د.محمد إبراهيم العشماوي يكتب :غزة و العلماء!

هذا المقال ليس دفاعا عن #العلماء، ولا تهوينا من شأن #غزة، وإنما هو محاولة لتشخيص الحالة الراهنة!
الناس تنظر إلى علماء #اليوم؛ نظرتهم إلى علماء #الأمس، ويريدون من العالم أن يكون #العز بن عبد السلام في شجاعته وبسالته، والناس أنفسهم ليسوا كالناس الذين كانوا في زمن العز بن عبد السلام!
الأمور تغيرت كثيرا، فلا علماء اليوم كعلماء الأمس، ولا الناس كالناس، ولا الحكام كالحكام!
وهذه #سنة الله في خلقه – وسنة الله جارية وماضية، ولن تجد لسنة الله تبديلا – “لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه”، رواه البخاري في [صحيحه] من حديث سيدنا أنس رضي الله عنه.
غلب على الناس #الوهن – حب الدنيا وكراهية الموت – وللعلماء نصيب من هذا الوهن، باعتبارهم من جملة الناس!
#يريد الناس اليوم أن يحمّلوا العلماء تبعات كل ما يجري لهم من مشكلات وقضايا، ولا يريد الناس أن يتحملوا شيئا من أنفسهم!
لا يعرفون #العلماء إلا في الغُرم، ولا يعرفونهم في الغُنم!
لا يشهدون #مجالس العلماء، ولا يسمعون كلامهم، ولا يوقرونهم، ولا يدعمونهم، ثم إذا وقعت الواقعة فزعوا إليهم، وحمّلوهم المسؤولية!
#يخاطبون علماء وحكام دول أخرى، ولا يخاطبون علماء وحكام دولهم، كأنهم غير مخاطبين بالتكليف!
#يدخلون على #صفحة_عالم يعقد مجالسه العلمية، أو يفعل شيئا من مهام العلماء، أو يمارس نشاطا حياتيا عاديا، فيعلقون له: (#غزة تباد)، وكأن المطلوب من العالم أن يوقف عجلة الحياة؛ ليتكلم عن غزة كلاما لن يكون له أدنى أثر؛ لأن #القرار السياسي ليس بيده، فتصبح المصيبة الواحدة جملة مصائب، وتتوقف الحياة في أرض الإسلام!
#لقد ألف شمس الأئمة #السرخسي الحنفي كتابه الموسوعة [#المبسوط] وهو في #السجن، ولم يوقف نشاطه العلمي، متعللا بالسجن، ورصد #مؤرخو الإسلام سقوط #بغداد والأندلس وحواضر الإسلام بأقلامهم، وسط المذابح والمجازر وشلالات الدماء، ولم يجلسوا يبكون كالنساء، فقد كان الأمر أعظم منهم، فرأوا ألا يضيعوا كل شيء بأيديهم، فاشتغلوا بالعلم، الذي هو واجبهم الأصلي، ونقلوه بكل أمانة للأجيال، للعظة والاعتبار، فأدوا ما عليهم، على قدر الوسع والطاقة، ولو قرأت كلام #ابن_الأثير وهو يصف ما أحدثه #التتار بديار الإسلام؛ لبكيت بدل الدموع دما، ولولا اشتغال العلماء بمهمتهم في زمان النكبات؛ لضاع الإسلام مبنى ومعنى!
وأنا الآن أكتب هذا #المقال، سيرا على الاقدام، في طريقي إلى المنزل، اهتماما بأمر المسلمين!
#الأمور اليوم بالنسبة للعلماء باتت معقدة، فلم يعد للعلماء – خصوصا علماء الدين- من الهيبة والمكانة في نفوس ولاة الأمور مثل ما كان لأسلافهم الماضين!
والعلماء اليوم بالنسبة لقضية #غزة وغيرها من قضايا الأمة المصيرية؛ أنواع:
فمنهم #الموظف، فهو محكوم بمقتضيات وظيفته، ومواقف دولته، ولو تجاوزها لربما جرى له ما لا تحمد عقباه، ولربما جر دولته إلى مشاكل هي في غنى عنها!
ومنهم #المؤدلج، التابع لنظام أو حزب جماعة أو فرقة أو طائفة، فهو محكوم بمبادئها ومواقفها!
ومنهم #الحر، وهو ما بين ساكت، ومتكلم!
وتختلف أسباب السكوت من شخص لآخر!
والمتكلم أيضا له دوافع، فمنهم من يدفع عن نفسه معرة السكوت، فيتكلم ولو بالقليل، ومنهم من يكثر بحذر!
والخلاصة: الأمور اليوم شديدة التعقيد، ولها جوانب كثيرة، فلا تحملوا العلماء فوق طاقتهم؛ لأن الأمور ليست بأيديهم، وارضوا منهم بالقليل؛ فهو أحسن من لا شيء، إلى أن يأذن الله بالفرج، ويأتي بالفتح أو أمر من عنده، ولله عاقبة الأمور!