د. فيروزالولي تكتب :اليمن: وطنٌ مع وقف التنفيذ

في اليمن، لا تموت الأحلام، بل تُدفن وهي حيّة. تُوارى تحت الركام، وتُخنق بين أصوات المدافع وتصريحات السياسيين الذين نسوا أنهم خُلقوا ليخدموا الناس لا ليحكموهم بالسوط والخطاب.
تبدو اليمن اليوم وكأنها بلدٌ عالق في الزمن، لا يتقدم ولا يعود. كل صباح يشبه الذي قبله، وكل تصريح سياسي لا يحمل سوى إعادة تدوير للكارثة.
مأساة اليمن ليست فقط في الحرب، بل في العقول التي تدير هذه الحرب.
في من يتحدثون عن الوطن وهم يتقاسمون فنادق الخارج كما لو كانت خريطة داخلية لثرواتهم.
في أولئك الذين استبدلوا ساحات النضال بقاعة اجتماعات في عواصم لا تعرف معنى القصف، ولا ترتجف على صوت طائرة.
منصات مشتعلة بالخطب، وقلوب خامدة من المسؤولية.
هنا، لا فرق بين عدو وصديق، فالجميع يلعب على وتر الوقت، والوقت يُذبح، واليمنيون يدفعون الثمن.
هل نحن في طريق العودة إلى الدولة؟ أم إلى دولة كانت؟
ليست المشكلة أن اليمن ينهار فقط، بل أنه ينهار على يد من أقسموا على بنائه.
كل طرف يُدافع عن “شرعيته”، لكن لا أحد يُدافع عن الناس.
كل طرف يملك شعارًا، لكن لا أحد يملك ضميرًا.
عندما تغيب الدولة، ينهض أمراء الطوائف، تُصنع البطولات من رماد الخوف، وتُكمم الأفواه باسم الدين، وباسم الثورة، وباسم الوطنية، وباسم “نحن الأفضل”.
والنتيجة؟ بلد مُشوّه، شعب مُنهك، جيل كامل وُلد في الظلام، ولا يعرف شكل العلم إلا على القبور.
شباب اليمن اليوم لا يبحثون عن الرفاهية، بل عن الضوء… عن وطن يحفظ لهم كرامتهم قبل أن يمنحهم الكهرباء.
أما القيادات التي تحكم من الخارج، فربما نسيت أن اليمن لا يُدار بالريموت كنترول.
الوطن لا يُرمم بقرارات تُصاغ بين دعوة على العشاء ومشاجرة على مَن سيظهر أولًا في المؤتمر الصحفي.
ما الحل إذًا؟
الحل يبدأ بسقوط الأصنام… لا التي في المتاحف، بل التي جثمت على صدر اليمن منذ عقود.
وجوه لم تعد تصلح حتى لمقاعد المعارضة، فكيف تستمر في قيادة بلدٍ يحتاج إلى معجزة أخلاقية قبل أن يحتاج إلى دعم دولي؟
يجب أن يتحرر الوعي الجمعي من فكرة المخلّص، وأن يبدأ الشعب – ولو من رماده – في خلق جيل لا يرى في السلطة غنيمة، بل مسؤولية.
جيل يزرع الأرض قبل أن يرفع الشعارات، ويبني الدولة قبل أن يطارد الخصوم.
ختامًا: اليمن لا يحتاج إلى شعارات جديدة… بل إلى ضمير قديم لم يتلوث.