الأحمر.
شكّلت أفعال إثيوبيا تحدّيًا مباشرًا لهاتين المصلحتين.
القاهرة تفتقر حاليًا إلى القدرة اللوجستية اللازمة لفرض مثل هذا الموقف بشكلٍ أحادي. وقد كانت علاقتها بالصومال رمزيةً إلى حدٍ كبير، إذ مثّلت تأكيدًا لوجود مصر كفاعلٍ إقليميٍّ أكثر من كونها جبهةً دبلوماسيةً أو عسكريةً ملموسةً ضد إثيوبيا.
والمحصلة: الدبلوماسية الإثيوبية تعمل بنشاط على إعادة تشكيل المشهد الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى