د.فيروزالولي تكتب : بين الكفاءة والتهميش: مأزق الشاب اليمني الواعي في دوائر القرار

في قلب صنعاء، حيث تصاغ قرارات وطنٍ جريح، يقف الشاب اليمني الواعي المتعلّم، حامل أعلى الشهادات، شاهداً صامتاً على مفارقة قاسية: أن الكفاءة لا تعني بالضرورة المكانة، وأن المعرفة لا تكفل لصاحبها النفوذ. يجد نفسه تابعاً لمن لا يمتلك عُشر وعيه، ولا يضاهيه في مؤهلاته، ولا يشاطره همّه الوطني الصادق.
عقدة النقص المعكوسة
الشاب الواعي، الذي نشأ على قيم النزاهة والاجتهاد، يعاني من “عقدة نقص مركبة” لا لأنه يفتقد الكفاءة، بل لأنه يعيش في بيئة تهمّش المتميز وتحتفي بالولاء، حيث يُنظر إلى وطنيته ووعيه كتهديد، لا كقيمة مضافة. فيُقصى ويُوضع على الهامش، في حين يُفسح المجال لأبناء النافذين والفاسدين، ممن يحملون إرثاً من الأكاذيب والتضليل، ويعيشون على وهم “الاستحقاق الوراثي”.
المفارقة أن هؤلاء – رغم مناصبهم ونفوذهم – يعانون من عقد نقص أكثر عمقاً وخطورة. فهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم لا يستحقون تلك المواقع، فيبالغون في الاستعراض، ويبرعون في الكذب، كما فعل آباؤهم من قبل، لتغطية هشاشتهم الداخلية، ومحاولة تعويض ما يفتقرون إليه من شرعية حقيقية.
التمييز البنيوي والاغتراب السياسي
ما يحدث ليس ظاهرة فردية، بل خلل بنيوي في المنظومة السياسية والاجتماعية. التمييز ضد الكفاءات الشابة ناتج عن نظام مبني على المحاصصة والولاءات، لا على meritocracy (الجدارة). وهذا يقود إلى حالة من “الاغتراب السياسي” لدى الجيل المتعلم، إذ يشعر بأنه غريب في وطنه، ولا يجد تمثيله في مراكز القرار.
والأخطر أن هذا التهميش المستمر يولّد حالتين متضادتين: الانكفاء واليأس لدى البعض، أو الانفجار والثورة لدى آخرين. فحين يشعر الشباب أن كل الأبواب مغلقة، فإنهم إما ينسحبون من المشهد الوطني، أو يبحثون عن طرق “غير تقليدية” لفرض وجودهم.
الحلقة المفرغة
ما دامت مراكز القرار محجوزة لمن يملكون “الاسم” لا الكفاءة، فإننا ندور في حلقة مفرغة من إعادة إنتاج الفشل. فالمفسد يربي مفسداً، والتابع يصعد تابعاً، وتُقصى النخبة الحقيقية التي يمكن أن تنتشل البلد من أزماته.
النتيجة؟ دولة بلا مشروع وطني جامع، وقيادات تفتقر للرؤية، ومجتمع تتآكله المرارة، وينهشه الظلم.
نحو تصحيح المسار
ليس المطلوب إعطاء الشباب مناصب بالمحاباة، بل فتح الباب للمنافسة النزيهة، حيث يُكافأ المجتهد، ويُقيّم كل فرد بما يقدّمه، لا بمن هو أبوه. فالوطن الذي لا يحتضن كفاءاته، يُسلم مصيره للمهزومين من الداخل.
حان الوقت لإعادة الاعتبار للقيمة، للعقل، وللكفاءة. فالشاب اليمني الواعي لا ينقصه شيء ليكون صانع قرار، إلا أن يؤمن هو أولاً بقيمته، ويتجاوز حاجز الخوف والانقياد. فالتغيير يبدأ من الداخل، لكن يُستكمل عبر كسر الحواجز الخارجية التي صنعتها طبقة سياسية استمرأت الفشل.