كنتِ مجازًا….بقلم محب الجمال

كنتِ مجازًا. وصار جسدي الدليل
كنتِ تمرّين بي
كفكرةٍ خطيرةٍ في عقلٍ مريض.
وكنتُ أعرف، منذ اللحظة الأولى،
أنكِ لن تكوني امرأة
بل معملًا صغيرًا للفوضى
مُغلّفًا بابتسامة.
كنتِ أجمل من اللازم.
وتلك كانت أول علامة.
الجمال المُطلق ليس موهبة.
إنه نذير.
وكان عليّ أن أهرب.
لكني، كالأحمق المدرّب على السقوط،
ذهبت إليكِ
وألقيتُ بنفسي
كمن يختبر حرارة السكين
بظهر يده.
كنتِ تتكلمين ببطء
كأن اللغة لا تهمّك.
كأن المعنى، أصلًا، عَرَض جانبي للفتنة.
وكانت كلماتكِ
تُبلّل حواسي
بنفس الماء الذي تُغرقين به الآخرين.
كنتِ امرأةً تمارس الحياة
كما يُمارسُ القنص:
بثبات،
بهدوء،
وبابتسامة للكاميرا.
كنتُ أفكّر فيكِ
كما يُفكّر الجندي في رصاصته:
هل ستنقذه؟
أم ستعلّق روحه في الهواء،
وتجعل الحياة بعدكِ
أكثر عبثًا من ضحكة على باب مشرحة؟
كل مرةٍ ضحكتِ فيها،
كان جزء مني يموت،
وكنتِ تعرفين ذلك.
تضحكين أكثر.
ترمين رأسكِ للخلف
وتتفرّجين على حريقٍ صغيرٍ ينمو في صدري.
كنتِ تكتبين رسائلي بالنيابة عني،
ثم تُرسلِينها للعدم.
كنتِ تصنعينني
ثم تضعينني على الرفّ،
كفكرة قديمة لا تليق بعصرها.
قلتِ مرة: أنا لا أحب، أنا أُجرّب.
وكنتُ أنا تجربتكِ الأطول.
كائن هجين،
نصفه رجل،
ونصفه أثر جانبي.
منذ خرجتِ من حياتي
لم يحدث شيء مهم،
فقط أصبحتُ أرى نفسي بوضوح:
كائن أُفرِغ من ذاته ببطء،
كما يُفرَغُ برميل نفطٍ من فمه الأسود،
ويُترَك هناك،
فارغًا. لامعًا. عديم القيمة.
أصدقائي قالوا إنني تغيّرت.
ضحكتي باتت أضيق،
وأحاديثي تحمل علامات استفهام أكثر من اللازم.
وأنا لم أقل شيئًا.
كيف أشرح لهم
أنكِ مررتِ بي كفكرة وجودية
أطاحت بكل البديهيات؟
كيف أشرح
أنني الآن لا أصدق الطاولة،
ولا الكرسي،
ولا المرأة التي تضحك أمامي
دون أن أبحث عمّا تحمله تحت جلدها؟
كنتِ ضربة في المفهوم.
طيفًا أتى ليخلخل العلاقة بين الدال والمدلول.
أحببتكِ،
لا لأنكِ تستحقين،
بل لأنكِ كنتِ السؤال الذي لا يُجاب.
وها أنا الآن،
أجلس في المقعد ذاته،
في المقهى الذي شهد نهايتي الأولى،
أمارس الصمت كطقس مقدّس،
وأراقب دخان سجائري
يصعد مثلكِ:
باردًا،
عابرًا،
وغير معنيّ بالذي خلّفه وراؤه.